اللاذقية – ليندا علي
تزداد الضغوط النفسية والمادية على الأهالي وأبنائهم من طلاب الشهادتين الثانوية والإعدادية، جراء ارتفاع أجور الدروس الخصوصية، ويصل أجر الجلسة الواحدة إلى حوالي ثلث راتب الموظف أو أقل بقليل.
قالت مجدولين (42 عامًا)، وهي موظفة في القطاع العام وأم لطالب يستعد لخوض امتحان الشهادة الثانوية الفرع العلمي بعد نحو شهر، إنها دفعت نحو 2.5 مليون ليرة سورية منذ بداية العام الدراسي وحتى اللحظة، متوقعة أن يصل المبلغ لأكثر من ثلاثة ملايين ليرة بنهاية العام الدراسي.
وأضافت مجدولين التي تعيش في ضاحية بسنادا باللاذقية، أن تكلفة المعهد الخاص الذي يحصل ابنها على دروس فيه لمادتي الرياضيات واللغة العربية تبلغ 175 ألف ليرة شهريًا، بينما تدفع 40 ألف ليرة لجلسة الفيزياء وعددها مرتان أسبوعيًا، كذلك الحال بالنسبة للكيمياء والعلوم، في حين تصل أجرة الدرس الخصوصي للغة الروسية والإنجليزية إلى 25 ألف ليرة.
وأمّنت مجدولين تلك المبالغ بفرض تقشف كبير داخل المنزل، شمل حتى الطعام، ووفرت المبالغ من عملها الجزئي ومن عمل زوجها الذي قالت إنه اضطر للعمل لأكثر من 11 ساعة يوميًا حتى يدخروا المال لتدريس ابنهما.
وتعتبر مرحلة الشهادة الثانوية حاسمة بالنسبة للطلاب في سوريا، فمجموع العلامات الذي يحصل عليه الطلاب يحدد مصيرهم، والفرع الجامعي الذي سيختارونه، رغم المطالب المستمرة بتغيير هذه العقلية وترك الطالب يختار بحرية الفرع الذي يناسبه دون أن تقف العلامات عائقًا في سبيل تحقيق حلمه بدراسة التخصص الذي يريده.
أجور مرتفعة للحصص
أظهر رصد أجرته عنب بلدي لبعض مناطق الريف والمدينة والأحياء الشعبية، أن أجرة جلسة الرياضيات لمدة ساعة ونصف تتراوح بين 20 ألفًا و75 ألف ليرة، حسب المنطقة واسم المعلم، وما إن كان سيحضر إلى منزل الطالب أو أن الطالب سيذهب إلى منزله.
وتتراوح أجور الجلسة لمادة العلوم بين 30 ألفًا و50 ألف ليرة، ومثله للغتين الروسية والإنجليزية، والكيمياء والفيزياء من 40 ألفًا إلى 70 ألف ليرة، واللغة العربية من 18 ألفًا إلى 50 ألف ليرة.
وتعد الأجور المذكورة مرتفعة مقارنة بمستوى الرواتب وتأمين أدنى أولويات واحتياجات العائلة، إذ يبلغ الحد الأدنى للرواتب الحكومية في مناطق سيطرة النظام نحو 279 ألف ليرة، ويعادل الدولار الأمريكي 14900 ليرة سورية.
وارتفع دة ال تكاليف المعيشة لأسرة سورية مؤلفة من خمسة أفراد إلى نحو 12.5 مليون ليرة سورية شهريًا، بينما وصل الحد الأدنى إلى 7.8 مليون ليرة سورية.
المدارس مقصّرة
محمد (49 عامًا)، والد طالبة تستعد لخوض امتحانات الثانوية الفرع العلمي، لا يحتمل عقله التفكير بالرقم الذي دفعه حتى اللحظة للدروس الخصوصية، والذي فاق وفق تقديراته الستة ملايين ليرة، موزعة على دورات صيفية قبل الموسم الدراسي وخلاله.
واستعان محمد بشقيقه الطبيب المقيم في ألمانيا، والذي لولا حوالاته المالية لما تمكن من تغطية نفقات الدروس الخصوصية، ويأمل أن تستطيع ابنته دخول كلية الطب ومن ثم السفر إلى ألمانيا والعمل مع عمها هناك، كما قال.
ويرى محمد أن انحدار التعليم في المدارس الحكومية هو سبب الإقبال الكبير على الدروس الخصوصية، إضافة إلى العطل الطويلة خلال العام الدراسي الواحد، وقال إن غالبية المعلمين لم يتمكنوا من إنهاء المنهاج للطلاب الذين خرجوا من المدرسة للمراجعة نتيجة اقتراب موعد الامتحان.
كما تشهد الصفوف اكتظاظًا بالطلاب، إذ يصل عدد الطلاب في شعبة ابنته بإحدى المدارس داخل مدينة اللاذقية إلى نحو 40 طالبة، فيصعب على المعلمين إيصال المعلومة للجميع والتأكد من أنهم فهموها جميعهم، فكل طالب له مستوى معين من الاستيعاب، حسب قوله.
الرياضيات والعربية فقط
إلى جانب وظيفته الحكومية، يعمل إياد (43 عامًا) بعمل آخر بعد الظهر، وبالكاد استطاع دفع أجور دروس خصوصية للرياضيات واللغة العربية لابنته، معتمدًا على اجتهادها في انتزاع مجموع كافٍ يؤهلها لدخول تخصص جامعي يضمن لها السفر بعد التخرج.
وقال إياد إنه لا يمتلك أي قريب مغترب أو عمل يمنحه دخلًا كافيًا لتأمين احتياجات المنزل مع دفع أجور الدروس الخصوصية، وقد أخبر ابنته بذلك منذ بدء العام الدراسي، طالبًا منها أن تعتمد على نفسها فهذا كل ما يستطيع تقديمه لها.
وأضاف أنه وفّر كل ما يمكن توفيره من نقود لدروس ابنته، فألغى مشروبي الضيافة القهوة والمتة من المنزل، وحتى خارجه، إذ إنه لا يتذكر متى آخر مرة تناول فيها فنجان قهوة، كما أنه امتنع عن التدخين ليس لكبح ضرره بل لتوفير الأموال التي يصرفها عليه، حتى الغسالة حين تعطلت قبل حوالي الشهرين لم يصلحها وتضطر زوجته لغسل الملابس على يديها بانتظار انتهاء الامتحانات.
وكان إياد قد جهز لابنته ما أمكن من لوازم الدراسة والتركيز، مثل شراء بطارية صغيرة وجعلها خاصة بغرفتها، كي تستطيع متابعة دروسها مساء، فالبطارية التي تستخدمها العائلة قديمة وضوؤها خافت للغاية.
ويعيش الطلاب ظروفًا صعبة، فالكهرباء بالكاد تأتي أربع ساعات يوميًا مقابل 20 ساعة قطع، وشكوى الأهل من الظروف المعيشية تشكل عامل ضغط أيضًا، ولا يستطيع كل الطلاب تحويل تلك الظروف إلى دافع للنجاح، فالبعض يستسلم ويحاول البحث عن عمل آخر خارج الدراسة، خصوصًا أن رواتب الخريجين الجامعيين منخفضة سواء في القطاع العام أو الخاص مقارنة بأجور المهن الأخرى.
وتنتشر دورات افتراضية (أونلاين) للدروس الخصوصية، وتكلفة الدورة لمادة واحدة لكل الموسم الدراسي تتراوح بين 400 ألف و600 ألف ليرة، لكن ظروف الإنترنت وعدم امتلاك “موبايلات” حديثة يعتبر عائقًا أمام اتباع تلك الدورات.
ووفقًا لبعض الأهالي، فإن العديد من المعلمين في المدارس تحولوا إلى مجرد تجار يستخدمون المدرسة للترويج لأنفسهم، والحصول على زبائن لهم من الطلاب ليعطوهم دروسًا خصوصية في المنزل.