خطيب بدلة
الخبر: شهدت شوارع مدينة هامبورغ الألمانية، قبل أيام، مظاهرة حاشدة، وصل عدد المشاركين فيها إلى ألف، المتظاهرون رفعوا شعارًا جريئًا هو: “الخلافة الإسلامية هي الحل”. المظاهرة أحدثت ردود فعل غاضبة في الأوساط السياسية والصحفية الألمانية، وصلت إلى حد أن وزيرة الداخلية والأمن الوطني، السيدة نانسي فايزر، صرحت بأن هذا الأمر يبعث على القلق، ويتطلب “التدخل الصارم”، وهناك تسريبات تنص على أن الأمن الألماني يتحرى الآن عن حركة “مسلم إنتراكتيف” التي قامت بتنظيم المظاهرة.
التعليق: من وجهة نظري الشخصية، أن هذه المظاهرة أقيمت في مكان خاطئ. يمكننا أن نناقش هذا الأمر بهدوء وروية، فنتساءل، بداية: هل المقصود أن تصبح ألمانيا، أو مدينة هامبورغ على الأقل، إمارة إسلامية؟ والجواب، أن هذا ممكن. ولم لا؟ ولكن هذا الأمر سوف يصطدم ببعض العقبات، أو المعوقات، منها أن الألمان لا يعرفون الشيء الكثير عن الديانة الإسلامية، فإذا أرادوا أن يطلعوا عليها الآن، من أجل إقامة دولة الخلافة المقترحة، سيحتاجون إلى مَن يترجم لهم السيرة النبوية، وكتب التفاسير، والأحكام الشرعية الرئيسة، والحدود، مع لمحة موسعة عن تجارب الخلافة الأموية، والعباسية، وصولًا إلى الخلافة العثمانية، ثم خلافة أبي بكر البغدادي في العراق والشام، وأظن أن قسمًا كبيرًا من المتظاهرين يتقنون العربية والألمانية في آن واحد، ويستطيعون إنجاز الترجمات المطلوبة في زمن قياسي.
وأما العقبة الأكبر، فهي ضلوع الدولة الألمانية، منذ ثلاثة أرباع القرن تقريبًا، في تبني العلمانية والديمقراطية كأسلوب للحكم، وهذا مرفوض من قبل الإخوة (المجاهدين/المتظاهرين)، وأنا أحب أن أذكّر حضراتكم بأن مجاهدي الشمال السوري، بعدما أصبح الحكم في أيديهم، شرعوا بتنفيذ الخطوات الأساسية لإقامة دولة الخلافة، وأول ما فعلوه أنهم طمسوا العبارات التي كانت مكتوبة على الشاخصات المرورية، في طريق إدلب- باب الهوى، وكتبوا عليها ثلاث عبارات رئيسة هي: العلمانية كفر، الديمقراطية طريق التخلف، و: أختي المسلمة، لا تنسي أن لك إخوة استشهدوا من أجل حجابك! هذا التناقض سيضع الطرفين الرئيسين في المعادلة، أعني الألمان والمجاهدين، أمام معضلة تتطلب إما أن يتنازل الألمان عن العلمانية والديمقراطية وحرية ارتداء الحجاب، وإما أن يقبل المجاهدون بالمشروطية الألمانية، وهذا سيجعل الفكرة المطروحة، أعني إقامة الخلافة، غير ذات قيمة.
وإذا كان متظاهرو هامبورغ يقصدون إقامة خلافة في بلادنا، فهذا مطلب أكثر واقعية ومنطقية، ولكنه يتجاهل أمورًا عديدة، أولها أن أي دولة عربية تفكر في إقامة خلافة سيكون مصيرها مثل مصير “داعش”، لأن الأمريكيين عندهم حساسية خاصة من هذا الأمر، ويبدو أنهم وضعوا أساطيلهم الجوية في أهبة الاستعداد لجعل الأرض تميد تحت أقدام الذين سيقيمونها، وأما إذا كان المقصود دولة خلافة مثل أفغانستان، أو إمارة أبي محمد الفاتح الجولاني، فهذا الأمر سيكون محرجًا للمتظاهرين أنفسهم، لأن أي ولد صغير يراهم، لا بد أن يسألهم: لماذا جئتم إلى ألمانيا إذن؟ أو: لماذا لا تركبون في أقرب طيارة، أو باخرة، أو بلم، وتذهبون للإقامة في أفغانستان أو في منطقة الجولاني؟