يعد رسام الكاريكاتير علي فرزات من الفنانين القلة الذين تجرأوا على النظام، ووجهوا ريشتهم ضده منذ بداية الثورة. وقد دفع ضريبة وقوفه إلى جانب الثورة، بعدما تعرض لاعتداء وضح النهار في آب 2011، حين تم خطفه وضربه ضربًا مبرحًا، أدى إلى تكسير أصابعه ونقله إلى المستشفى، ما أوصل رسالة تهديد إلى كافة فناني سوريا تحذرهم من استخدام فنّهم لدعم الحراك الثوري، أو تحريض الشارع ضد النظام.
ولم يمنع هذا استمرار الحركة الفنية، بل ساهم في بروز أسماء جديدة تعبر عن واقع المرحلة، وتوصف بالقيمة، بحسب فنانين واكبوا تلك المرحلة.
يصف رسام الكاريكاتير السوري خالد قطاع، الأعمال الفنية في ظل الثورة بـ “القيّمة”، ويؤكد على أن الفن ارتبط بالحراك المدني، “وهذا ما وجدناه في بداية الثورة، فقد ظهرت أعمال فنية قيّمة ومواكبة للحدث قدمها هواة بينما الفنانون المحترفون تردد أغلبهم في الانضمام للثورة، بالتالي لم يكن هنالك أعمال تعبر عن الشعب ومعاناته وآماله بشكل احترافي”.
ومع سعي النظام الحثيث لعسكرة الثورة، أصاب الحراك المدني ضعف، وعطّل العقل والإبداع لصالح السلاحن فعلا صوته على باقي الأصوات، بالإضافة لظهور طبقة المعارضة السياسية لم تلقِ بالًا لأهمية الفن وقدرته على إيصال رسالة الثورة وتوسيع قاعدتها الشعبية. ويضيف قطاع قائلًا “القوتين العسكرية والسياسية تحكمتا في الموارد المالية المقدمة للثورة مبتعدة عن تقديم أي دعم يذكر للأعمال الفنية”.
وبحسب قطاع “لعب الفكر المتشدد دورًا كبيرًا في تحجيم وإضعاف الأعمال الفنية لتطرح أعمالًا تتماشى مع رؤاها لكنها ضعيفة وهزيلة من حيث الجودة الفنية والاحتراف التقني”.
غياب العمل الجماعي يشتت الجهود
إضافة إلى ذلك، ساهم غياب العمل الجماعي في زيادة مشكلات العمل الفني وتشتيت الجهود، ليس فقط في مجال الرسم الكاريكاتوري بل في مختلف مجالات الفنون، فالأعمال الفردية ورغم تميزها، لو كانت أعمالًا جماعية لوجدت صدى أكبر في الثورة، كما يقول رسام الكاريكاتير والصحفي السوري علي حمرة، الذي يرى أن مباردة الفنانين بعد انطلاق الثورة كانت مبادرات فردية لمناصرة الحق والمظلومين، “ولم يكن للفن منصة أو أرضية صلبة لدعمه واستمرار انتاجه، ما أدى إلى الفقر في الإنتاج الفني الثوري”.
النظام يوظف الفن والمعارضة تهمله
لم يوظف سلاح الفن في الثورة كما يجب حتى هذه اللحظة، برأي قطاع، عكس النظام السوري، الذي يدعم الإنتاج الفني “لمعرفته بأهمية هذا السلاح”، بينما القائمون على الثورة مازالوا يتعاملون مع الأعمال الفنية كنوع من الترف الذي لم يحن وقت النهوض به “للأسف”، على حد تعبيره.
تحرر الرسم من قيود “البعث”
لا يمكن المقارنة بين سقف الحرية الذي ارتفع خلال الثورة، وما أتاحه للفنان السوري، بما كان عليه قبل الثورة في ظل حكم البعث، إذ ساهم مناخ الحرية في منح الفنان مساحة أكبر يتحرك فيها، وبالتالي طرح مواضيع وأفكار جديدة ما كان يسمح له من قبل بالتطرق إليها، فالفنان تحرر من “سلطة القمع” وفق ما يرى علي حمرة، ويعتبر أن الفن الثوري كان صادقًا وقويًا، عبر عن حال المجتمع وحمل همومه ومشاكله وأوصلها للعالم باحترافية ومهنية عالية، وقال “عندما يمتلك الفنان الحرية يظهر إبداعه على طبيعته، ولا يكون إبداعًا متنكرًا بأدوات وحيل فنية”.
اغتراب الفنان عن مجتمعه يحجم فنه
تبقى مشكلة الفنان السوري الجوهرية هي اغترابه وعدم وجود الأرضية السليمة لعمله، من وجهة نظر الفنان والصحفي حمرة، “الفنان السوري مغترب ويعيش في المنفى، أي أنه لا يعيش في مجتمعه الفني الحقيقي، سواء كان داخل سوريا أو خارجها”.
مشيرًا إلى أن عدم الاستقرار أثر على الفن كغيره، وهو ما ينعكس على الإنتاج أيضًا.
ويتوافق مع هذا الرأي فنانو الداخل ممن تواصلت معهم عنب بلدي، إذ يرون أن عامل الأمان هو البيئة الأهم لعمل الفنان لا سيما الرسام.
تابع قراءة ملف: الفن السوري في المناطق المحررة… أوركسترا بلا قائد.
– “الغناء للوطن” مع شرارة الثورة الأولى.
– فن الثورة السورية وموت “حارس البوابة”.
– حركات فنية وأهازيج توحّد خطاب السوريين السياسي.
– أغان ثورية وصلت شهرتها إلى العالمية.
– تحرر الأغنية الثورية من تزكية مخابرات النظام.
– تطور فن الغناء من الفردي إلى الجماعي في المناطق المحررة.
– بناء مسرح للأطفال في إدلب وتعليم الخط العربي.
– دخول العسكرة والتشدد قيّدا فكر الثورة.. لكن لرسامي الكايكتير كلمة!
– رسام حوران: الألم يولد فنًا وإبداعًا.
– مجلة أكرم رسلان.. تغطية أحداث الثورة برسوم الكاريكاتير.
– فنانوا الغوطة يحوّلون أدوات الموت إلى تحفٍ فنيةٍ.
– رسائل “ثورية” على جدران بنش.
– غياب النخب والكوادر الفنية وشركات الإنتاج قيّد العمل الدرامي لصالح النظام.
– محاولات فنية من لا شيء.. فرقة طريق الخبز.
– “بقعة ضوء” الثوار.. كوميديا سوداء.
– راديو فريش في إدلب تدخل تجربة الإنتاج المرئي.
– وزارة الثقافة المؤقتة.. دور “معدوم” في تطوير الفن الثوري.
– الفن وعلاج الأطفال.. حكايا من الداخل السوري.
– يارا صبري: نحن بحاجة لمؤسسات وطنية تجمع الكوادر الفنية.
– الفن السوري الكردي يرسخ هوية سوريا الجامعة.
– الفن السوري والنزع الأخير.. صراع من أجل البقاء.