كان من الواضح في الدراما السورية التي حازت على إعجاب الجمهور العربي في العقد الماضي، أنها صمتت عن أكبر حدث سياسي حلّ ببلدها وشكل القضية الأولى عالميًا منذ اندلاعه، ألا وهو الثورة السورية.
لم ينتظر أحد من الدراما السورية التعاطي بصدق وشفافية مع أحداث الثورة، لأنها وكأي منتج سوري آخر، لا يمكن أن تنتج إلا من تحت عباءة النظام، وإن تناولت أحداث الثورة بقلة، فستطرحها كـ “أزمة سورية”، أو “مؤامرة كونية” أو “خلاف أهلي تتساوى كافة الأطراف فيه بالمسؤولية”، فالعين التي ترى الأحداث السورية هي عين بشار الأسد، والرقيب على الإنتاج السوري هو المخابرات والأمن السوريين.
لكن هذا لا يخلي المسؤولية عن الفنانين “الأحرار”، الذين وقفوا موقف المؤيد للثورة منذ البداية، ونالهم ما نال كافة السوريين من ملاحقة ومضايقة أمنية لم يسلم منها أي مواطن سوري مهما بلغت شهرته وشعبيته، فلقد انتظر الجميع من هؤلاء الفنانين أعمالًا فنية ضخمة، تروي أحداث الثورة السورية بصدق وشفافية بعيدة عن مواربة وتحايل النظام السوري.
فهل الفنان السوري مقصّر فعلًا؟
يارا صبري من أبرز الفنانين الذين تبنوا قضايا الشعب السوري، وربما أكثر من اهتم بقضية المعتقلين والدفاع عنهم، وتوثيق أسمائهم، والتحري عن مصائرهم.
تتحدث صبري في مقابلة مع جريدة عنب بلدي، عن دور الفنان السوري الحر في الثورة، وفي تمثيل قضايا الشعب السوري، تقول “أعتقد أن كل فنان قد اتخذ موقفًا مع الثورة يحاول أن يقوم بما يمليه عليه ضميره، وأكثر ما يمكنه فعله في ظل غياب المؤسسات الحرة الداعمة للفن أن يتعامل مع وجوده كشخصية عامة ويتنقل من أجل المشاركة في أي من المحافل الإنسانية لنقل معاناة الناس والدعم المعنوي لهم”.
يرى الجمهور أن الفنان الحر يتوجب عليه تمثيل قضية بلده وتجسيدها بأعمال فنية تُري العالم أجمعه حقيقة ما يحصل في بلده، لكن ما لا يدركه الناس أن الفنان كفرد لايملك القدرة على إنتاج الأعمال الفنية، وهذا ما وضحته صبري في حديثها، “للأسف دائمًا يحمّلون الفنانين (الأفراد) مسؤولية التقصير في المشاركة بأعمال فنية تساهم في نشر رسالة السوريين وحقيقة الثورة … وما لا يدركه الناس عامة أن الفنان لا يمكنه إنتاج أعمالٍ أو التسويق لمنتجٍ فنيٍ دون مؤسسةٍ أو جهةٍ وطنيةٍ داعمةٍ وممولةٍ لتلك الأعمال”، مشيرةً إلى أن كل ما دون ذلك يبقى تجارب فرديةٍ.
وترى صبري “أننا بحاجة إلى منهج وحالة تراكمية حتى نصل الى استيعاب كل الإمكانات وإتاحة الفرص لها، وعدم تركها تضيع هدرًا … وأتمنى أن نرى في المستقبل القريب مؤسسات وطنية برؤوس أموال تقوم برعاية هذه التجارب وصقلها مهنيًا”، مشيرةً إلى أن هناك الكثير من المبدعين لديهم مشاريع فنية بين المسرح والسينما وحتى التلفزيون، وأيضًا الموسيقى والغناء والشعر والفن التشكيلي، يحتاجون إلى كيان يجمعهم ويدعمهم ويستغل طاقاتهم.
لومٌ للمعارضة
ترى صبري أن المسؤولين لدى النظام يدركون تمامًا أهمية الفن والإعلام في التأثير على الجمهور والرأي العام، وهذا ما جعلهم لا يغفلون هذا الجانب، ولا ينقصونه دعمًا، وما يحدث اليوم برأيها “هو زيادة جرعة التوجيه في مواضيع الدراما والإعلام المرئي في مناطق النظام”، مضيفةً “هذا ما لم تدركه أيٌ من الجهات المعارضة حتى الآن”.
مسرحية “تحت السما” وحكاية سورية
تتحدث صبري عن تجربتها خلال الثورة، “منذ 5 سنوات مرت عدة ظروف منعتني من أن أكون متواجدة على الساحة الفنية، أهمها عدم توفر العمل المناسب مما عرض علي بالإضافة لما واجهته أنا ومعظم السوريون من مشاكل بسبب جواز السفر ومدته، مما أجبرني في وقت معين على الالتزام بالبقاء في الإمارات، حيث كنت أقيم مع عائلتي إلى أن استطعت السفر في 2015 إلى تركيا، وذلك للعمل في مسلسل وجوه وأماكن من إخراج الأستاذ هيثم حقي، في الوقت نفسه كنا نعمل على مشروع مسلسل إذاعي مع راديو روزنا من 48 حلقة تم إنجازه ومازال يبث حتى اللحظة”.
وأضافت “مؤخرًا قمت مع زوجي المخرج ماهر صليبي والصديقة الكاتبة الإعلامية فاديا دلا بإنجاز عرض مسرحي بعنوان ( تحت السما)”.
والمسرحية عبارة عن “أم، تحكي فيه حكايتنا السورية من أولها وكيف فقدت عائلتها خلال السنوات الخمس الماضية بدءًا من انطلاقة الثورة السلمية وما تعرضت له هي وعائلتها وصولًا إلى لحظة موتها برصاصة قناص”.
رسالة إلى العالم
يهدف العرض بشكل أساسي إلى توجيه رسالة إلى العالم لتذكيره بما كاد أن يصبح طي النسيان، بسبب اختلاط الأوراق والدخول في حرب يشارك فيها العالم كله من أجل تحقيق مصالح سياسية وأقليمية على حساب الثورة والشعب السوري المنكوب. تقول صبري “أتامل تحقيق ما أردناه من هذا العمل وهو إمكانية عرضه في دول العالم وترجمته إلى عدة لغات حتى تصل حكاية البداية، كما ينبغي لها أن تروى للجمهور الغربي. البداية التي روج لها في كل المنابر الإعلامية الغربية على أنها حرب أهلية وتحمل هوية إسلامية متطرفة في حين أنها كانت ثورة سلمية أجبرت بسبب استخدام العنف الشنيع معها على اتخاذ منحى آخر بعد حشرها في زاوية التخلي عنها من كل المحافل الدولية”.
تابع قراءة ملف: الفن السوري في المناطق المحررة… أوركسترا بلا قائد.
– “الغناء للوطن” مع شرارة الثورة الأولى.
– فن الثورة السورية وموت “حارس البوابة”.
– حركات فنية وأهازيج توحّد خطاب السوريين السياسي.
– أغان ثورية وصلت شهرتها إلى العالمية.
– تحرر الأغنية الثورية من تزكية مخابرات النظام.
– تطور فن الغناء من الفردي إلى الجماعي في المناطق المحررة.
– بناء مسرح للأطفال في إدلب وتعليم الخط العربي.
– دخول العسكرة والتشدد قيّدا فكر الثورة.. لكن لرسامي الكايكتير كلمة!
– رسام حوران: الألم يولد فنًا وإبداعًا.
– مجلة أكرم رسلان.. تغطية أحداث الثورة برسوم الكاريكاتير.
– فنانوا الغوطة يحوّلون أدوات الموت إلى تحفٍ فنيةٍ.
– رسائل “ثورية” على جدران بنش.
– غياب النخب والكوادر الفنية وشركات الإنتاج قيّد العمل الدرامي لصالح النظام.
– محاولات فنية من لا شيء.. فرقة طريق الخبز.
– “بقعة ضوء” الثوار.. كوميديا سوداء.
– راديو فريش في إدلب تدخل تجربة الإنتاج المرئي.
– وزارة الثقافة المؤقتة.. دور “معدوم” في تطوير الفن الثوري.
– الفن وعلاج الأطفال.. حكايا من الداخل السوري.
– يارا صبري: نحن بحاجة لمؤسسات وطنية تجمع الكوادر الفنية.
– الفن السوري الكردي يرسخ هوية سوريا الجامعة.
– الفن السوري والنزع الأخير.. صراع من أجل البقاء.