“نفق الذل”.. عن ماضٍ مستمر في حياة السوريين
في روايتها “نفق الذل”، تغوص سميرة المسالمة، القادمة من تجربة صحفية أعقبتها بتجربة سياسية، عميقًا في بنية المجتمع السوري وتكوينه، على أكثر من مستوى، يرتبط الأول بالزمن، والآخر بالمكان، الذي يشكل المسرح الجغرافي لأحداث روايتها التي تمتد على 168 صفحة.
الاسم والمكان وزمن صدور الرواية (خلال الثورة السورية) تحمل الكثير عن الفحوى، فتضيء الرواية على كل ما عاشه السوريون بعد 2011 من أحداث يطغى فيها القتل والتهجير والتشريد، مع التطرق إلى فساد الطبقة السياسية الحاكمة، ومن يليها في هرم السلطة، نزولًا إلى عنصر الأمن، دون أن تلتزم الرواية بالحدود الجغرافية والزمنية، إذ تعكس في جانب ما هيمنة النظام السوري على بلد جار وشقيق، والتدخل في قراره.
الجو العام للرواية لا يعطي تلهية أو إشغالًا عما عاش القارئ (قبل الخروج من سوريا)، أو يعيش (داخلها) من أحداث قد لا تبدو بالوضوح الذي تنشد الرواية أن تعكسه، لكنها رواية للحقيقة وعن الحقيقة، وتقدم بصورة واضحة الأعراض التي قادت البلاد بهذا الاتجاه الذي لا يتطلب كثير شرح لتفسيره، فأعداد القتلى والمعتقلين والمختفين قسرًا، والنازحين داخليًا واللاجئين، ودمار البنى التحتية على مستوى مدن بأسرها، مع استعصاء الحل السياسي وتمسك النظام السوري بالسلطة رغم كل ما جرى، يحكي الكثير عن الواقع.
وبالنظر إلى العناوين التي تقسم الرواية في 23 مقطعًا أو قصة أو جانبًا (معابر ومقابر، حكايات الذل، انتعال رجل، مؤامرة كونية، مراسم استقبال، سيد الأقبية، طلاق بمرسوم أمني)، كلها عناوين لما يفهمه القارئ السوري قبل القراءة حتى، فالمؤامرة الكونية ثيمة واضحة أبرزها الإعلام السوري الرسمي، إعلام السلطة الحاكمة، حين حاول تصوير الثورة والمطالبة بالتغيير السياسي على أنها مؤامرة من رجس الغرب والأمريكيين وإسرائيل، لتجريد المطالب المحقة من مشروعيتها، وتشويه المطالب الوطنية بوصمة الخيانة، دون جدوى، مع امتداد الحراك الثوري على مستوى كثير من المحافظات، وإعمال قوات النظام لآلة التدمير، واجتياح المدن المأهولة، ورفع الفاتورة البشرية والتحول نحو العمل العسكري لإسكات الشارع.
الرواية التي انتهت بعد 168 صفحة لم تنتهِ في الواقع، فالنظام لا يستجيب للنقد بالوضع الطبيعي، وشعارات الإصلاح تبقى شعارات، والواقع السوري من معقد إلى أعقد، وهذه المأساة كفيلة بإطالة عمر الرواية ومنحها متنفسًا زمنيًا يبقيها معاصرة رغم مرور ما لا يقل عن عقد من الزمن على صدورها.
سميرة المسالمة، كاتبة الرواية، لم تأتِ متطفلة على المشهد، ولم تحاول تخيّل صورة يحكى عنها دون رؤيتها، إذ عملت من قبل رئيسة لتحرير صحيفة “تشرين” السورية، وهي إحدى الصحف الرسمية في سوريا، قبل إقالتها لتبنيها وجهة نظر تحمّل السلطة والقوى الأمنية مسؤولية سفك دماء المتظاهرين، ثم انخرطت في العمل السياسي مع “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :