أثمان تدفعها مطلقات داخل منزل الأهل وفي المجتمع

  • 2024/05/12
  • 2:50 م
أثمان تدفعها مطلقات داخل منزل الأهل وفي المجتمع

صورة تعبيرية منشأة بالذكاء الاصطناعي - عنب بلدي

عنب بلدي – نور الحاج

“سمعتهن في الحفلة يقلن إني مطلقة، عندما كانت إحدى الحاضرات تبدي إعجابًا بي، وتتحدث عن نيتها التقدم لخطبتي لابنها”، قالت فريدة (22 عامًا)، المقيمة بمدينة اسطنبول في تركيا، هذا واحد من المواقف التي لا تعد، واجهته منذ أيام، معبرة عن أسفها للنظرة أو الوصمة التي يلحقها المجتمع بالمرأة المطلقة طوال حياتها، حتى إن لم يكن الطلاق أو حتى الزواج خيارها، وأقسى ما يؤلم في الأمر، تقول فريدة، أن تأتي هذه المواقف من بنات جنسها، فتتحقق بذلك مقولة المرأة عدوة المرأة.

تزوجت وكان عمري حينها 19 عامًا، لم أكن قد فهمت الحياة أو فهمت حتى نفسي، قالت فريدة التي مضى على طلاقها قرابة السنتين، ظننت أني أحببت هذا الشاب وأنه من الجيد أن أتزوج من أحببته، وألبس الفستان الأبيض وأكون عروسًا، وأن الحياة ستكون سهلة، اكتشفت بعدها أشياء مختلفة، وحصلت خلافات بيننا، وكان يهينني ويضربني، كنت أنوي أن أصبر رغم كل الأذى الذي سببه لي طليقي، وآمل أن يتغير، لكنه طلقني.

على الرغم من معرفتهم بكل التفاصيل السابقة، عندما عدت إلى بيت أهلي مطلقة، قاموا بالتضييق علي في كل صغيرة وكبيرة، لا تخرجي، لا تلبسي، لا تتحدثي مع فلانة، مع عبارات مثل “أنتِ مطلقة والعيون عليكِ، كل تصرف محسوب عليكِ، ما عدتِ متل قبل”، هذا عدا الضغط لأقبل بمن يتقدم لي حتى لو كان أكبر مني بسنوات كثيرة.

أضافت فريدة، بصعوبة كنت أقنعهم بأني سأعمل لأساعدهم وأعيل نفسي، وها أنا أعمل اليوم في صالون التجميل، وقد تعلمت الكثير عن هذه المهنة وأفكر في فتح محل صغير لي قريبًا، لكن حياتي ليست سهلة، أحمد الله أن هذا الزواج انتهى دون إنجاب، أفكر ماذا لو كان عندي أطفال، أعتقد أن حياتي كانت لتكون أكثر مشقة كمطلقة وأم.

المجتمع الذكوري

الهيمنة الذكورية التي سادت العالم وبوجه الخصوص المجتمعات الشرقية، هي السبب الأول خلف هذه الوصمة، هذا ما أكده الاختصاصي الاجتماعي والأسري محمود الحسن، مضيفًا أن الرجل المشرّع في مجتمعاتنا سنّ ما يلائمه من قوانين وأعراف سواء اجتماعية أو أسرية أو غير ذلك.

وتقوم هذه المجتمعات، بحسب الحسن، بتجريم المرأة في هذه المسألة، وتأطيرها بصورة ما، تختزلها بدور اجتماعي واحد يلغي قيمتها وأدوارها الأخرى في الحياة، يحدث ذلك عند سيطرة العرف والعادات في المجتمع.
تتعرض المرأة المطلقة لمظلومية حقيقية، إذ في بعض الحالات، بعيدًا عن الظلم المجتمعي، تواجه الظلم الأسري، فمنذ أن تعود مع حقائبها إلى منزل أهلها، ومعها ورقة الطلاق، يبدأ الحصار من قبل الأب أو الأخ حتى وإن كان أصغر منها، وكثيرًا ما تعرضت نساء للتعنيف من أهلهن بعد الطلاق لأتفه الأسباب، مع التضييق عليهن في كل صغيرة وكبيرة، في مأكلهن ومصروفهن، خاصة إن كان معهن أولاد.

كما تجد المرأة صعوبة في حركتها وحتى خططها للمستقبل وقرار ارتباطها مجددًا من عدمه، وفق الاختصاصي الاجتماعي الحسن، مشيرًا إلى حالات قام بها أهالٍ بتزويج بناتهن المطلقات لأول طالب، بغرض التخلص من عبء مصروفهن، أو ما يعتبرونه عارهن، وتغيير لقبهن من مطلقات إلى متزوجات.

الاستقلال الاقتصادي

ترى الاختصاصية النفسية آلاء الدالي، أن للوضع الاقتصادي للمرأة المطلقة ولاستقلالها المادي دوره أيضًا في إضعاف أو تعزيز تأثير هذه الوصمة عليها، إذ إن قدرتها على تحمل مسؤولية الإنفاق على نفسها وأولادها إن وجدوا، تشكل فارقًا كبيرًا في ذلك، وشعورها بالأمان، والاستقلالية، والقدرة على أن تقول لا وأن تصرخ في وجه من يحاول التعدي على كيانها أو حقوقها.
فالمرأة التي تعود لبيت أهلها مطلقة ولا تملك مالًا أو موردًا من عمل أو أملاك تعيش بتبعية لأهلها، وشعور بالحاجة إلى من يحميها ماديًا قبل كل شيء.
وكذلك الوعي والثقافة يجعلان من المرأة أكثر حكمة وقوة في مواجهة المجتمع ونظرته هذه إليها كمطلقة، وكذلك في تجاوزها بشكل أسرع للحدث، ويسهمان بشكل مؤكد في إمكانية حصولها على فرص عمل لتحقيق استقلاليتها المادية أيضًا.

المرأة عدوة نفسها

أكد الاختصاصي الاجتماعي والأسري محمود الحسن، أن أكثر من وصم المرأة بالسوء نظيراتها النساء، عبر الطعن بسمعتها في مجالسهن، وتنبيه بناتهن من مرافقة مطلقة خشية انحرافهن، وكأن المرأة بطلاقها تجردت من قيمها.

برأي الحسن، فإن هذه الوصمة للمطلقة انتقلت عبر أجيال، من نظرة ذكورية سلبية تجاه المرأة عمومًا، والمرأة المطلقة بشكل خاص، إلى قناعات وأحكام تتبناها، وربما تصدرها، حتى المرأة تجاه بنات جنسها، وهنا مكمن الخطورة والأزمة.

وأشار الحسن إلى أن كون المرأة كأم هي التي تربي الأطفال، وتسهم في تكوين عقلية الرجل وقناعاته بشكل مباشر منذ طفولته، مع تشرب الطفل الذكر لأفكار الأم هذه، وأحكامها السلبية تجاه المرأة المطلقة، ما يعني مستقبلًا تأثر زوجته وابنته وزميلته وجارته وبنات مجتمعه من المطلقات سلبًا بتفكيره، أو سلوكه المبني على هذه الأفكار والقناعات المكتسبة منذ الطفولة.
وكذلك تؤثر الأم هنا في ابنتها، من ناحية تكوين قناعات وأفكار وأحكام حيال الطلاق، وحيال نظيراتها من النساء المطلقات، وفي كثير من الحالات كانت هذه التنشئة الأسرية والمجتمعية واحدة من أسباب عزوف فتيات عن الزواج، بسبب ما يعرف بـ”فوبيا الطلاق”، بحسب الاختصاصي الحسن.

وتتفق الاختصاصية النفسية آلاء الدالي مع الحسن في منشأ هذه الوصمة التي تعانيها المرأة عند طلاقها، مضيفة أن تركيز المجتمع بذكوريته الطاغية على تحركات وتجارب المرأة أكثر من تركيزه على مثيلاتها عند الرجل، حتى من قبل النساء، بوصفها العنصر الأضعف، من وجهة نظر المجتمع، يدفع باتجاه التركيز على سلوكها وتجاربها، وتحليلها، ووضعها تحت المجهر.

من جهة أخرى، يدفع الواقع باتجاه إطلاق الأحكام المجحفة في كثير من الأوقات بحق المرأة والمطلقة تحديدًا، دون النظر إلى أسباب الانفصال مثلًا، من قبيل تعرضها للظلم أو التعنيف أو استحالة الحياة الزوجية لأسباب فكرية، أو اقتصادية، أو صحية، وغيرها من الأسباب، أو أن يكون الرجل مثلًا هو من أخذ القرار بالانفصال، دون رغبة منها، فيغفل المجتمع كل هذه الجوانب، مركزًا على مسألة واحدة، وهي إدانة المرأة والتعامل معها كمذنبة.

قالت الدالي، إن هذه الوصمة الملحقة بالمرأة المطلقة ليست جديدة، وكانت موجودة من قبل، بل وبحدة وبقتامة أكبر مما هو الحال عليه اليوم، فالانفتاح وتعاظم دور المرأة في الحياة، ودخولها بقوة سوق العمل كشريك ندي للرجل في شتى المجالات، أسهم في كثير من المجتمعات والأسر في التخفيف من وطأة هذه الوصمة وتأثيراتها السلبية الثقيلة على المرأة سواء أكانت مطلقة مع أطفال أو دونهم.

“لو حبيتها ممكن اتزوجها”

صبحي محمد (26 عامًا) قال، إن الزمن تغير، وإنه في وقت سابق، عندما كان يقرر فرد من أفراد عائلته الارتباط بامرأة مطلقة، كان الرفض سيد الموقف، وكانت الأحكام المسبقة تجاه المرأة التي سيرتبط بها جاهزة ومهينة للأسف، في كثير من الأحيان، حتى من النساء قبل الرجال.

اليوم يرى صبحي وهو شاب عازب يعمل في أحد المطاعم الشعبية، أنه في حال قرر الارتباط بامرأة سبق لها الزواج وانفصلت لأسباب ما، فإن القرار يعود له، لكن بشرط أن يكون هذا الزواج وليد حب عميق لا يمكنه نسيانه، “إذا حبيتها، واتفق عقلي وعقلها ممكن اتزوجها”.
وعند سؤاله هل هناك فارق بين امرأة مطلقة مع أطفال أو دونهم، أجاب دون أن يفكر، “طبعًا، لنكن صادقين”، عندما يكون معها أطفال تكون عبئًا، سوف أتحمل ماضيها وسيكون حاضرًا أمامي، يذكرني أولادها به في كل وقت، وستضطر للتواصل مع طليقها (أبو أولادها)، وأنا لست مضطرًا لذلك، أنا شاب عازب و”بيصحلي أحسن”.
ينتقل صبحي فجأة مستشهدًا بتجربة خاله في الزواج من امرأة مطلقة، قائلًا “خالي مطلق، تزوج امرأة مطلقة منذ سنة تقريبًا وهما متفقان، لكن ربما لأن حاله كحالها، أما لو كان عازبًا ربما كان فكر أكثر، لأن زواجهما زواج عائلة وليس نتيجة قصة حب”.

تجاوز الوصمة

تجد الاختصاصية النفسية آلاء الدالي أن البيئة التي تنتمي إليها الفتاة المطلقة تلعب دورًا بالغ الأهمية في تأثير الطلاق وتعاطيها مع هذه الوصمة، إذ إن من شأن البيئة الاجتماعية والأسرية السلبية أن تزيد الوضع تأزمًا، خاصة من ناحية الصحة النفسية للفتاة المطلقة، إذ تقوم بعض الفتيات نتيجة هذه النظرة إليها وهذا التعاطي السلبي معها بردود فعل قد تؤذيها قبل أي أحد آخر، فتلجأ للهروب من ضغط أسرتها التي لم تحتويها إلى إدمان المهدئات، أو غيرها من السلوكيات غير الصحية في التغذية أو مرافقة أشخاص بغرض النسيان والتخفيف عنها، دون انتقاء صحيح، أو ضوابط لهذه العلاقات.

ويزيد الأمر سوءًا إذا كانت المطلقة أمًا وليست بمفردها، إذ يشكل ذلك ضغطًا إضافيًا عليها، لا يمكنها بمفردها تجاوزه دون دعم أسري بالمقام الأول.
أما إن كانت البيئة الاجتماعية والأسرية تحتوي الفتاة المطلقة وتدعمها لتكمل حياتها، سواء في عملها أو تعليمها، وتدفعها باتجاه التحسن وتجاوز هذه التجربة، وتنظر إليها على أنها مجرد تجربة، وأن المهم أن تتعلم وتنضج، بالطبع مع هذه البيئة سوف تكون سرعة تعافي المطلقة من الصدمة وتجاوزها للتحديات الخارجية والمجتمعية أكثر قوة وعقلانية.

صعوبات التعافي

تعرضت فاديا (36 عامًا) للعديد من محاولات التحرش، سواء في مكان عملها بإحدى مؤسسات الدولة، أو حتى من جيرانها المقربين حيث تعيش في إحدى ضواحي اللاذقية.

فاديا أم لثلاثة أطفال أكبرهم عمره 13 عامًا وأصغرهم ثمانية أعوام، كان قد وقع الانفصال بينها وبين زوجها قبل أقل من عام، نتيجة مشكلات كبيرة لم يستطع الطرفان حلها لتخرج من المنزل وتطلب الطلاق، ويبقى أولادها مع والدهم لأن أهلها رفضوا استقبالهم معها.

لا يضيّق المجتمع في اللاذقية على المرأة المطلقة كغيره من المجتمعات، لكن ذلك لا يعني أن المطلقة تسلم من الوصمة والنظرة التي تطالها من عدد من الرجال الطامعين، كفريسة سهلة المنال، على حد تعبير فاديا.

لم تعد فاديا التي تعيش في أحد أحياء مدينة اللاذقية الشعبية تُعرف عن نفسها بأنها مطلقة، وتحاول كتمان وضعها الاجتماعي في كل مرة تتعرف فيها إلى أناس جدد، أو أمام رب العمل تجنبًا لتكرار مواقف تصفها بالمقرفة والمهينة بحقها.
في آخر عمل لها مثلًا كبائعة في محل للملابس بسوق هنانو باللاذقية، تحولت معاملة صاحب المحل لها من معاملة ملتزمة ورسمية، بعد أقل من شهرين على بدء العمل، إلى تماديه في محاولات التحرش الجسدي والتجاوزات في الكلام، كأن يطلب منها البقاء في المحل بفترة استراحة الغداء، ويجلب لها الطعام معه، ويغلق الباب، بحجة تناول الطعام دون إزعاج الزبائن، ثم حاول التحرش بها جسديًا وحين اعترضت وحاولت وضع حد له، قال لها، “أنت مطلقة وما حدا رح يعرف شي”، وحين تأكد من حتمية رفضها، فصلها من العمل دون أن يعطيها أجرتها.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع