“آلية” البحث عن المفقودين في سوريا.. كشف أم استجلاء؟
أكثر من 112 ألف سوري مختف قسريًا منذ آذار 2011، حتى آب 2023، لا تزال عائلاتهم بانتظار خبر أو معلومة عنهم، من أي جهة، تخبرهم على الأقل، إن كان أبناؤهم أحياءا أو أمواتًا.
أرقام أحصتها “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في تقاريرها حول المختفين قسريًا، على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، وأكدت أن من بين المختفين قسريًا 3105 طفل، و6698 سيدة، لايعرف مصيرهم حتى الآن.
وبغرض استجلاء مصير هؤلاء المختفين أو المفقودين، والوصول إلى معلومات عنهم، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 حزيران 2023، قرارًا بإنشاء مؤسسة دولية جديدة للبحث في مصيرهم، وتقديم الدعم للضحايا وأسرهم.
“استجلاء” مصير المفقودين
قبيل أيام أعلن مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان،فولكر تورك، أن الجمعية العامة وافقت على ميزانية المؤسسة الدولية الجديدة للبحث عن المفقودين والمغيبين في سوريا، وهو إخطار بمباشرة المؤسسة نشاطها.
خلال جلسة للجمعية العامة، قدم المفوض السامي إحاطته حول ملف المفقودين في سوريا، عملًا بقرار الجمعية الأممية رقم “76/228″، الذي طلبت فيه من الأمين العام، إجراء دراسة حول الأشخاص المفقودين في سوريا، بالتشاور مع مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان.
وذكر تورك خلال إحاطته، أنه يجري العمل على إعداد أوراق القضايا الأساسية، ومنها تصميم وتنفيذ خطط البحث عن المفقودين، ودعم الضحايا والناجين، مضيفًا أن إنشاء هذه المؤسسة سيساعد على تخفيف معاناة الناس من كافة الأطراف، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، وتلبية حاجتهم العميقة في معرفة ما حدث لأبنائه.
مطالبًا جميع الدول وأطراف النزاع في سوريا، بالتعاون الكامل مع المؤسسة المستقلة، لتتمكن من الوفاء بتفويضها حسب قوله.
الصراع في سوريا هو جرح مفتوح لملايين السوريين، الذين يريدون معرفة مصير أحبائهم المفقودين.
مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان- فولكر تورك |
بين الأمل والواقع.. تتفاوت التوقعات
مواصلة الدعاء والرجاء من الله بأن يوصلها إلى أي خبر عن ابنها المفقود منذ سنوات، تعبر أمل المصري (54 عامًا)، والدة شاب مفقود في سوريا انقطعت أخباره عنها منذ خمس سنوات عن حالها.
ابن أمل حسن محمد عيد المصري من مواليد 1990، اعتقله النظام السوري في 5 من آب 2014، وهو طالب جامعي توجه إلى لبنان للعمل واعتقل عند حاجز “الدبوسيه” على الحدود السورية اللبنانية.
ومنذ خمس سنوات علمت أمل من أحد الأشخاص المفرج عنهم من “فرع فلسطين “، أنه كان معه في السجن، ولم يصلها أي أخبار عنه بعدها.
“ليس لدي أحد يبحث عنه، حاولت أدفع لأشخاص لأحصل على أي معلومة عنه… نصبوا علينا، وما حصلنا على أي شي”، أضافت أمل.
كغيرها من آلاف أمهات المفقودين، تأمل أمل بأن يأتي اليوم الذي تحتضن فيه ابنها المغيب محمد، وأن يكون حيًا.
الوضع الأمني.. العقبة الأساسية
يحد الواقع السياسي والعسكري في سوريا، من الآمال التي تعلق على هذا النوع من المبادرات الأممية، على الرغم من الحاجة الملحة والشديدة لها، إذ لايمكن تجاوز حالة عدم الاستقرار، وتعدد أطراف السيطرة والقوى المتصارعة على الأرض، وما يشكله هذا الواقع من معوق كبير لعمل هذه الآلية، وقدرتها على الوصول للمعلومات والتأكد من أماكن وجود هؤلاء المختفين أو المفقودين.
مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” فضل عبد الغني، أكد في حديثه إلى عنب بلدي أن الشبكة كانت حريصة على التعاطي بواقعية مع إمكانية نجاح هذه الآلية بالانطلاق من الواقع السوري بتعقيداته، وأنه في هذه المرحلة ليس بالإمكان الكشف عن مصير المفقودين في ظل عدم تعاون القوى والأطراف في تحقيق هذا الهدف، سواء من طرف النظام السوري الذي رفض منذ البداية فكرة تأسيس الآلية، واتهم اللجنة بالمسيسة، أو القوى الأخرى التي تسيطر على مناطق من سوريا، ومسؤولة عن اختفاء عدد من السوريين في مناطقها.
“يجب أن نكون صريحين مع الناس وألا نرفع سقف التوقعات بشكل مبالغ فيه وغير واقعي”، نبّه عبد الغني لهذه المسألة، وأضاف إنه إذا كانت القوى والأطراف المسيطرة المسؤولة عن هذا التغييب غير متعاونة مع الجهود الساعية للكشف عن مصير المغيبين، فكيف لهذه الآلية أن تصل إلى هدفها.
واتفق مؤسس رابطة “معتقلي سجن صيدنايا”، دياب سرية، مع هذا الرأي خلال حديثه إلى عنب بلدي، مؤكدًا أنه خلال الفترة الحالية وبعد 13 عامًا على الحرب، من الصعب بمكان العثور على إجابات سريعة لأسئلة أهالي المفقودين، من قبل المؤسسة الدولية الجديدة المكلفة بالبحث عن مصير أبنائهم المختفين في سوريا.
خاصة وأنه ليس بإمكانها الوصول للتحقيق والتحقق على الأرض، والحصول بسهولة على موافقات النظام السوري أو القوى الأخرى المسيطرة على مناطق من الجغرافية السورية.
مواطن القوة.. أهمية الآلية
برغم الواقع الأمني وما يشكله من تحديات، يبقى لهذه الآلية والمؤسسة جدوى لا يمكن إغفالها بعيدًا عن العواطف، بحسب مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، الذي يرى أن من شأن ذلك وضع ملف المفقودين على أجندة النقاشات السياسية، وعدم إغفاله، مع تحضير الأرضية للبحث فيه، في مرحلة ما بعد الحل السياسي في سوريا.
من جهته يرى مؤسس “رابطة معتقلي سجن صيدنايا”، دياب سرية، أنه بتعاون منظمات المجتمع المدني السوري، مع مواصلة الجهود لجمع البيانات والتدقيق والتوثيق، ركيزة أساسية للوصول إلى مصير المفقودين، ونقطة قوة لانطلاق الآلية في عملها.
الولادة
أثمرت المطالبات المتواصلة بتشكيل هذه المؤسسة لتقصي مصير المغيبين قسريًا في سوريا، لدى الأمم المتحدة في آب 2022، إذ أوصى حينها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش في تقريره، الدول الأعضاء في الجمعية العامة بالنظر في إنشاء المؤسسة، بوصفها حجر الزاوية في إطار حل قضية الأشخاص المحتجزين والمختطفين والمفقودين في سوريا.
وشارك في صياغة مشروع القرار كل من لكسمبرغ وألبانيا وبلجيكا والرأس الأخضر وجمهورية الدومينيكان ومقدونيا.
وفي أول ردود الفعل حينها على مشروع قرار إنشاء المؤسسة، رحبت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا بالقرار،ووصفته بالتاريخي.
فيما رفض مندوب سوريا الدائم إنشاء المؤسسة واصفًا اللجنة “بالمسيسة”، مستنكرًا تجاوز النظام السوري خلال مناقشات القرار، وأنه لم يكن طرفًا في صياغته، مؤكدًا في الوقت نفسه الحرص على التعامل مع هذه المسألة الإنسانية، بعيدًا عن تسيس القضية، وفق تعبيره.
وقد واكبت العديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية، ومؤسسات المجتمع المدني السورية المؤسسة منذ أن كانت فكرة وساهمت في تحولها لواقع، كما ذكر فضل عبد الغني، الذي أشار إلى أن التنسيق والتعاون مع الأمم المتحدة في مختلف مفاصل القضية السورية موجود، بما في ذلك التنسيق في ملف المفقودين، كون “الشبكة السورية” هي المصدر الأول والأضخم للإحصائيات والبيانات التفصيلية، حول المختفين، ولا تزال توثق إلى اليوم حالات الاختفاء القسري، في جميع مناطق سوريا على اختلاف توزعها والقوى المتحكمة فيها والمسيطرة عليها، وفق ما قاله.
كما واكبت رابطة “معتقلي سجن صيدنايا”، ومجموعة “ميثاق الحقيقة والعدالة”، بدورها الآلية منذ نشأتها، وكانت من أوائل المنظمات الي طالبت بوجود آلية للكشف عن مصير المفقودين، بحسب مؤسس الرابطة دياب سرية، الذي أكد أنه من خلال التحقيقات المعمقة التي تنتجها الرابطة، والبحث المتواصل والبيانات التي جمعتها، أسهمت بالكشف عن مصير حوالي 200 شخص خلال السنوات الماضية رغم صعوبة الوصول على الأرض السورية.
وهو رقم، كما قال سرية، قد يبدو بسيطًا لكنه ليس كذلك بالمقارنة مع تعقيد الوضع في سوريا، وعدم وجود جهات متعاونة من القوى المسيطرة مع المساعي والجهات التي تسعى للكشف عن مصير هؤلاء المفقودين.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :