“الساعاتي”.. مهنة إلى الاندثار في إدلب

  • 2024/05/05
  • 2:37 م
إقبال ضعيف على شراء وصيانة الساعات في إدلب – 27 من نيسان 2024 (عنب بلدي/ أنس الخولي)

إقبال ضعيف على شراء وصيانة الساعات في إدلب – 27 من نيسان 2024 (عنب بلدي/ أنس الخولي)

إدلب – أنس الخولي

بسبب توقف الطلب على شراء الساعات أو صيانتها، وهي مهنة زكريا سفلو، يضطر الرجل للعمل ببيع أجهزة الهاتف أو العطور في محله، حيث يقيم بمدينة إدلب شمالي سوريا.

ولم تعد مهنة زكريا التي ورثها عن والده منذ ما يزيد على 25 عامًا كافية لتأمين احتياجات الأسرة، لكنه متمسك بها بدافع الحب والشغف ولأنها تدر بعض المال، رغم أنها تتطلب صبرًا كبيرًا، حسب قوله.

وقال الساعاتي زكريا سفلو لعنب بلدي، إن مهنة تصليح الساعات كانت كفيلة بتأمين حياة رغيدة للعامل بها، لكن التطور والتقدم التكنولوجي وانتشار أجهز الهاتف المحمول، أدى إلى توقف الطلب على الساعات بشكل شبه كامل، وهدد بانقراض مهنة “الساعاتي”.

إلى جانب تجارة الساعات، وبحثًا عن مصدر آخر للدخل، عمد زكريا إلى العمل في تجارة أجهزة المحمول، إلا أنه تعرض لخسائر مالية في بعضها، ولم يحقق مردودًا ماليًا جيدًا في بعضها الآخر، ويبحث حاليًا عن تجارة أخرى مرافقة لتجارة الساعات.

طلب قليل

أدى التقدم والتحول الرقمي وانتشار أجهزة الهواتف التي تحتوي على ساعة ومنبه يمكن ضبطه بسهولة، إلى استغناء كثيرين عن شراء الساعات التقليدية، ما هدد مهنة “الساعاتي” بالانقراض.

وذكر “الساعاتي” زكريا أن الشبان اليوم يشترون الساعات كهدايا لبعض المناسبات، أو يقتنونها كـ”إكسسوار” يزين معصم اليد فحسب، غير آبهين إن كانت الساعة مضبوطة على الوقت، أو حتى لو كانت لا تعمل، وذلك لاعتمادهم على أجهزة الهاتف.

وتبدأ أسعار الساعات الرائجة في إدلب من 2.5 دولار أمريكي وحتى عشرة دولارات، ويزداد الطلب على الساعات خلال فترات الأعياد، أما الساعات ذات الأسعار المتوسطة، فهي ذات الأحزمة المعدنية، ويزيد سعرها على عشرة دولارات، وتستخدم كهدايا في مناسبات الأعراس.

وأضاف زكريا أن هناك طلبًا قليلًا جدًا على الساعات غالية الثمن من الماركات العالمية كـ”السيتيزن” و”الكاسيو” و”الجوفيال” و”الفجر” و”الحرمين”، التي تستورد من دول الخليج العربي، ويصل سعر الواحدة من هذه الأنواع إلى 150 دولارًا أمريكيًا.

وفي الشمال السوري، تصل أجرة العامل يوميًا في أحسن الأحوال إلى 100 ليرة تركية (نحو ثلاثة دولارات أمريكية)، بينما وصل حد الفقر المعترف به إلى 10843 ليرة تركية، وحد الفقر المدقع إلى 8933 ليرة.

الصيانة متوقفة

توقف الطلب على صيانة الساعات بسبب انتشار الساعات الرخيصة بين أيدي المواطنين، وعدم توفر قطع التبديل والصيانة للساعات غالية الثمن، ما أدى إلى تراجع الصيانة، وحتى “انقراضها”، بحسب ما ذكره بعض أصحاب محال الساعات في إدلب لعنب بلدي.

ويحتاج العمل بصيانة الساعات إلى الكثير من الجهد والوقت والدقة.

مفيد الخطيب (52 عامًا) مهجر يقيم في مدينة إدلب، ويعمل في مهنة صيانة الساعات منذ 35 عامًا، يعتمد اليوم على مهنة تركيب العطور وتجارة الإكسسوارات كمصدر رئيس للدخل بسبب توقف الطلب على صيانة الساعات.

وقال مفيد لعنب بلدي، إنه توقف عن استيراد قطع غيار الساعات منذ عشر سنوات بسبب توقف طلبات الصيانة، واضطر للبحث عن مصدر آخر للرزق إلى جانب مهنة التصليح.

وبحسب مفيد، فإن هناك سببين رئيسين لتوقف الطلب على صيانة الساعات، الأول أن غالبية المواطنين لم يعودوا يهتمون بالساعات بعد اعتمادهم على أجهزة الهاتف المحمول.

والسبب الثاني هو اقتناء الساعات الرخيصة، لذلك فإن الأشخاص لا يصلحونها في حال توقفها عن العمل لقلة سعرها أصلًا، وقلة اهتمامهم بالساعة.

من جانب آخر، يقتني قليل من المواطنين ساعات ذات ماركات مرتفعة الثمن ويهتمون بها، ولكن ندرة هذه الساعات تحول دون استيراد قطع غيار لها من قبل العاملين في هذه المهنة، ما يجبر صاحب الساعة على رميها في أحد الأدراج كقطعة تراثية يحتفظ بها في منزله، وفق تعبير مفيد لعنب بلدي.

وذكر مفيد أن طلبات الصيانة التي ترد إلى محله في مدينة إدلب نادرة من الذين يرتدون ساعة يد متوسطة الثمن، وصاحب الساعة يعجبه شكلها ولا يرغب بتغييرها، أما الساعات غالية الثمن كـ”الكاسيو والروليكس والأورينت والفيترون” فترد إلى محله بنسبة أقل، ولا يمكن صيانتها بسبب عدم توفر قطع الغيار.
وغالبًا ما يتراجع أصحاب الساعات “الغالية” عن الصيانة عند إخبارهم بضرورة استيراد القطع على حسابهم الشخصي، بسبب ارتفاع ثمنها وتكاليف شحنها، وينتهي المطاف بهذه الساعات في إحدى خزائن المنزل، وفق الساعاتي مفيد.

وتواجه بعض المهن صعوبات الاستمرار في إدلب، وكذلك تواجه معظم الحرف والمنتجات المحلية بمختلف المستويات منافسة من البضائع المستوردة، التي تغيب الرقابة عن تحديد كمياتها الداخلة للمنطقة، وتؤرق التجار وأصحاب الحرف، الذين يشتكون بدورهم من خسائر مالية، ومن تهديد مصدر رزقهم.

يسكن شمال غربي سوريا 5.1 مليون شخص، منهم 4.2 مليون بحاجة إلى مساعدة، و3.4 مليون منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، 3.4 مليون منهم نازحون داخليًا، ومليونان يعيشون في المخيمات، وفق الأمم المتحدة، في حين تتحدث إحصائيات محلية عن 5.5 إلى 6 ملايين شخص.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع