ما زالت “مبادرة المناطق الثلاث” تحظى بدعم متزايد، بعد مضي حوالي شهرين على انطلاقها، وكان أحدث المنضمين للمبادرة محافظتي حمص والحسكة، وبالتالي أصبحت الوثيقة تضم 8 مناطق سورية حتى الآن، وسط مطالبات بأن تشمل باقي الجغرافيا السورية.
الحسكة حاضرة
أعلنت “الهيئة السياسية لمحافظة الحسكة“، في 27 من نيسان الماضي، انضمامها لـ”وثيقة المناطق الثلاث”، وتصديقها على كل ما جاء فيها، لافتة إلى تطلعها لاستكمال النقاشات الدائرة لانضمام مناطق سورية أخرى، ليكمل هذا المشروع الوطني “الواعد” خطوته الأولى في الانتشار والتنسيق وبناء الثقة على امتداد الأرض السورية كلها.
وأكدت “الهيئة” وقوفها “صفًا وطنيًا واحدًا مع المناطق الست التي تمثلها الفعاليات والأطياف الثورية في ريف حلب الشمالي ودرعا والسويداء والجولان والساحل السوري وإدلب”، مؤكدة أنه “بموجب هذا البيان فإن الوثيقة أصبحت تضم سبع مناطق سورية، يعمل بعضها مع بعض على مبدأ الشراكة الوطنية لبناء الثقة، بغية الوصول إلى الانتقال السياسي الذي يلبي طموحات السوريين”.
وقال عضو “الهيئة السياسية لمحافظة الحسكة”، خلف موان جبارة وادي، لعنب بلدي، إن “انضمام الحسكة لوثيقة المناطق الثلاث جاء بعد تواصل المشرفين على تلك الوثيقة قبل حوالي شهر ونصف مع المجلس التنفيذي للهيئة، ليقوم المجلس بالتشاور مع منظمات المجتمع المدني والتشكيلات الثورية والاجتماعية في رأس العين، وعرض بنود المبادرة الخمسة عليها”.
وأضاف وادي، “كانت القراءة المتأنية والدقيقة للمبادرة، بما تضمنته من خطاب سياسي عقلاني واعٍ وواقعي، وبعد استشارة العديد من المختصين بالفكر السياسي، هي المشجع لاتخاذ قرار الانضمام للوثيقة، خاصة في ظل الانسداد السياسي وشبه التعليق لملف الثورة السورية في المحافل الدولية، وسعي بعض الدول العربية لإعادة تأهيل النظام، وخطر التغيير الديموغرافي الذي تمارسه (قوات سوريا الديمقراطية)، يضاف إلى ذلك دعاوى التقسيم التي بدأ تداولها مؤخرًا، ومحاولة تصديرها كحل لا بد منه أمام خيار بقاء الأسد، ما حفزنا على الانضمام لتلك المبادرة، التي تدعو لوحدة سوريا”.
تشكلت “الهيئة السياسية لمحافظة الحسكة” عام 2019، بعد انتخابات شملت كل مناطق المحافظة كهيئة عامة، أنتجت أمانة عامة للهيئة، ومجلسًا تنفيذيًا منتخبًا من قبل الأمانة العامة.
وشدد وادي على أهمية المبادرة كونها تدعو لتجاوز الهويات المحلية المنغلقة، وتتبنى الخطاب الوطني الثوري التحرري، وتؤكد أن كل الأحلام مشروعة تحت سقف الوطن السوري الواحد، وإسقاط “نظام الأسد”، وصولًا الى الدولة السورية الواحدة الموحدة، التي يقف كل مواطنيها على قدم المساواة أمام الحقوق والواجبات.
هل انسحبت الحسكة لاحقًا؟
بعد يومين على انضمام الحسكة لـ”مبادرة المناطق الثلاث”، انتشرت أخبار على منصات التواصل الاجتماعي تفيد بانسحابها من الوثيقة، ما أثار جدلًا حول ذلك.
لكن خلف موان جبارة وادي نفى خبر انسحاب الهيئة في الحسكة من “مبادرة المناطق الثلاث”، وقال إن البيان الذي تم تداوله لا يمثلهم، بل صدر عن جهة أخرى تسمي نفسها “الهيئة السياسية العامة لمحافظة الحسكة“، موضحًا أنه “هذه الجهة كانت جزءًا من الهيئة السياسية في الحسكة وانفصلت عنها قبل عامين”.
وأشار إلى أن الهيئة السياسية في الحسكة التي انضمت لـ”مبادرة المناطق الثلاث” ما زالت متمسكة بموقفها الداعم لها، مضيفًا أن “هذه الهيئة تمثل أكبر طيف من أبناء محافظة الحسكة وثوارها الأحرار، ولها مكتب في رأس العين، وحصلت على مباركة ودعم من (الائتلاف) و(الحكومة المؤقتة)، وهي منفتحة للحوار مع الجميع من أجل وحدة سوريا وتحقيق أهداف الثورة وإسقاط النظام”.
في المقابل، أعلنت “الهيئة السياسية العامة لمحافظة الحسكة”، وهي جهة سياسية ثانية في الحسكة لكن ليس لها مكتب في الداخل، رفضها لـ”مبادرة المناطق الثلاث”.
عنب بلدي تواصلت مع رئيس تلك الهيئة، مضر حماد الأسعد، لتوضيح سبب رفضهم للوثيقة، حيث قال، “اطلعنا على بنود المبادرة وعرضناها على شخصيات سياسية، وبعد دراستها جيدًا قررنا رفضها، كونها تساوي بين فصائل ثورية وطنية لم تغادر حدود وطنها وتنظيمات إرهابية عابرة للحدود جاءت من جبال العراق وايران وتركيا، ومساواتها أيضًا بين المجلس الإسلامي السوري الذي يمثل مسلمي سوريا وتنظيمات لم تعرف الإيمان يومًا، كما أن المبادرة تمس وحدة سوريا أرضًا وشعبًا”.
حمص تنضم لـ”الوثيقة”
حمص كانت ثامن المنضمين إلى “وثيقة المناطق الثلاث”، حيث أعلن طيف وطني من المحافظة انضمامهم إلى المبادرة في 28 من نيسان الماضي، باعتبارها وثيقة مؤسسة لخطوة وطنية جامعة، وذلك بعد النقاش والحوار بينهم حول المبادئ الواردة فيها.
وقال الكاتب والناشط السياسي عماد غليون، لعنب بلدي، إن “الوثيقة تشمل كامل الجغرافيا السورية، ومن الطبيعي أن تكون حمص العدية حاضرة فيها، والهدف الأساسي من انضمامها، هو التماهي والتفاعل مع مبادئ الوثيقة من جهة، وإعادة إحياء دور حمص في الحراك السياسي والثوري، كونها عاصمة الثورة السورية من جهة أخرى”.
وشارك مهجرو حمص في الشمال السوري بشكل فاعل وأساسي في دعم المبادرة والتوقيع عليها، سواء أفراد أو هيئات، إضافة إلى دعم المبادرة من قبل سكان من مدينة حمص، أو حتى حماصنة خارج البلاد، وفق ما ذكر غليون.
وأضاف غليون الذي وقع على إعلان انضمام حمص لـ”وثيقة المناطق الثلاث”، أن “المبادرة أعادت إحياء الروح للثورة وربط كافة المناطق السورية والناشطين عبر مبادرة جامعة، وسعت لإعادة السياسة للشعب بصفته صاحب القضية والقرار، وهذا يعد تحولًا نوعيًا في العمل السياسي السوري، لم يظهر من قبل في أي حراك سياسي سبق أن أصدرته المعارضة”.
وأشار غليون إلى أن “البعض اعتقد أن الوثيقة التي حملت اسم المناطق الثلاث دعوة تقسيم دون أن يطلع حتى على المبادرة، والبعض قام بحملات تشكيك واتهامات ضدها، بينما في الواقع الوثيقة أطلقها سوريون وطنيون، طرحوا أفكارًا خلاقة جديدة من حيث التوجه والمضمون”، مضيفًا أن تطور الوثيقة نحو انضمام كافة المناطق السورية يثبت صدقية ومنهجية العمل وملامسته أحاسيس الشعب، ومن المؤكد أنه دائرة انتشارها ستتسع، والمأمول أن تتحول لوثيقة وطنية سورية جامعة.
دعم للمبادرة
في 8 من آذار الماضي، أطلق مثقفون وأكاديميون وناشطون سوريون في كل من السويداء ودرعا وريف حلب الشمالي، “مبادرة المناطق الثلاث”، لتوحيد الخطاب الجماهيري الوطني المناهض للنظام السوري في تلك المناطق، ومنع الانجرار نحو الأهداف الانفصالية والتعصّبية.
سرعان ما حظيت المبادرة بدعم من مناطق أخرى، ففي 22 من آذار الماضي، كان الجولان السوري رابع المنضمين لـ”المناطق الثلاث”، بدعم من رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” في لبنان، وليد جنبلاط، الذي شدد على ضرورة التمسك بـ”وثيقة المناطق الثلاث”، لما ترمز إليه من تلاقٍ وطني سوري عابر للمناطق والطوائف، والتمسك بوحدة الشعب السوري ووحدة سوريا، وبوحدة المطالب التي يناضل لأجلها الشعب السوري، بوجه الظلم والقتل والاعتقال والتعسف.
في 7 من نيسان الماضي، أعلن الساحل السوري تشكيل “تجمع العمل الوطني” وانضمامه لتلك المبادرة، وقال الأستاذ الجامعي محمد الأحمد، وأحد مؤسسي تجمع الساحل لعنب بلدي، إنه كان هناك التفاف كبير وتأييد حقيقي لوثيقة المناطق الثلاث، مضيفًا، “هناك أسماء كبيرة انضمت للمبادرة، ولكن لا نريد الإعلان عن الأسماء إلا في الوقت المناسب”.
بدوره قال بشار عبود أحد مؤسسي تجمع الساحل، ومن المنضمين لمبادرة المناطق الثلاث، لعنب بلدي، “من خلال متابعتنا اليومية لما يحدث في عموم الجغرافيا السورية، نلاحظ وجود توق شعبي كبير حول أي مشروع وطني يشمل الوطن بأكمله، وكما نعلم فإن النظام والدول الإقليمية بشكل خاص، منعت خلال السنوات الماضية وجود أي صوت موحد للمعارضة السورية، الأمر الذي جعلها تتوزع إلى معارضات، حتى وصل الأمر بها إلى أن تتقاتل فيما بينها، الأمر الذي منع الوصول إلى أي تجمع وطني يشمل الوطن بأكمله، لذا نعمل من أجل توسيع دائرة الوثيقة لتشمل كامل التراب السوري، والتنسيق مع شركائنا في الوطن بغية عودة الحياة السياسية للمجتمع السوري”.
في السياق ذاته، قال المحامي محمد صبرا، أحد أبرز الداعمين للوثيقة لعنب بلدي، “لمسنا الكثير من الأصداء الإيجابية في كل مناطق سوريا، وربما كانت بعض المناطق قادرة على التعبير عن تلقيها الإيجابي وتفاعلها مع المبادرة، بينما كانت هناك مناطق أخرى لا تستطيع التعبير العلني عن هذا الأمر، بسبب قوى الأمر الواقع التي تحكم أجزاء كبيرة من سوريا سواء في مناطق النظام، أو المناطق الأخرى التي تسيطر عليها قوى أمر واقع مختلفة”.
ناشطون من إدلب أعلنوا، في 17 من نيسان الماضي، انضمامهم إلى “مبادرة المناطق الثلاث”، وقال عبد المجيد شريف، أحد الداعمين للمبادرة في إدلب، “صدرت منذ انطلاقة الثورة وثائق ومبادرات كثيرة، ولكن لفت انتباهنا في مبادرة المناطق الثلاث شيء مهم في الاستراتيجية، وهو تهيئة المناخ المناسب للتحضير لمؤتمر وطني سوري عام يجمع شتات هذه النخب، علّه يكون صوتًا حقيقيًا يمثل إرادة الشعب السوري، إضافة إلى اتساع الطيف الذي تدعوه واستقلاليتها عن التأثير الدولي”.
وأضاف عبد المجيد لعنب بلدي، “بادرنا نحن كأفراد في محافظة إدلب لتشكيل مجموعة على تطبيق (واتساب) ضمت 28 شخصًا، وبعد نقاش فيما بيننا قررنا الانضمام للمبادرة وأصدرنا بيانًا لإعلان ذلك، كما تم تشكيل مجموعة أخرى على (واتساب) ضمت 27 شخصًا انضموا كذلك للمبادرة عن محافظة إدلب”، مشيرًا إلى أنه ليس في المجموعتين أي مؤسسة أو حزب أو تجمع بل هو انضمام فردي لناشطين وصحفيين وثوريين”.
الشيخ أحمد الصياصنة أكد كذلك دعمه لـ “وثيقة المناطق الثلاث”، وانسحابه من وثيقة أخرى تسمى “المبادئ الخمسة” بعد ذكر عبارة أن السوريين يبحثون عن دولة علمانية دون علمه.
بدوره دعم “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) المبادرة للتوصل لحل سياسي في سوريا، مؤكدًا أنها خطوة إيجابية لتوحيد الحوار بين السوريين، وضرورة استقلالية القرار السوري بما يؤدي إلى إنهاء نظام الاستبداد وتحقيق الكرامة والحرية وصون الحقوق، وبناء سوريا المستقبل الديمقراطية التعددية على أسس إقرار الهوية الوطنية السورية الجامعة.
وثيقة من خمسة مبادئ
جاء الإعلان عن “وثيقة المناطق الثلاث” مرافقًا لرفع المشاركين علم الثورة السورية وشعارات تنادي بالحرية والكرامة، في أثناء وقفة أمام ضريح سلطان باشا الأطرش ببلدة القريّا في ريف السويداء في 8 من آذار الماضي.
وذكر المشاركون خلال تلك الوقفة المسارات الخمسة التي ترتكز عليها مبادرة “المناطق الثلاث”، وهي تأميم السياسة، بهدف عدم تسليم القرار العمومي السوري لأي قوة أجنبية، ويرتكز المسار الثاني على أن الحياة والحرية والأمان والكرامة حقوق مصونة للسوريين كلهم، ومناهضة كل خطاب يدعو إلى الكراهية، أو يروج للقبول بمصادرة الحريات والكرامة ومقايضتهما بالاستقرار.
المسار الثالث يهدف لوحدة سوريا، ويؤكد أنها ليست دولة ملة أو طائفة أو جماعة عرقية أو حزب أو تيار سياسي، بل هي دولة تحتضن أبناءها كلهم من دون استثناء، ولا يمكن أن تتحقق الوطنية السورية على أساس الانطواء المحلي.
المسار الرابع يقوم على التنسيق والحوار والعمل المشترك، وبناء شبكات ثقة بين السوريين عابرة للمناطق والطوائف والعصبيات، أما المسار الخامس فيشدد على أن الثقة هي أداة تأسيس سياسية تؤطر الاجتماع الوطني، وبأن وحدة السوريين في كثرتهم.