هوية مختلفة وحوارات ركيكة وأداء مصطنع لممثلين سوريين وعرب، في قصة معرّبة لمسلسل منسوخ من الأصل التركي.
شكل سائد ومكرر للأعمال العربية المشتركة، المنتجة والمعروضة على القنوات العربية، دون أي إضافة تذكر للعمل الفني بشكله الجديد.
والوضع العام لهذه المسلسلات، التي يخرجها ويشرف عليها أصحاب العمل الأصلي في تركيا، لا تمنح العمل المعرّب (أي المنقولة إلى العربية) أي هوية تشبه المشاهدين ومجتمعهم، وتكتفي فقط بتغيير الممثلين من أتراك لعرب وسوريين، ما يضع هؤلاء ضمن إطار ضيق قد لا يتضمن أي إبداع في الأداء وتمثيل الشخصية وفهم أبعادها.
بالإضافة لغياب أي تشابه بين المسلسل والواقع الخاص بالجمهور المستهدف.
وفي الوقت نفسه لا يبدو أن المشرفين على العمل المعرّب، يلقون بالًا لهذه التفاصيل، التي تشكل أساس العمل الدرامي، الذي يروي قصة من المفترض أن تحمل هويةً لمجتمع البلد المنتج للعمل.
دراما لا تشبه مشاهديها
حققت الدراما السورية انتشارًا عربيًا واسعًا حتى عام 2010، إحدى أبرز الأسباب التي حققت هذا النجاح والانتشار، بالإضافة للبطولة الجماعية والنصوص الجيدة.
كانت الواقعية التي صبغت قصص هذه المسلسلات، منها التصوير في شوارع حقيقية تحمل تفاصيل بصرية تشبه الناس وحياتهم، إحدى أهم عنصر في العمل الدرامي، فالصورة تشبه مشاهديها، وهو ما ينعكس كذلك على أداء الممثلين وبقية العناصر.
في المقابل، تحتوي المسلسلات التركية، الأصلية أو المعربة، على تفاصيل بصرية، لكنها قد لا تشبه مشاهدها العربي، وبالتالي ولدى تعريب العمل ونسخه، يتحول العمل لشيء لا يتصل بواقعية مطلوبة ولو بالحد الأدنى.
الناقد والكاتب الفلسطيني- السوري، سلام نصار، تساءل في حديثه مع عنب بلدي، هل تشبه هذه المسلسلات العالم العربي، الموجهة له، أم أنه مجبر على التكيف معها؟، مشيرًا إلى أنه ومع تحليل الأفكار التي تحتويها نصوص الدراما التركية بكل عناصرها، نجد مفردات دخيلة تساهم في خلق صورة بصرية جديدة يتماهى معها العالم العربي، لكنها لا تشبهه وبعيدة عنه.
إلا في حالة واحدة، يضيف نصار، أن الثقافة التركية ثقافة دافئة تلتقي ببعض العادات والتقاليد مع العالم العربي، خاصةً أن المجتمع التركي يتكون من أطياف واسعة تتقاطع في أفكار وتختلف في أخرى.
من جهته، يرى الكاتب والسيناريست، حافظ قرقوط أن الإنتاج الفني بمختلف أنواعه هو حالة إبداعية، لكنه صناعة أيضًا بدخول رأس المال إليه.
وكأي سلعة يمكن تقليدها، نسخت هذه الأعمال مع ضمان الربح، لذا فالأمر في الأساس يرتبط بالمال، ويمكن الحديث هنا عن المعيارية.
والمقصود بالمعيارية، أن يتم إنتاج العمل وتسويقه عبر شركات تهتم بالأرباح دون الاهتمام بالمعايير المحلية المرتبطة بالعمل الفني، خاصةً أن المسلسلات التركية لقيت رواجًا بسبب ما تضمنته من أسلوب جديد في تطويع العناصر الفنية، وسرعة الحوارات والمونتاج والمناظر الطبيعية.
ولكل نمط إنتاجي هناك ربح وخسارة، لكن السؤال: هل يؤخذ بالحسبان، لدى إنتاج العمل، تطوير العناصر الفنية البشرية لتقدم شيئًا من تراثها وإبداعها وتطور ذاتها أم يتم قتلها عبر تكرار واستنساخ الأعمال الأخرى، يتساءل يقول قرقوط.
كما أشار في الوقت نفسه إلى تجربة مشابهة في سوريا، عبر المسرح القومي في سوريا، ولم تكن نتائجها على المستوى المأمول.
وأوضح أن المسرح القومي في سوريا دعم مسرحيات مترجمة، ولعقود كانت التجربة المسرحية تتراجع في البلاد، ولم تؤد لإنشاء ثقافة متكاملة مسرحية في سوريا بعد دعم النظام سابقًا للتعريب لا إنتاج أعمال أصلية مسرحية.
وأضاف أن هذا ما يتكرر اليوم، لأن التجربة في هذه الحالة تبقى جامدة دون تطوير، على عكس الدراما في مصر وسوريا، عندما خاضت تجاربها وتعلمت من ذاتها ونجحت في مكان وفشلت في آخر.
|
وسبق أن تعرض ممثلون سوريون لانتقادات واسعة من قبل مشاهدين، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لضعف أدائهم خلال الأعمال المستنسخة المختلفة عن قدراتهم التي ظهرت في أعمال أخرى.
ومخرج العمل هو المسؤول عن كافة التفاصيل الفنية، بما في ذلك أداء الممثلين، ووفق ما رصدت عنب بلدي، فإن معظم هذه الأعمال أخرجها مخرجو العمل الأصليون، وكذلك الأمر بالنسبة للفريق الفني المنفذ (مدير التصوير ومهندس الصوت ومدير الإنتاج وغيرهم).
بحسب نصار، فإن الممثلين في هذه الأعمال “لا يمكن تصديقهم، وتأثروا حتى بطريقة النطق، ولم تكن النتيجة طبيعية”.
أعمال تؤثر على هوية المجتمع
يحمل العمل الفني خصوصية “انتماء”، أي أنه يستقي تفاصيله من المجتمع والناس، حتى لو كانت القصة من وحي الخيال، وفي حالة الأعمال المستنسخة تغيب هذه التفاصيل، وبالتالي تضعف قدرتها على طرح المشاكل ومعالجتها، أو حتى تقديم حكاية أصلية تضع المشاهدين أمام واقع معيّن يحكي ويعبّر عنهم، خاصةً أن نتائج هذه الأعمال كانت مخيبة للآمال.
تبدو هذه المسلسلات كسلعة استهلاكية مقلّدة، مثل أي سلعة أخرى، على اعتبار أن العمل الفني بدورته الإنتاجية، يعدّ أحد أنواع الصناعة، وهي صناعة لها تأثيرها في النهاية على هوية وشكل المجتمع.
وتختلف الآراء بين من يرى تأثيرًا مباشرًا على الناس، على الأقل، عبر طرح أفكار تمس خطوطًا حمراء لا يحكى عنها بصراحة ووضوح عادة، وتأتي من مجتمع يتقاطع مع المجتمع العربي في بعض التفاصيل الثقافية والحياتية والدينية، وبين من يستبعد هذا التأثير للظروف التي يمر بها العالم العربي عمومًا، وسوريا تحديدًا.
وفق نصار، فإنه في حال لم يكن هناك واقع في العمل الفني فلا يوجد هناك هوية، فكيف إن جرى نسخ عمل له هويته الخاصة لتطبيقه على مجتمع آخر لديه مكوناته الخاصة، إذ سيكون هناك كم كبير من التناقضات والفرق الشاسع بين الهويات، وبالتالي فإن تأثيره تأثير ثقافي وليس على صعيد الهوية.
وأضاف أن هذه المسلسلات كانت سلعة للاستهلاك، وأدوات استغلها الإنتاج العربي لطرحها على أنها ثقافة بديلة وحضارة جديدة تريد التأثير ليس لتغييره بل لاستجرار المشاهد العربي، وهي خدعة لا أكثر.
في حين يرى حافظ قرقوط أنه ليس بالضرورة أن تؤثر هذه الأعمال على هوية المجتمع، خاصةً مع الأخذ بعين الاعتبار أن نسبة المشاهدة ومهما كانت واسعة، فإن المجتمع يستمر في الدوران في مشاكله وأزماته.