انقسم الشارع الرياضي في محافظة درعا جنوبي سوريا على خلفية صعود نادي الشعلة لكرة القدم إلى الدوري السوري الممتاز، بين مشجع ومؤيد وبين معارض له.
واستند المعارضون للتشجيع إلى اعتبارات تتعلق بالداعمين للنادي المرتبطين بالنظام السوري، والموقف من الرياضة الحالية في ظل السلطة الحاكمة، بينما ذهب البعض إلى أن فريق الشعلة هو فريق درعا، ويمثل المحافظة وبالتالي وجب تشجيعه بغض النظر عن التوجهات السياسية.
هذه الحالة ليست جديدة في سوريا، فالرياضة ليست بعيدة عن ميدان السياسة، بل تحولت إلى أداة لتوصيل رسائل داخلية أو لتأكيد الحضور خارجيًا.
بعد 33 عامًا
في 30 من نيسان، وصل فريق الشعلة إلى الدوري السوري الممتاز بعد فوزه على فريق خطاب، بخمسة أهداف لثلاثة في مجموع مباراتي الذهاب والإياب.
وعاد الفريق إلى الأضواء بعد غياب 33 عامًا، قضاها في منافسات الدرجة الأولى والثانية بخلاف مسمياتها تاريخيًا.
وتأسس نادي الشعلة عام 1972، ويعد أحد أبرز الأندية في محافظة درعا، ويعتبر النادي المركزي، وأحرز العديد من البطولات في مختلف الألعاب التي يمارسها العاب الكرات وألعاب القوى والقوة.
ويرتبط تاريخ النادي بلعبة كرة اليد كونها اللعبة الشعبية الأولى في المحافظة، واستطاع أن يفوز على المستوى المحلي ببطولتي الدوري والكأس عام 1988، و1993.
وأحرز النادي على المستوى العربي المركز الثالث في بطولة الأندية العربية عام 1991، وصعد لدوري الأضواء لكرة القدم عام 1991.
ارتباطات عكّرت صفو الرياضة
امتنع عماد (45 عامًا) من سكان مدينة درعا عن مشاهدة المباراة سواء في الملعب أو على التلفاز معللًا ذلك بتبعية الفريق إداريًا للاتحاد الرياضي العام الذي يعد أحد أجهزة النظام السوري، ولارتباط الفريق بمازن الحميدي الرئيس الفخري للنادي والمتربط بالأفرع الأمنية.
وأضاف عماد، المولع بمتابعة الرياضة، أنه لا يمكن أن يحضر مباراة تحت راية النظام السوري، دون أن يخفي حنينه لفريق الشعلة قديمًا بما يحمله من ذكريات رياضية سطّرها أبناء محافظته، وحققوا نتائج مهمة على الصعيد الكروي، من كرة اليد، والطائرة.
واعتبر هيثم (30 عامًا) وهو من سكان مدينة درعا، أنه من المؤسف متابعة الفريق وهو يلعب تحت ذات الراية التي قتلت الشعب السوري، وتحت إشراف شخصيات أسهمت في دعم النظام.
ووصل الحديث عن نادي الشعلة إلى منابر المساجد، إذ قال الشيخ فيصل أبازيد، في خطبة الجمعة 3 من أيار، من على منبر مسجد “بلال” بدرعا البلد، إنه لا يوجد عداء مع الرياضة، إنما هو عداء مع المجرمين، من جعلوا من الرياضة بابًا لتبييض تاريخهم الأسود.
وذكر الشيخ أن لمازن الحميدي تاريخًا أسودًا مع أهالي درعا، وفي رقبته دماء أشخاص من المنطقة، كما أن لاعبين سابقين من نادي الشعلة لا يزالون قيد الاعتقال.
أما محمد خير (20 عامًا) وهو من المشجعين للفريق، فأعرب عن فرحه بالفوز والتأهل للدوري الممتاز، قائلًا إنه تابع المباراة عبر “البث المباشر” في وسائل التواصل الاجتماعي.
واعتبر الشاب أن فوز الفريق خطوة إيجابية في متابعة نجاح الفريق، وخلق فرحة لدى المنطقة جنوبي سوريا.
وكذلك يرى غسان من سكان المدينة أن الفريق يمثل محافظة درعا، ويجب دعمه وتأييده والابتعاد عن ربطه بالمسار السياسي، لأن بالنهاية هذا الفريق يحمل تاريخ المحافظة الكروي ويمثل المحافظة حاليًا.
