إذا تكلمنا عن الفن في زمن الثورة يجدر بنا الإشارة أولًا إلى أعظم حدث سياسي وفني قام به السوريون، ألا وهو المظاهرات.. القاعدة التي انطلقت منها كل الفنون الثورية.
“يلا إرحل يا بشار”، “جنة جنة جنة، جنة يا وطنا”، وغيرها الكثير من الأغاني لا يجهلها أي إنسان سوري، حتى أن القاشوش والساروت وأبو مالك الحموي، وعبد الوهاب الملا، وأبو الجود الحلبي، باتوا من الأسماء التي دخلت تاريخ سوريا الحديث.
الثورة السورية التي انطلقت في آذار 2011 لتنادي بالحرية وإسقاط نظام بشار الأسد، سرعان ما تطورت من مظاهرات طيارة واعتصامات أمام أفرع الأمن، وأخذت مع توسع رقعتها الجغرافية على امتداد المدن السورية شكلًا فنيًا محدثًا، لم يشبه أي نمط من الفنون التراثية التي عرفتها سوريا.
حملت هذه المظاهرات خطابًا سياسيًا ومطالب شعبية أجمع عليها السوريون، انطلاقًا من تسمية أيام الجمع التي كانت تنطلق فيها التظاهرات، إلى الهتافات التي كانت تتردد فيها واللافتات التي يحملها المتظاهرون.
تفجرت حناجر منشدين سوريين بأصوات خلدها التاريخ، لتقود جموعًا من الناس، مترافقه مع حركات بالأيدي بالتصفيق تارة أو بالتلويح، يتمايل معها الجميع بحركة متناغمة وروح واحدة. وأحيت هذه الأهازيج ألحانًا من التراث السوري، كما ابتكرت في بعض الأحيان ألحان جديدة ألفها هواة أو فنانون أفرزتهم الثورة ولمع نجمهم من خلال المظاهرات.
وكان لإبداع الرسامين في المظاهرات دور كبير، فبرز فن الكاريكاتير ليحتل موقعًا مهمًا في اللافتات، اشترك فيه مع الخطاطين والمبدعين من الناشطين الذين أغنوا اللافتات بأفكار لا تخلوا من روح الفكاهة، وربما كان المكتب الإعلامي في كفرنبل الأكثر شهرة في هذا النوع من الأنشطة بلوحاته وأفكاره، التي أخذت دورًا رائدًا في الثورة، وبات السوريون ينتظرونها كل أسبوع، كما بلغت حد توجيه الرسائل للمجتمعات الغربية ووسائل إعلامها للتأثير على الرأي العام لديها.
هل ما أنتجته الثورة فنًا أم ارتجالًا؟
يعتقد بعض النقاد والمتابعين لحال الفن في ظل الثورة، أن الثورة لم تفرز فنًا جديدًا، وإنما ما أنتجته من فنون متعلقة بالأدب أو التصوير أو الرسم يعد ارتجاليًا، لم يرتق بعد لدرجة الاحترافية، ويخلو من ابتكار أنماط جديدة.
الفن مرآة للمجتمع، تعكس واقع جيل في مرحلة ما، وتعكس ثقافته وتقاليده ما يمر به من أحداث تاريخية. فإذا كان تعاطي الفن مع مرحلة الثورة فاقدًا للشفافية ومرتبطًا بأهداف قد تخدم مشروعًا سياسيًا معينًا، أو كان موجهًا لتشكيل هوية وثقافة الإنسان بقالب معين، يفقد الفن قيمته ومصداقيته، ويخرج من إطار الإبداع الحقيقي ويصبح مستهلكًا، وربما ينطبق هذا على ما أُنتج خلال الثورة من أعمال فنية تحت إشراف مؤسسات الإعلام المُسيطر عليها من قبل النظام.
وعلى اعتبار أن ما يمر به المجتمع السوري اليوم، هو “مخاض” حقيقي يعيد بناء الذات، وتحديد الهوية السورية الجديدة، فإن الفن يكون من أهم ما يساهم في ذلك.
في هذا السياق تعتبر هدايا “أن الثورة السورية فتحت المجال واسعًا أمام إبداع فني جديد”، معتبرة الفترة التي تمر بها الثورة الآن مخاضًا لإنتاج فني “مذهل” ستقبل عليه البلاد.
لذلك يعتبر الكثير من المحللين أن سوريا في المرحلة الحالية تعيش مرحلة إبداع فني جديد، مرتبط بتجربة الواقع السوري المتمثل بالمآسي والتضحيات واللجوء، ونابع عن تجارب صادقة تصل للجمهور بشفافيتها دون مواربة أو تحريف أو تشويه.
هذه الأرضية، التي تنتج الفن حاليًا، مع وجود حجم ألم كبير يعاني منه الناس، تعتبر مؤججًا ومولدًا أساسيًا للفنون، وستكون أرضًا خصبة لولادة إرث فني ضخم، قد يكون له سبق في أنماط وقوالب جديدة، ربما تكون قد بدأت تتبلور في المرحلة الحالية.
وفي هذا الإطار، تقول وزيرة الثقافة، سماح هدايا، “انطلاقًا من اطلاعي على الكثير من الأدب الشبابي والكثير من التجارب، استمعت لسيدات وفتيات كتبن في القصة القصيرة والشعر، وكان لديهن الجرأة للخوض في وحشية الحرب وقسوتها، وهذه أمور كانت ربما لا تخوض فيها مسبقًا لأنها مواضيع موجعة”.
وترى هدايا “أن الثورة غيرت وجيشت المشاعر والوجدان والتفكير والرؤى والتجارب، وصار الفرد السوري يدرك أن له دورًا اجتماعيًا وسياسيًا يجب أن يقوم به”.
تابع قراءة ملف: الفن السوري في المناطق المحررة… أوركسترا بلا قائد.
– “الغناء للوطن” مع شرارة الثورة الأولى.
– فن الثورة السورية وموت “حارس البوابة”.
– حركات فنية وأهازيج توحّد خطاب السوريين السياسي.
– أغان ثورية وصلت شهرتها إلى العالمية.
– تحرر الأغنية الثورية من تزكية مخابرات النظام.
– تطور فن الغناء من الفردي إلى الجماعي في المناطق المحررة.
– بناء مسرح للأطفال في إدلب وتعليم الخط العربي.
– دخول العسكرة والتشدد قيّدا فكر الثورة.. لكن لرسامي الكايكتير كلمة!
– رسام حوران: الألم يولد فنًا وإبداعًا.
– مجلة أكرم رسلان.. تغطية أحداث الثورة برسوم الكاريكاتير.
– فنانوا الغوطة يحوّلون أدوات الموت إلى تحفٍ فنيةٍ.
– رسائل “ثورية” على جدران بنش.
– غياب النخب والكوادر الفنية وشركات الإنتاج قيّد العمل الدرامي لصالح النظام.
– محاولات فنية من لا شيء.. فرقة طريق الخبز.
– “بقعة ضوء” الثوار.. كوميديا سوداء.
– راديو فريش في إدلب تدخل تجربة الإنتاج المرئي.
– وزارة الثقافة المؤقتة.. دور “معدوم” في تطوير الفن الثوري.
– الفن وعلاج الأطفال.. حكايا من الداخل السوري.
– يارا صبري: نحن بحاجة لمؤسسات وطنية تجمع الكوادر الفنية.
– الفن السوري الكردي يرسخ هوية سوريا الجامعة.
– الفن السوري والنزع الأخير.. صراع من أجل البقاء.
لقراءة الملف كاملًا: الفن السوري في المناطق المحررة.. أوركسترا بلا قائد.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :