عنب بلدي – حسن إبراهيم
تعج سماء شمال غربي سوريا بمختلف أنواع الطائرات المسيّرة الحربية والاستطلاعية، وباتت المنطقة مسرحًا ومضمارًا لهذه الطائرات بمختلف تبعياتها، وتُستخدم للاستطلاع والهجوم والتصوير الإعلامي، كما جرى اختبار كثير منها على الأرض السورية.
مختبر للطائرات
تحولت سوريا خلال سنوات النزاع إلى “مختبر للطائرات المسيّرة” لدول ومجموعات مسلحة متنوعة، بحسب تقرير لمنظمة “باكس” الهولندية لبناء السلام.
وجاء في التقرير الصادر في تشرين الثاني 2022، أن كلًا من الولايات المتحدة وروسيا وإيران وإسرائيل وتركيا وقوات النظام السوري، استخدمت 39 نوعًا مختلفًا من المسيّرات خلال فترة النزاع المستمر منذ عام 2011.
وقالت المنظمة، إن سوريا شكّلت مختبرًا سمح للدول والمجموعات المسلحة باختبار أنواع جديدة من المسيّرات، ودرست كيف يمكن لاستخدامها أن يحسن من التكتيكات والاستراتيجيات العسكرية.
وخلال العقد الماضي، أظهرت الطائرات المسيّرة المطوّرة في الأجواء السورية كيف بدأت الجهات العسكرية المتعددة بمرحلة تعلم، وكيف عززت من معرفتها من ناحية التصميم والإنتاج.
مسيّرات انتحارية
منذ مطلع 2024، دخلت الطائرات المسيّرة الانتحارية محلية الصنع على خطوط الاشتباكات شمال غربي سوريا، وباتت سلاحًا تستخدمه قوات النظام السوري وحلفاؤها بكثافة.
وقال “المرصد 80” (أبو أمين)، المختص برصد التحركات العسكرية في المنطقة، إن الطائرات الانتحارية هي “درونات” من طراز “FPV”، محلية التصنيع بإشراف روسي- إيراني، وتستخدمها قوات النظام السوري.
وأضاف أن من يستخدم هذه المسيّرات هم قوات “الحرس الجمهوري” و”الفرقة 25″ (مهام خاصة معروفة محليًا باسم “قوات النمر”)، و”الفيلق الخامس”، لافتًا إلى أن قوات النظام صارت تستخدم المسيّرات الانتحارية كسلاح تكتيكي بشكل شبه يومي، بعد أن كانت تستخدمه بشكل قليل سابقًا.
وأوضح “أبو أمين” أن مسافة التحكم بالطائرة تصل من 3 إلى 3.5 كيلومتر، وبارتفاع من 30 إلى 35 مترًا، حاملة ذخيرة ومتفجرات محلية التصنيع، وتستهدف الدشم والسيارات والدراجات النارية، وأي آلية متحركة أو هدف ثابت ضمن هذا المدى قرب خطوط التماس.
وقال “أبو أمين” لعنب بلدي، إن استخدام هذه المسيّرات بالنسبة للمسافة كان على مرحلتين، الأولى كانت نحو 3.5 كيلومتر، والثانية وهي منذ منتصف شباط تقريبًا، تم استخدام مسيّرات انتحارية على مدى 10.5 كيلومتر.
ولا يعد استخدام إيران للطائرات المسيّرة في سوريا جديدًا، ويعود إلى عام 2012، لكن جهودها كانت تركز أكثر على تأمين البنية التحتية المادية والبشرية لهذا السلاح.
طرق للتشويش
تواجه طائرات التصوير “الدرون” صعوبات متمثلة بالتشويش والسقوط.
ولا تستطيع طائرات “الدرون” سواء التابعة لإعلاميين أو لهواة في المنطقة التحليق بحرية شمالي سوريا، نظرًا إلى كثرة النقاط العسكرية فيها وامتلاكها أجهزة تشويش ورادارات، ووجود أبراج إنترنت تؤثر بشكل أقل على “الدرون”.
مطلع نيسان الحالي، قال المصور الصحفي عارف وتد، إنه عثر على “الدرون” التي يمتلكها، بعد أن أضاعها، بسبب الهبوط بمكان غير آمن نتيجة التشويش في إدلب، وهي حالة اعتادها وتد وزملاؤه الإعلاميين في الشمال السوري.
عبد الرحمن كريج، إعلامي “فريلانسر” ومستخدم وتقني وبرمجي لـ”الدرون”، قال لعنب بلدي، إن أجهزة التشويش لها أنواع تعد ولا تحصى، لكن ثلاث طرق شائعة لذلك في الشمال السوري، وتتفاوت درجات خطورتها على الطائرة.
ويعد تشويش الموقع (GPS) الأكثر انتشارًا، ويمنع وصول الموقع إلى الطائرة، ويفقد صاحبها معرفة مكانها أو سرعتها أو مسافتها في الجو، وتعتمد إعادتها على خبرة الشخص ومدى رؤيته لها عبر العين المجردة، وليس عبر الكاميرا (الشاشة وجهاز التحكم بها)، وللطائرة أمر رجوع تلقائي، لكن في حال غاب الـ”GPS” لن ترجع تلقائيًا إلى مكانها الصحيح.
أما النوع الثاني فهو تشويش التحكم بالطائرة، ويكون عبر التشويش على الإشارة من أوامر الإرسال والاستقبال من وإلى الطائرة، ويضعف هذا التشويش الإشارة، ولا يمكن لصاحب “الدرون” إرسالها إلى مسافة بعيدة.
ومثال على ذلك، الطائرة التي مداها خمسة كيلومترات حين تتعرض لهذا النوع من التشويش لن تذهب أكثر من كيلومتر إلى 1.5 كيلومتر، وفي حال ابتعدت أكثر ستضعف الإشارة، وتضيع “الدرون” من صاحبها.
ولفت كريج إلى أن هذا التشويش (التحكم بالطائرة) ليس شرطًا أن يكون من جهاز تشويش، إذ تتأثر “الدرون” من أبراج وشبكات الإنترنت “G5″، خاصة في أجواء المدينة.
النوع الثالث للتشويش يدعى “الريد زون” أو المنطقة المحظورة، وهو تشويش يوهم الطائرة بأنها صارت فوق منطقة محظورة، لافتًا إلى أن الشركة المصنعة لـ”الدرونات” تزود الطائرات بنظام داخلي يحظر عليها الطيران فوق أماكن محددة منها أمنية وعسكرية وغيرها.
وإثر ذلك، يتم إيهام الطائرة بأنها فوق منطقة محظورة، ومجرد أن يصل إلى النظام الداخلي لبرمجة “الدرون” أنها في مكان لا يصح فوقه الطيران، فإنها تهبط بشكل سريع جدًا وتصطدم بالأرض وتنكسر.
الصيانة بالدولار
صاحب محل لصيانة طائرات “الدرون” تحفظ على ذكر اسمه، قال لعنب بلدي، إن للتشويش عدة أسباب أبرزها وجود قواعد عسكرية ونقاط أمنية تشوّش على كل الترددات والإشارات في الجو، وذكر أن أغلب الأعطال التي تصيب “الدرون” في حال فقد صاحبها التحكم بها ووقعت على الأرض محصورة بالأذرع والكاميرا.
وتختلف تبعية المواقع العسكرية بحسب الفصيل المسيطر، سواء من “الجيش الوطني” السوري” أو “هيئة تحرير الشام”، بينما تمتلك تركيا 125 موقعًا عسكريًا في المنطقة، منها 57 في أرياف حلب، و51 في مناطق إدلب، وفق مركز “جسور للدراسات“.
وذكر صاحب المحل أن الأذرع هي التي تحمل الطائرة ومحركها، وهي مناطق ضعيفة في جسم “الدرون”، لذلك تنكسر حين اصطدامها بالأرض، أما الكاميرا فهي حساسة جدًا لذلك تتعرض للضرر أيضًا.
وبمجرد أن تصيب “الدرون” صدمة ناجمة عن ارتطامها الأرض، فإن أقل عملية تصليح لها تكلف من 250 دولارًا أمريكيًا إلى 500 دولار، وتزيد التكلفة بحسب نوع الطائرة، لافتًا إلى أن الطائرة لا تخرج عن العمل بشكل كامل بعد تعرضها للسقوط (لا تنكسر كل الأذرع، وأحيانًا الكاميرا لا تتعرض لضرر).