ما تفسير اعتماد الأسد للشتائم في خطابه ضد المعارضة؟
على مدار السنوات الـ13 الماضية، بات مألوفًا سماع الشتائم على لسان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بحق معارضيه، والذين وصفهم عقب شهرين من اندلاع الثورة السورية في 2011، بأنهم جراثيم تتكاثر في كل مكان ولا يمكن إبادتها، إنما يمكن العمل على تقوية المناعة في الجسد لصدها.
“جراثيم، قطعان، أسراب جراد، عملاء، عبيد، وثيران” شتائم وإساءات لفظية وعبارات إنكارية وخارجة عن اللباقة جميعها كانت على لسان الأسد، مهاجمًا فيها المعارضين له، أحدثها كانت وصفهم بـ”الثيران والقطعان”، لتعكس شخصية الحاكم الحاقد القائمة على تشويه صورة الطرف الخصم، وإلغائه من الحياة، معمقة ديكتاتوريته وسطوته.
تاريخ في البذاءة
في 4 من أيار الحالي، قال الأسد خلال اجتماع موسع للجنة المركزية لـ”حزب البعث” (الحزب الحاكم في سوريا) إنه لم يسمع بـ”ثيران الثورة الذين سُمّوا خطأ بالثوار، أنهم أطلقوا صاروخًا واحدًا من أجل كرامة أهل غزة، أو تصريح أو تظاهرة مع لافتات دعمًا لهم”.
وأضاف، “لم نرَ الخونة يذهبون كالقطعان إلى الكونغرس للمطالبة بقانون لمحاسبة إسرائيل، إنما ذهبوا من أجل قانون لمحاسبة سوريا”.
“قطعان وأسراب جراد”
في تشرين الأول 2022، قال الأسد حين التقى عمالًا خلال زيارته لمعمل غاز وسط سوريا، “حين يلتقي الجهل مع العمالة ينتج خرابًا، والجهل مع العمالة يحول البشر إلى قطعان، والقطعان تحتاج إلى راعٍ من الخارج حتى يقودها (في إشارة إلى معارضيه وسردية المؤامرة التي يتحدث عنها دائمًا).
ووصف معارضيه بأسراب الجراد التي تنقض وتقضي على المحصول خلال ساعات، معتبرًا أنها أسراب بشرية من الجراد، “لكن من لحم ودم ليس لديها عقل أو أخلاق أو انتماء أو وطنية، قادت إلى هذا الخراب كله”.
“ثيران وخونة”
سبق أن وصف بشار الأسد معارضيه بـ”الثيران والخونة”، ومؤيديه بـ”الثائرين الذين أعادوا تعريف الوطنية”، وذلك في أيار 2021، بعد يوم من الإعلان عن فوزه بولاية رئاسية رابعة على التوالي مدتها سبع سنوات.
وقال الأسد مخاطبًا مؤيديه “لقد أعدتم تعريف الوطنية وهذا يعني بشكل تلقائي إعادة تعريف الخيانة، والفرق بينهما هو كالفرق بين ما سمي ثورة ثوار، وما شهدناه من ثوران ثيران، هو الفرق ما بين ثائرٍ يتشرب الشرف، وثور يعلف بالعلف، بين ثائر نهجه عز وفخار، وثورٍ يهوى الذل والعار، وما بين ثائر يركع لخالقه، وثور يخر ساجداً أمام الدولار”، وفق قوله.
“عملاء وعبيد”
وصف الأسد المعارضة السياسية بـ”العميلة للخارج“، وقال في 2017، عن المبادرات السياسية التي تطرحها المعارضة مع الجهات الدولية والإقليمية، كانوا يطرحون في كل لقاء وفي كل حوار مباشر أو غير مباشر كل ما يعبر عن مصالح الدول الأجنبية وتحديدًا المعادية لسوريا، وكانت ضد مصالح الشعب السوري.
وتابع الأسد بوصف معارضيه بأنهم”بلا وزن، وأدوات تستخدم لمرة واحدة ثم تلقى في سلة المهملات، مثل الأدوات الطبية، لكن الفرق أن الأدوات الطبية معقمة، أما هم فأدوات ملوثة لا يمكن معها إعادة التدوير والاستخدام لاحقًا”.
وفي 2015، اتهم الأسد المعارضة السورية في الخارج بـ”التبعية والعمالة”، ووصفهم بـ”العبيد”، قائلًا إن “هناك فرق كبير بين المعارضة الخارجية المنتَجة في الخارج، والمؤتَمِرة بأمره، والمعارضة الداخلية التي تشترك مع الحكومة للخروج من الأزمة، وزيادة مناعة البلاد”، على حد وصفه.
وفي 2013، قال “لدينا معارضة وطنية زجت نفسها منذ الأيام الأولى في العمل السياسي والوطني، وجزء من هذه المعارضة يتواجد معنا الآن في هذه القاعة”، مضيفًا أن هناك معارضة “لا وطنية لم يكن لها هدف سوى تحقيق المكاسب”.
افتقار إلى المكانة
لا تعد البذاءة غريبة عن عالم السياسة والحكم السلطة، لكن العلماء والساسة يرونها أنها محصورة في إطار قلة الأدب والعجز وضعف الشخصية، وعبّر عنها السياسي والمفكر الشيوعي الروسي فلاديمير لينين قائلًا “إن الشتائم في السياسة تعبر عن مدى عجز صاحبها عن تقديم نقد علمي لخصومه السياسيين”.
الدكتور في علم النفس الحيوي نيجل باربر، يرى أن تفسير الإهانة يمكن أن يكون محاولة لتقليل المكانة الاجتماعية للمتلقي ورفع المكانة النسبية للمهين، ويمكن الافتراض أن تكون الإهانات غالبًا مدفوعة بالغضب المحيط بقضايا انعدام الأمن في المكانة، كما أن العديد من الإهانات تكون بمثابة رد فعل، بمعنى أنها عبارة عن ردود على إهانات حقيقية أو متخيلة من الآخرين.
واعتبر باربر أن الغرض من الإهانة هو تقليل شخص آخر في التسلسل الهرمي للحالة المتخيلة للشخص، لذلك ليس من المستغرب أن تشير الإهانات غالبًا إلى الوضع الاجتماعي للشخص من حيث النسب، أو الافتقار إلى المكانة، أو العضوية في مجموعة “خارجية محتقرة”.
وذكر أن هناك طريقة أخرى لإسقاط شخص ما ومهاجمته، وهي التشكيك في ذكائه أو كفاءته العقلية العامة، ولأغراض الإهانة، يستخدم المهاجم كلمات مثل “أغبياء” أو “مجانين”.
كره الطرف الآخر
تتحول السياسة في بعض الأحيان إلى حالة من ما يسمى بالاستقطاب العاطفي، حيث لا تختلف المجموعات حول السياسة فحسب، بل تحافظ على كراهية عميقة للجانب الآخر وتعبر عنه، ويعد هذا النفور العميق بمثابة أرض خصبة جاهزة للخطاب القبيح، وفق ما جاء في كتاب “السياسة السيئة” لتوماس زيتزوف وهو أستاذ مشارك في كلية الشؤون العامة في الجامعة الأمريكية.
وقال زيتزوف، لعنب بلدي، إن هذه الإهانات تحدث لسببين رئيسيين، الأول أن الإهانات واللغة البذيئة تحظى بالاهتمام، خاصة من وسائل الإعلام، لذا يمكن أن تكون وسيلة للحصول على العناوين الرئيسة والتغطية الإخبارية.
السبب الثاني هو أن السياسيين يستخدمون الإهانات ولغة التهديد للإشارة إلى مؤيديهم بأنهم سيقاتلون من أجلهم، وكذلك حماية أو إيذاء أعدائهم المحتملين، وفيها إشارة للقوة.
وأضاف زيتزوف أن سوريا ليست دولة ديمقراطية، لذا ربما يرسل الأسد أيضًا إشارة إلى أعضاء نظامه عن خصومه أو أهدافه، ويحذرهم من تلك الأهداف.
ديكتاتور بعُقَد وعاهات
عبر كتابه “الأسد أو نحرق البلد“، رسم الكاتب الأمريكي سام داغر صورة نفسية لبشار الأسد، فهو ديكتاتور عانى في البداية من عُقَد وعاهات، حاول فيما بعد التعويض عنها من خلال إظهار رجولة مبالغ فيها، عبر القسوة والتهكم.
وعرّى داغر الصورة الكاذبة التي يروق للأسد أن يظهر بها، أي صورة الطبيب العصري، المنفتح التفكير والتقدمي، والذي انتهى به المطاف بطريق الخطأ في عالم السياسة.
واعتبر داغر في كتابه أن الأسد كان على استعداد لقتل مئات الآلاف من الشعب السوري للبقاء على كرسي السلطة وقبل ظهور تنظيم “الدولة الإسلامية”.
ويربط الكاتب بين القمع الكبير الذي مارسه النظام صد السوريين، وإطلاقه سراح مئات الإسلاميين من السجون بحسب الكتاب، كما نقل الكاتب عن مصادر من داخل النظام، أن الأسد أمر ضباطه بالتخلي عن نقاط حدودية مع صعود تنظيم “الدولة”، كما يتهم الكاتب، الأسد بقتل صهره آصف شوكت.
13 عامًا على الثورة
في آذار 2011، خرجت مظاهرات مطالبة بالإصلاح والتغيير السياسي وإسقاط النظام في سوريا، قابلها النظام السوري بالحديد والنار وبقبضة أمنية شديدة، ما حوّل الحراك السلمي إلى مسلّح.
وتتجه الثورة السورية نحو عامها الـ14 وهي مثقلة بعشرات آلاف المعتقلين وملايين المشردين والمهجرين، ومقتل 231278 مدنيًا، بينهم 15334 بسبب التعذيب، واعتقال تعسفي (إخفاء قسري) لـ156757 شخصًا، وتشريد قرابة 14 مليون شخص، على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا منذ آذار 2011 حتى آذار 2024، بحسب ما وثّقته “الشبكة السورية لحقوق الإنسان“.
ومن أصل الحصيلة، قتلت قوات النظام السوري 201260 شخصًا، فيما قتلت القوات الروسية 6969 شخصًا.
طوال عقود، استمدّ النظام السوري قوّته وقدرته في الحفاظ على السلطة من السيطرة الكاملة على المؤسسة العسكرية والأمنية، وبناء دولة شمولية، وإقصاء القوى المعارضة له، وتعميق التحالف مع إيران وروسيا، وفهم سياسات الاستقرار الأمني في الإقليم بالنسبة للولايات المتّحدة وإسرائيل، وغير ذلك من العوامل المحلية والدوليّة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :