الحراك الطلابي الداعم لفلسطين

tag icon ع ع ع

لمى قنوت

تصاعد الحراك الطلابي في الجامعات الأمريكية مؤخرًا، احتجاجًا على حرب الإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي في غزة، داعيًا إلى وقفها ورفع الحصار عنها، ووقف المساعدات الأمريكية لإسرائيل، والمقاطعة الأكاديمية وبضمنها وقف برامج التبادل مع الجامعات الإسرائيلية، وسحب استثمارات جامعاتهم من الكيان المحتل.

وصم وشيطنة

في نيسان الماضي، وصم الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الأجواء في الأحرام الجامعية بأنها “معادية للسامية”، ومارس “الكونجرس” سلطته لتحريض الجامعات على قمع الحراك، عبر استدعاء رئيسات لثلاث جامعات، تم استجوابهن حول “تزايد معادة السامية”. ووصف نتنياهو الحراك الطلابي بالأمر المروع، وبـ”سيطرة جحافل معادية للسامية على جامعات رائدة”، تنادي بالقضاء على إسرائيل وتهاجم الطلاب وأعضاء هيئة التدريس اليهود، واعتبره تذكيرًا بما حدث في الجامعات الألمانية بالثلاثينيات، وطالب بإدانته ووقفه، وكان لافتًا ألا يعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، فيدانت باتيل، طلب نتنياهو هذا تدخلًا في الشأن الأمريكي، بل رحب بأي تصريحات يدلي بها نتنياهو.

يصر القادة الصهاينة وشركاؤهم على إنكار مشاركة اليهود في الحراك العالمي المناصر لفلسطين، علمًا أن منظمة “أصوات يهودية من أجل السلام”، التي بغالبها تضم يهودًا، يشاركون في تنظيم الحراك الطلابي بالجامعات الأمريكية مع منظمة “طلاب من أجل العدالة في فلسطين”، التي تضم بأغلبها طلابًا وطالبات من أصول عربية ومسلمة. ومنذ بدء حرب الإبادة على غزة، حرص اليهود المناصرون لفلسطين على ألا يمارس الإجرام الصهيوني باسمهم.

التضحية بالحريات لمصلحة الإمبريالية

في أمريكا، عندما اصطدمت الليبرالية مع سياستها الإمبريالية، تم التضحية بالأولى بسهولة فائقة، وقد شهدنا محطات لها عبر:

أولًا، عودة المكارثية، وهو مصطلح سمي على اسم السيناتور جوزيف مكارثي، ويعود إلى عام 1950، إبان فترة تم فيها قمع سياسي واضطهاد لليساريين، وتوزيع اتهامات غوغائية ومتهورة، لخلق مناخ قائم على الخوف والشك من انتشار الشيوعية في الحكومة الأمريكية.

وقد شُبه استجواب لجنة التعليم والعمل في مجلس النواب لرئيسات ثلاث جامعات، كلودين جاي رئيسة جامعة “هارفرد”، وإليزابيث ماجيل رئيسة جامعة “بنسلفانيا”، وسالي كورنبلوث رئيسة معهد “ماساشوستسس للتكنولوجيا”، في 5 من كانون الأول 2023، بعودة الممارسات المكارثية، بسبب تمحور الاستجوابات المتتالية حول “تزايد معاداة السامية” لوصم الحراك الطلابي، وأدت الضغوط الصهيونية التي لم ترضَ عن أجوبتهن إلى استقالة كل من جاي وماجيل من منصبيهما.

لقد أسهمت التغطية الإعلامية الواسعة والضخمة للحراك الطلابي في تسليط الضوء على القمع المتعدد المستويات والممارسات المكارثية التي طالت المدافعين والمدافعات عن حرية فلسطين، من اعتقال وتعليق العضوية وفصل تعسفي من الجامعة والطلب منهم إخلاء سكنهم الجامعي خلال 15 دقيقة، إلى محاصرة مستقبلهم وتشويه سمعتهم وترهيبهم، فمثلًا، حذّر ستيفن دافيدوف سولومون، أستاذ القانون التجاري في كلية الحقوق بجامعة “بيركلي” في ولاية كاليفورنيا، الشركات من توظيف طلابه، متهمًا بعضهم بأنهم “معادون للسامية” ويروجون لكراهية اليهود.

ثانيًا، مع الخيار الأمني الذي انتهجته رئاسة جامعة “كولومبيا” واستدعاء الشرطة لفض المخيم الاحتجاجي للطلبة، تفشى العنف ضد المشاركين والمشاركات فيه، وفشلت رئيسة الجامعة، نعمت شفيق، خلال استجوابها في “الكونجرس” بالدفاع عن الحق في حرية التعبير، وقوضت الحريات الأكاديمية، وفشلت أيضًا في الدفاع عن علمانية الجامعة وخضعت للترهيب الديني المتصهين عندما سألها عضو “الكونجرس” الأمريكي ريك ألين الذي طوع النص الديني ليماهي بين الهوية اليهودية القديمة وبين دولة الاحتلال الصهيوني: “هل تعلمين بسفر التكوين (12: 3)؟ وتابع بأنه كان عبارة عن عهد واضح جدًا أقامه الله مع إبراهيم “إذا باركتَ إسرائيل فسوف أبارككَ، وإذا لعنتَ إسرائيل سألعنكَ”، “في العهد الجديد إن جميع الأمم ستتبارك عبركم”، وبعد أن أجابته شفيق بأنها تعرف ذلك وبالأخص بعد شرحه، سألها مجددًا: “هل تعتبرينه شأنًا جديًا، هل تريدين أن يلعن رب الإنجيل جامعة كولومبيا؟” فأجابته: “كلا، بالطبع”.

لقد عزز عنف الشرطة في أمريكا من أهمية مطالب حركة إلغاء الشرطة، كحركة سياسية تطالب في تفكيك مؤسسة الشرطة واستبدالها بنظام آخر للأمن العام، بسبب تجذر تفوق العرق الأبيض والاستعمار الاستيطاني فيها، ولا يمكن فصل هذه المؤسسة عن الأساس الذي تشكلت منه، كجهاز يحمي الأثرياء البيض وأعمالهم ويقمع العمال والعاملات خلال ما يُعرف باسم “حروب الفحم”.

إن عنف الشرطة في أمريكا قديم- جديد ومتواصل، ركزت عليه حركة الحقوق المدنية وحركة “حياة السود مهمة” ونضال السكان الأصليين كحملة “إعادة الأرض”. وشهدنا عنفًا في الحراك الطلابي الحالي، مثل اعتقال وسحل البروفسورة في جامعة “واشنطن” جيل ستاين التي دعمت وتعاضدت مع طلابها وطالباتها بعد تدخل الشرطة الذين وصفت تعاملهم بالوحشي، أو في سحل وكسر ضلع ويد البروفيسور ستيف تاماري أستاذ التاريخ في جامعة “واشنطن سانت. لويس”، ووصف الأستاذ في جامعة “إيموري” إيميل كيمي والمشارك في دعم فلسطين بأنه شعر وكأنه في منطقة حرب، عندما رأى قوات الشرطة بكل عتادها يبعدون الطلبة بالقوة ويدمرون الخيام.

لقد أدى تصاعد الحراك الطلابي في أمريكا، والعنف الذي واجهوه وسيواجهونه، إلى تحفيز الحراك الطلابي التضامني العابر للحدود، في كل من كندا وفرنسا وطوكيو وإسبانيا والأردن وتونس والكويت ولبنان وغيرها من الدول. وفي مقابل القمع والترهيب الذي حصل في جامعة “كاليفورنيا”، أشاد 1000 أكاديمي وعالم، من الرجال والنساء بتنوعاتهن، ومن جميع أنحاء العالم، بدور الطلبة فيها، وأدانوا الجامعة والشرطة والإعلام الأمريكي الذي يحاول تشويه صورتهم.

واستقطب الحراك شرائح واسعة أبعد من المجتمع الأكاديمي، فذوي بعض الطلبة يشاركون في الحراك، وانضم لهم العديد من الناشطين والناشطات، وبضمنهم الناشطة ضد حرب فيتنام بيث ماسي، التي استعادت ذكريات حراكهم واحتلالهم للمباني في جامعة “كولومبيا” بشكل غير قانوني، وتَحمُلِهم للمخاطر حين قتلت الشرطة عددًا منهم آنذاك واعتقلت آخرين. كما شاركت الناشطة ماريون إنغرام (88 عامًا)، وهي ناجية من الهولوكوست، في تظاهرة دعمًا لفلسطين في حديقة جامعة “جورج واشنطن”، ووصفت المحتجين والمحتجات بـالأبطال.

يتقاطع الحراك الطلابي مع الحراك العالمي لمقاطعة الشركات الداعمة للاحتلال، التي حققت نتائج ملموسة خلال الأشهر الماضية، فقد بدأت مطالب الحراك الطلابي في بعض الجامعات تأتي أُكلها فمثلًا، أعلن رئيس جامعة “بورتلاند”، في رسالة أرسلت عبر البريد الإلكتروني إلى الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، نساء ورجالًا، يُعلمهم فيها بأن الجامعة قررت تجميد علاقتها مع شركة بوينغ، وتوصلت جامعة “براون” في ولاية رود آيلاند إلى اتفاق مع طلابها وطالباتها على إعادة النظر في علاقاتها مع شركات مرتبطة بإسرائيل مقابل إزالة مخيمهم من داخل الحرم الجامعي.

بين الواقع والقوننة، فقدت تهمة “المعاداة للسامية” وطأتها في ظل استخدامها المفرط كتهمة فضفاضة جاهزة لكل من ينتقد الاحتلال وسياسته وجرائمه أو يطالب بوقف إطلاق النار أو وقف الإبادة الجماعية، وعليه فقد سارع مجلس النواب الأمريكي في الأول من هذا الشهر إلى إقرار مشروع قانون يجرم وصف الاحتلال بأنه “دولة عنصرية” ويجرم المقارنة بين جرائمه وجرائم النازية وسياساتها، ويحتاج إقرار هذا القانون إلى موافقة مجلس الشيوخ عليه.

الحراك الطلابي في الجامعات الأمريكية هو جزء من الحراك العالمي المناهض للاحتلال الصهيوني وشركائه وداعميه والمطبعين معه، فاليوم يخوض الطلاب نضالًا مهمًا متصاعدًا عابرًا للحدود والقوميات والأديان، يتقاطع مع النضال ضد كل أشكال التمييز، وقد يقود استمراره إلى نفس الأثر الذي حققه الحراك الطلابي خلال أواخر ستينيات القرن الماضي وما تلاه من حراكات، وهو أمر أدركه الصهاينه فشيطنوه.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة