ما الذي تغير بعد الزلزال..

لاجئون سوريون يكافحون لتجاوز صدمة البتر

طبيب تركي يصنع أطراف اصطناعية لأطفال سوريين في مركز تابع لجمعية الأطباء الدولية باسطنبول - 15 من آذار 2019 (الأناضول)

camera iconطبيب تركي يصنع أطراف اصطناعية لأطفال سوريين في مركز تابع لجمعية الأطباء الدولية باسطنبول - 15 من آذار 2019 (الأناضول)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – ريم حمود

“للحفاظ على حياتك بترنا ساقك اليمنى”، على هذه الكلمات، وداخل غرفة في مستشفى “شام وساكورا” بمدينة اسطنبول، استيقظ الشاب السوري سري حسان وتّي، الذي نجا من زلزال تركيا في 6 من شباط 2023.

صدمة سري ببتر ساقه استمرت للحظات قصيرة قبل أن يسأل الأطباء، هل زال خطر الموت بعد البتر؟ وهو أكثر ما كان يهم الشاب في تلك الثواني، وفق ما قاله لعنب بلدي.

سري حالة من عشرات الحالات لسوريين واجهوا المصير نفسه بفقد أحد أطرافهم عقب الزلزال، في ظل غياب الإحصائيات الرسمية للدولة التركية حول أعداد حالات البتر لدى مصابي الزلزال من جميع الجنسيات.

بحسب جمعية الأطباء الدوليين (AID)، فإن عدد الأشخاص الذين فقدوا أطرافهم في تركيا إثر الزلزال يتراوح بين 1300 و1500، ويشمل العدد بتر أحد أطراف الجسد من ساق أو يد أو كلا الطرفين، في حين قدرت لجنة الطوارئ للحوادث (DEC) العدد بنحو 850 شخصًا دون تحديد عدد اللاجئين السوريين منهم.

رغم المعاناة، يكافح لاجئون سوريون تعرضت أطرافهم للبتر لمتابعة حياتهم بالموازنة بين الماضي والحاضر، وتحدث عدد منهم لعنب بلدي حول التغيير والفوارق في حياتهم ونفسياتهم بعد أكثر من عام على مرور الزلزال.

تجربة قاسية

بعد إقامة بدأت منذ 2017 في مدينة أنطاكيا جنوبي تركيا، والانتقال للدراسة بمدينة ماردين التركية قبل أربعة أعوام بفرع علوم سياسية وعلاقات دولية، كان مقدّرًا لسري وتّي ابن مدينة سلقين التابعة لمدينة إدلب شمال غربي سوريا، أن يزور أصدقاءه في أنطاكيا بالعطلة الانتصافية ما بين الفصلين (فترة وقوع الزلزال)، ليعيش كارثته، إذ بلغت شدته 7.7 درجة على مقياس “ريختر” وكان مركزه مدينة كهرمان مرعش التركية.

وفي تمام الساعة 4:17 دقيقة، شعر سري وأصدقاؤه بالزلزال، ليفشل بالهرب من المنزل بالطابق الثاني، ويبقى محاصرًا عند درج البناء لمدة تجاوزت الـ40 ساعة لم يغب فيها عن الوعي أبدًا، وفق حديثه لعنب بلدي.

في الساعات الأولى من الزلزال، كان سري وتّي غير قادر على الحركة إطلاقًا بسبب دفن جسمه تحت الركام بشكل شبه كامل، وبعد صراخه المستمر برفقة من بقي من الجيران، سمع عدد من الشبان السوريين أصواتهم ليستطيعوا عبر استعمال أدوات بدائية جدًا فتح المجال قليلًا للتنفس ورؤيته، بحسب ما قال.

وتابع الشاب في حديثه لعنب بلدي، أن محاولات إنقاذه لم تنجح حتى عند مجيء فرق إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد) بعد 24 ساعة، لعدم إحضارهم المعدات، لتعاد المحاولة بعد ساعات عبر إحضار أصدقاء الشاب شخصًا يملك المعدات اللازمة، وهي مولدة كهرباء ومنشار حديد ومنشار حجر، وجرى سحبه من تحت الأنقاض بمساعدة عمال سوريين وأتراك.

على الرغم من أن إنقاذه لم يستغرق يومين، ما يعتبر مدة ليست كثيرة مقارنة بالكثير من الأشخاص، فإن احتمالات بتر ساقه بدت واردة لأنها تعرضت للضرر تحت الأنقاض، وهو ما أدى إلى نتائج قاسية غيرت من شكل حياته، وفق حديثه.

أما رغدة كفر جاسم، وهي تنحدر من مدينة إدلب، فإن الزلزال لم يفقدها قدمها فقط، إذ فقدت ثلاثة من أطفالها، وكان لتأخر فرق الإنقاذ العاملة في المناطق المتضررة من الزلزال دور ببقاء رغدة وزوجها وأطفالهما 13 يومًا تحت الأنقاض، ومن أسباب ذلك حجم الكارثة والدمار، وفق ما قالته لعنب بلدي.

وعن محاولات الإنقاذ، قالت رغدة، إن العملية استمرت نحو يومين متواصلين، إذ كانوا يقيمون بالطابق الأول ضمن مبنى مكون من سبعة طوابق سقط بالكامل في شارع الجمهوريات بمدينة أنطاكيا.

ونشرت وكالة “الأناضول” التركية، في 6 من شباط 2024، خلال إحياء الذكرى السنوية الأولى من الزلزال، أرقامًا تفيد بوفاة 53 ألفًا و537 شخصًا، لم تحدد عدد السوريين منهم، بينما أصيب 107 آلاف و213 آخرون.

فكرة النجاة من الموت

ثوانٍ قليلة كانت نقطة فاصلة بحياة أكثر من مليون و750 ألف لاجئ سوري في الجنوب التركي، بنسبة وصلت إلى 47% من إجمالي عدد اللاجئين السوريين في تركيا، وفق إحصائيات شباط 2023، إذ بلغ عددهم حينها حوالي 3.5 مليون لاجئ خاضعين لنظام “الحماية المؤقتة” يعيشون في عموم البلاد.

رغدة في الثلاثينيات من عمرها، عند إنقاذها من تحت ركام منزلها كانت تلتقط أنفاسها الأخيرة دون معرفة بأن قدمها ستبتر، وذكرت لعنب بلدي أنها لم تكن تشعر بإصابة قدمها خلال الأيام السابقة التي قضتها تحت الركام، أو حتى في المستشفى، لكن وجود زجاجة صغيرة بأصبع القدم كانت السبب، وكان من المحتمل أن تؤدي إلى شلل بكامل جسدها في حال لم يجرِ بترها، وفق ما قاله الأطباء في مستشفى أضنة لرغدة.

بعد شهر ونصف، استيقظت رغدة ليخبرها الأطباء أن أطفالها الثلاثة توفوا ويجب بتر قدمها، ووافقت على إجراء العملية دون تردد بمشاعر شبه معدومة بعد تلقيها خبر الوفاة الذي كان صادمًا، وفق وصفها.

قالت رغدة، إن بتر قدمها لم يكن ليحدث لو أن التدخل الطبي كان أسرع من ذلك، لكن حجم الكارثة أدى إلى بطء في الاستجابة لحالتها في ظل غياب الشخص القريب من الدرجة الأولى ليوقع على الأوراق اللازمة، بعد غياب المعلومات عن مكان زوجها الذي التقته بعد ثلاثة أشهر من وقوع الزلزال، إذ نُقل إلى مستشفى بمدينة مرسين لتلقي العلاج الفيزيائي.

“لم أحزن أو أفرح، كل اهتمامي كان يصب بفكرة نجاتي من الموت”، يصف الشب السوري سري وتّي ضبابية مشاعره في لحظة إخباره ببتر ساقه بعد ثلاثة أيام من فقدانه للوعي، وأجريت العملية في 18 من شباط 2023 باسطنبول، حيث نُقل إليها عبر طائرة طبية لخطورة وضعه.

لم يتوقع الشاب العشريني أن إصابته لن تنتهي عند بتر ساقة اليمنى، وكان يظن أنه سيكون قادرًا على الحركة عبر العكازات الطبية فور النهوض، إلا أن اكتشاف وجود أعصاب ميتة بقدمه الأخرى وحاجتها إلى علاج فيزيائي أصابت الشاب بالإحباط والإحساس بالعجز.

صعوبة التقبل لم تمنع الاستمرار

تقبل فكرة بتر أحد أطراف الجسد لم يكن سهلًا بالنسبة للأشخاص الذين تحدثت معهم عنب بلدي، وهي صدمة لا تزال حاضرة في أذهانهم، وشيئًا فشيئًا أصبح تقبل الواقع والتعايش معه بالنسبة للمبتورين الناجين بمنزلة تحدٍّ لإثبات قدرتهم على إكمال حياتهم بصورة جديدة، حتى لو خسروا أحد أطرافهم.

سري وتّي أشار لعنب بلدي إلى ضرورة التعامل الهادئ مع مصابي ذوي الإعاقة، وعدم منحهم الشعور بأن خسارتهم لأحد الأطراف تعني نهاية الفرص.

وذكر سري أن انضمامه إثر الإصابة إلى مجتمع ذوي الإعاقة جعله أكثر تفهمًا للطريقة الصحيحة للتعامل معهم.

مع بدء التعافي، قرر سري إكمال مسيرته التعليمية لحاجته للإحساس بالإنجاز، واستطاع الخروج من الحالة واستعادة حياته الدراسية، وبعد ثلاثة أشهر حضر حفل تخرجه في حزيران 2023، واعتبر ذلك رسالة لنفسه وللعالم أن الإعاقة لم تكن يومًا مانعًا لتحقيق النجاح.

أما رغدة وزوجها فاستوعبا أن لا خيار سوى القبول والتعايش مع الواقع رغم مرارته، لكنهما قررا الانتقال خارج المدينة التي فقدا فيها أطفالهما الثلاثة وفقدت هي فيها قدمها.

235 حالة بتر

أحصت جمعية “بسمة أمل” العاملة في الجنوب التركي والشمال السوري أكثر من 235 حالة بتر بسبب الزلزال ممن تواصلوا مع الجمعية، ولكل حالة قصة معاناة مختلفة، بحسب الاختصاصي غياث صوان.

وكان للجمعية دور بتركيب أكثر من 45 طرفًا صناعيًا حتى عام 2024، حيث كان المريض يتواصل مع الاختصاصي غياث صوان بشكل مباشر لفحص الحالة ومعاينتها وإعطاء التعليمات وتمارين العلاج الفيزيائي لتجهيز المصاب لتركيب الطرف الاصطناعي بعد خضوعه للعديد من المعالجات والزيارات والتدريب، وفق غياث صوان.

وقال الاختصاصي غياث لعنب بلدي، إن المريض يحتاج بعد تركيب الطرف والمشي إلى المتابعة وصيانة الطرف وتغييره بشكل دوري أول عامين من التركيب، ويعتبر أكبر عائق أمام هذه الخطوات تكاليف الطرف الباهظة التي تعمل جمعية “بسمة أمل” على تغطيتها بالجنوب التركي بشكل مجاني.

ويقيم في تركيا ثلاثة ملايين و115 ألفًا و844 لاجئًا سوريًا خاضعين لنظام “الحماية المؤقتة”، بحسب أحدث إحصائية صادرة عن رئاسة الهجرة التركية.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة