تشهد مدينة إدلب، حيث تسيطر حكومة “الإنقاذ”، حالة انقسام واختلاف في وجهات النظر ضمن قطاع التعليم على مستوى الجامعات، على خلفية تعيين خريجي الجامعات من مناطق سيطرة النظام السوري ضمن المؤسسات العامة والخاصة في إدلب.
إضراب تشهده الجامعات منذ خمسة أيام، واحتجاجات ليست جديدة على المنطقة، لكنها تفاقمت مع كثرة الوافدين والخريجين من مناطق سيطرة النظام، ومنحهم تراخيص مزاولة مهنة، وزجهم في مناصب ضمن مؤسسات “الإنقاذ”، وسط قلة فرص العمل في الشمال السوري.
ولا تطبق “الإنقاذ” لقرار أصدرته عام 2022، والذي نص على منع خريجي الجامعات والمعاهد السورية خارج مناطق سيطرتها بعد عام 2016، بحسب طلاب قابلتهم عنب بلدي، معتبرين أنها “وعود خلبية كاذبة”.
وخلال الأسبوع الماضي، شهدت مجموعات وسائل التواصل المعنية بشؤون التعليم والجامعات في إدلب جدلًا واسعًا حول آلية التعامل مع الخريجين من مناطق سيطرة النظام بعد 2016.
وكانت الآراء متباينة، وصل بعضها إلى حد وصف الخريجين بـ”الشبيحة” وأنهم مدربون في القطاعات الطبية على “جثث المعتقلين والشهداء”.
كما نشطت بعض المجموعات بنشر أسماء لخريجين من مناطق سيطرة النظام ويعملون في الشمال السوري، سواء ضمن مؤسسات تابعة لحكومة “الإنقاذ” أو في القطاع الخاص.
رفض قبولهم
طرحت عنب بلدي تساؤلات على 12 جامعيًا بتخصصات مختلفة في إدلب، تمحورت حول سبب رفض الطلبة للخريجين من مناطق سيطرة النظام بعد 2016، إذا كان المتخرج لا يملك اصطفافًا سياسيًا مع النظام، ولم يرتكب أي انتهاك.
ذهب ستة طلاب إلى رفض قبولهم في المنطقة، وكانت الأسباب متشابهة وهي:
- بقاء الطلاب في مناطق سيطرة النظام السوري خلال الأعوام الماضية هو اعتراف بالنظام وبشهاداته، بينما كانت الجامعات في إدلب موجودة.
- الخريجون أتوا إلى الشمال لأنهم لم يجدوا فرص عمل، وصاروا يزاحمون خريجي المنطقة.
- سخرية بعض الخريجين من شهادات جامعات الشمال، وتباهيهم بأنهم حاصلون على شهادات من جامعات حكومة النظام.
- الجامعات في مناطق سيطرة النظام قائمة على “المحسوبيات والواسطة والاختلاط” على عكس الجامعات في إدلب.
- خريجو الجامعات في إدلب عانوا ويعانون ويلات القصف، ومعظمهم تأخر لسنوات حتى حصل على الشهادة، وبالتالي له الأولوية في التوظيف والعمل.
وحصلت عنب بلدي من طالبين على جواب الرفض للخريجين من مناطق سيطرة النظام، لسبب متعلق بأن الذهاب لتلك المناطق والبقاء فيها حرام ومخالف للدين والعقيدة، وخيانة لدم الشهداء، على حد تعبيرهما.
قبول مشروط
ثلاثة طلاب ممن سألتهم عنب بلدي قالوا إن قبول الخريجين في إدلب يجب أن يكون وفق آليات وشروط منها:
- معادلة شهاداتهم ووضع ختم حكومة “الإنقاذ” عليها.
- إجراء اختبارات لهم.
- سحب شهاداتهم وإجراء اختبار معياري لهم ومنحهم شهادات من جامعات إدلب.
- عدم تسليم الخريجين منصبًا رفيعًا في المؤسسات الحكومية.
- إعادة دراستهم لمدة عامين أو ثلاثة في جامعات مدينة إدلب.
إقصاء غير أخلاقي
اعتبر ثلاثة طلاب ممن سألتهم عنب بلدي أن رفض الخريجين من مناطق سيطرة النظام غير منطقي وعشوائي، ولا يستند إلى مبادئ الثورة والحرية والوطن والمواطنة، وهو إقصاء ومصادرة للقرار.
ويرى الطلاب الثلاثة أن الانتقادات والهجوم ليس أمرًا أخلاقيًا، وفيه تعميق للفجوة بين السوريين، مع مطالب بمنح أولوية التوظيف لصاحب الخبرة والكفاءة بغض النظر عن مصدر شهادته، مع شرط عدم ارتكابه أي انتهاك.
وأجرت عنب بلدي استطلاعًا (غير رسمي) عبر منشور في مجموعة لطلاب جامعة إدلب، طرحت خلاله أسئلة مشابهة، وتعددت الآراء ووجهات النظر، لكنها لم تتجاوز سياق هذه الأجوبة.
لجنة لمتابعة الشهادات
في 6 من أيار الحالي، أعلنت حكومة “الإنقاذ” تشكيل لجنة من 17 شخصًا معظمهم في مناصب حكومية وفي جامعات المنطقة، بالإضافة إلى مهندسين ومحامين وممثلين عن “اتحاد الطلبة” في إدلب، لمتابعة ملف حملة شهادات جامعات مناطق سيطرة النظام بعد عام 2016، على خلفية الاحتجاجات الحاصلة.
وأوكلت “الإنقاذ” مهمتين إلى اللجنة، المهمة الأولى دراسة الشهادات الممنوحة من جامعات مناطق سيطرة النظام بعد تاريخ 31 من كانون الأول 2016، والقادمين إلى مناطق الشمال السوري، وشروط ومعايير قبولها.
المهمة الثانية للجنة هي دراسة الشهادات من مناطق سيطرة “الحكومة المؤقتة” في ريفي حلب، بمنحهم مزايا خريجي الجامعات المعتمدة لدى وزارة التعليم العالي في حكومة “الإنقاذ”، من تعيين، وإكمال برامج دراسات عليا، والحصول على رخصة مزاولة مهنة.
قرار “مع وقف التنفيذ”
في 5 من أيلول 2022، أصدرت حكومة “الإنقاذ” قرارًا بمنع خريجي الجامعات والمعاهد السورية خارج مناطق سيطرتها بعد عام 2016، من العمل لدى الوزارات والجهات التابعة لها، إلا بتوفر بعض الشروط.
ومنحت “الإنقاذ” أولوية التعيين لخريجي الجامعات السورية في المناطق “المحررة” (إدلب وأريافها).
واشترطت “الإنقاذ” لتجاوز قرار المنع معادلة المؤهل العلمي لدى وزارة التعليم العالي لديها، والإقامة في مناطق سيطرتها لمدة لا تقل عن خمس سنوات.
ورغم القرار حينها، انتشرت أنباء عن تعيين خريجين من جامعات النظام في مؤسسات بالمنطقة، ما أثار غضب الطلاب في إدلب ودفعهم إلى تنظيم وقفة احتجاجية في تشرين الثاني 2022، أمام مبنى رئاسة جامعة “إدلب”.
وتعاني مناطق شمال غربي سوريا من البطالة، والتي باتت ظاهرة يضاف إليها آثارًا سلبية لها من هجرة الشباب، وارتفاع معدلات الجريمة، وزيادة مستويات الفقر بين المدنيين في المنطقة، إذ وصلت معدلات البطالة بين السكان المدنيين إلى 88.74 % بشكل وسطي (مع اعتبار أن عمال المياومة ضمن الفئات المذكورة).