“فريق مدعوم”
قبل المباراة، خصص رئيس النادي الفخري مازن الحميدي حافلات تنقل المشجعين من القرى ذهابًا وإيابًا على نفقته، وأُعلن عن ذلك في الصفحات المحلية الخاصة ببلدات درعا.
وشهدت المباراة حضور رئيس الاتحاد الرياضي العام فراس معلا، الذي كان برفقة الحميدي، وتجولوا في أرضية الملعب قبيل بدء المباراة.
مازن الحميدي، الرئيس الفخري لنادي الشعلة، من أهم الشخصيات الداعمة للنظام السوري، ويراه بعض الناشطين واللاعبين السابقين ممن قابلتهم عنب بلدي أنه شخصية تسعى لتبيض صورة النظام من خلال الأنشطة الرياضية، وتوزيع السلل الغذائية.
الحميدي مسؤول عن جمعية “تموز” التابعة لمؤسسة “الشهيد” في لبنان، والتي تتلقى دعمًا ماليًا مباشرًا من إيران، وينحدر من بلدة دير العدس في ريف درعا الشمالي، وكان والده أحد مرافقي الرئيس السابق، حافظ الأسد.
ويتهم أبناء درعا مازن الحميدي بتسليم مئات الأشخاص لسجون النظام من بوابة “المصالحات والتسويات”، كما يعتبرونه مسؤولًا عن مقتل المدني عبد الكريم المصري في آب 2021، قرب حاجز “السرايا”، إذ شتم الحميدي سيدة ما أدى إلى حدوث ملاسنة بينه وبين المصري فأمر بقتله، وفق ما هو متداول.
تهميش متعمد وأهداف سياسية
رافع بجبوج، مدرب سابق في نادي الشعلة لكرة اليد، قال لعنب بلدي إن النادي من الأندية العريقة على مستوى سوريا، وحقق نتائج مهمة سابقًا، إلا أن خلافًا جماهيريًا حدث في مطلع تسعينيات القرن الماضي بين مشجعي فريق جبلة، وفريق الشعلة أدى إلى تدخل أفرع الأمني واعتقال العشرات من مشجعي الشعلة.
وذكر بجبوج أن النادي تحول بعدها إلى منافسات الدرجة الثانية، وعانى من تهميش الاتحاد الرياضي العام، الذي يرتبط بشكل وثيق مع القيادات الأمنية.
وقال بجبوج إن معظم لاعبي نادي الشعلة كانوا من سكان درعا البلد التي انفجرت منها شرارة الثورة، معتبرًا أنه من المؤسف مشاهدة اليوم فريق يحمل ذات الاسم، لكن تحت علم النظام الذي قتل واعتقل الرياضيين ودمر البنية التحتية.
واستذكر بجبوج أبرز الرياضيين الذين قُتلوا على أيدي قوات النظام، منهم محمود الجوابرة لاعب كرة القدم، وهو أول قتيل في الثورة السورية.
وربط المدرب السابق رافع بجبوج صعود فريق الشعلة برغبة سياسية يريد من خلالها النظام السوري إيهام الشعب السوري بعودة الحياة لطبيعتها في محافظة درعا “مهد الثورة”.
وأضاف بجبوج أن هناك بعض البسطاء ممن تأخذهم العاطفة نحو عودة تألق نادي الشعلة على اعتبار أنه فريق المحافظة ويمثلها، لكن حتى تتحقق هذه الغاية يجب أن يكون خارج السلطة التي قتلت الرياضة والبشر.
ويشجع بجبوج اليوم فعاليات رياضية في درعا، لكن ليست تحت نطاق سيطرة النظام، كأنشطة محلية في أرياف درعا.
ويشهد الشارع السوري انقسامًا حيال تشجيع المنتخب والأندية المحلية، وسط استغلال سياسي لأي مناسبة رياضية.
وخلال السنوات الماضية، لم تكن الرياضة في سوريا بعيدة عن ميدان السياسة، بل تحولت إلى أداة لتأكيد حضور النظام خارجيًا، رغم أنها بعيدة عن أولوياته، يعمقها ضيق مالي تشهده الأندية، واتهامات بـ”الفساد والواسطة” للمنظومة الرياضية ككل.
اقرأ ايضًا: كيف يلغي الأسد “نقطة التقاء” للسوريين وراء المنتخب