رغم سطوة التكنولوجيا.. خطاطون يستمرون في نشاطهم بالحسكة
الحسكة – مجد السالم
على جانبي الطرق الرئيسة، وعند تقاطع الشوارع الشهيرة داخل مدينة القامشلي وبقية مدن الحسكة، يمكن هذه الأيام ملاحظة من يحمل وعاء من “الكلس” ويباشر دهن الجدران المطلة على تلك الشوارع، جاعلًا منها صفحة بيضاء، يخط عليها بعد أن تجهز اسم شركة لنشاط تجاري ما، أو طبيب، أو اسم محل لبيع بضاعة معينة.
بالرغم من تطور وسائل الدعاية والإعلان وتأثيرها على مهنة الخطاطين في المحافظة، فإن نشاطهم لا يزال حاضرًا، ومهنتهم مستمرة دافعها الشغف والحب.
قال الخطاط راشد الحسين (50 عامًا) لعنب بلدي، إن لدى الخطاطين موسمًا للعمل، ينشط مع بداية فصل الصيف، إذ يزداد فيه الطلب على عملهم، حيث يكثر خروج الأهالي للتنزه أو المشي في الشوارع الرئيسة، ما يجعلها هدفًا للإعلانات الجدارية.
تحديات الحداثة
يعمل راشد في مجال الخط بالحسكة منذ سنوات طويلة، وقال لعنب بلدي، إن مهنة الخطاط واجهت الأعوام الماضية تحديات عدة، خاصة في ظل انتشار وسائل الدعاية الحديثة مثل اللوحات الإلكترونية والشاشات الرقمية.
وذكر أن الوسائل الحديثة أدت إلى قلة الطلب على أعمال الخط التقليدي، وأصبحت الشركات والأفراد يفضلون استخدام وسائل الإعلان الحديثة، لأنها توفر إمكانية التعديل بسهولة، وتحديث المحتوى بشكل دوري، ما يجعلهم أقل اهتمامًا بالأعمال اليدوية التقليدية.
وأضاف أن تكلفة المواد الخام اللازمة لأعمال الخط ارتفعت بشكل ملحوظ، ما يؤثر على أسعار الأعمال، ويجعلها أقل تنافسية مقارنة بوسائل الإعلان الأخرى.
مع ذلك، يعتقد راشد أن هناك جمالًا فريدًا في أعمال الخط التقليدي، ويحاول الحفاظ على هذه الحرفة من خلال المشاركة في المعارض والفعاليات الفنية، وتقديم أعمال مميزة تجمع بين التقاليد والتحديث.
أجور منخفضة.. الدورات دخل إضافي
وعن أجور التخطيط قال راشد إنه يعتبرها منخفضة “رغم الإبداع فيها”، فأجور تخطيط لوحة إعلانية أبعادها (3 أمتار*1.5 متر) هي 300 ألف ليرة سورية (الدولار الأمريكي يقابل نحو 14700 ليرة)، إذا كان المحتوى كتابة فقط.
ويرتفع السعر إلى 400 ألف ليرة سورية إذا تضمنت اللوحة رسومات معينة، علمًا أن المواد الأولية يشتريها الخطاط على حسابه الخاص.
وذكر الخطاط أنه لا يعتمد على أجور تخطيط اللوحات الإعلانية فقط كمصدر للدخل، لأنها ليست دائمة على مدار العام، بل يقوم بإعطاء دورات لتعليم فنون الخط العربي والرسم بالفرشاة، لافتًا إلى أن الإقبال جيد على هذا النوع من الدورات.
وإلى جانب كتابة الإعلانات على الجدران، يعتمد قسم آخر من الخطاطين على الأنشطة التي تنظمها المنظمات الدولية والمحلية العاملة في المنطقة، والتي تنفذ بين الفترة والأخرى حملات إعلانية جدارية، وما تسميها حملات “الحشد والمناصرة” لقضية اجتماعية معينة مثل مكافحة التمييز العنصري، والتوعية بأمراض معينة، أو الاحتفال بمناسبة ما تهم أبناء ومكونات المنطقة.
وتنفذ هذه الأنشطة بالتعاون مع خطاطين ورسامين يتقاضون أجورهم بالدولار الأمريكي.
“ضغطة زر”
تختلف مهنة تخطيط اللوحات الإعلانية بالطريقة اليدوية عن تلك التي أصبحت تعتمد على التقنيات الحديثة.
يعمل وسيم الراوي (35 عامًا) من القامشلي في مجال الدعاية والإعلان، وقال لعنب بلدي، إن الخطاط يحتاج إلى يوم كامل لتجهيز الجدار مكان اللوحة، فهو يعمل بيديه على دهن (تكليس) الجدار ثم الكتابة بالألوان وهو عمل مرهق بدنيًا.
في حين ذكر وسيم أنه من خلال برامج التصميم وآلات الطباعة يستطيع أن ينجز هذا العمل “بضغطة زر”، من خلف المكتب.
وعن الأجور، قال وسيم إنها تكون حسب مساحة اللوحة الإعلانية، فكل متر مربع يكلف العميل خمسة دولارات أمريكية.
وأضاف أن هذا السعر قريب من أجرة الخطاط (بعد تكاليف الأدوات والدهان)، لكن الفرق في المجهود الذي يبذله الخطاط الذي يكون بلا ثمن، حسب قوله.
كما أن هناك سرعة في إنجاز اللوحات، وسط خيارات لا حصر لها من حيث ألوان وأشكال الخطوط والرسومات، وفق وسيم.
وبحسب ما علمته عنب بلدي من عدد من الخطاطين ومحال الدعاية والإعلان، فإن هناك عوائق أمنية أمام عملهم، إذ يجب أخذ عدة موافقات من أجل كتابة إعلان أو دعاية معينة خصوصًا في المناطق التي تقع وسط مراكز المدن.
ولا يعرف عدد الخطاطين في الحسكة، لكن بحسب آخر معرض للخط أقامه فرع اتحاد الكتاب العرب وجمعية “صفصاف الخابور” الثقافية في الحسكة التابعان لحكومة النظام السوري، في شباط 2024، والذي أصبح ظاهرة سنوية، فإن عدد الخطاطين المشاركين كان 40 خطاطًا يمثلون مختلف المدارس القديمة والحديثة المشهورة بفن كتابة ورسم الخط العربي وتشكيله.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :