ملف اللاجئين السوريين يتراجع في السياسة التركية
تراجع حضور ملف اللاجئين السوريين على الساحة السياسية التركية، بعد سنوات شكّل فيها حضورًا رئيسيًا مع كل استحقاق انتخابي شهدته البلاد، بدءًا من الرئاسية منها ووصلًا لانتخابات مخاتير الأحياء.
وخلال الانتخابات الرئاسية التي شهدتها البلاد في أيار 2023، كان للاجئين السوريين حضور أساسي خلال الترويج للخطط الانتخابية، وعلّقت لافتات الوعود بترحيل اللاجئين في الشوارع.
حضور ملف اللجوء كان يستخدم بشكل أساسي في وجه الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) الذي تتهمه المعارضة بتحويل البلاد إلى “مستودع لاجئين”، وتطرح أرقامًا بعيدة عن الرسمية لأعداد اللاجئين.
وبينما تحدثت الحكومة التركية، منذ مطلع 2023، عن نحو أربعة ملايين لاجئ سوري يقيم في البلاد، كانت أصوات معارضة تتحدث عن أن أكثر من عشرة ملايين لاجئًا سوريًا يقيم في تركيا، دون الإشارة إلى مصدر هذه الأرقام.
وخلف الضجيج الذي أحدثه استخدام ملف اللاجئين السوريين، ضيّقت الحكومة التركية على حياة السوريين، وفرضت قوانينًا دفعت بالعديد منهم للعودة إلى سوريا التي لا تزال تعتبر بلدًا غير آمن، أو الهجرة نحو أوروبا بأعداد كبيرة، كما رحّل الآلاف من اللاجئين “قسرًا” نحو سوريا، وفق تقارير حقوقية.
لماذا تراجع حضور اللاجئين
أحدث انتخابات شهدتها تركيا كانت نهاية آذار الماضي، عندما عقدت انتخابات البلدية، لكن لم يكن وسم “السوريين” حاضرًا على مواقع التواصل الاجتماعي كما جرت العادة، كما لم يحضر على لسان السياسيين بالكثافة نفسها التي حضر بها سابقًا.
ومع أن المعارضة فازت بانتخابات بلديات كبرى مثل ولايتي اسطنبول وأنقرة، بقيت المطالب بترحيل اللاجئين السوريين، والوعود الانتخابية المقدمة لتحقيق هذه المطالب على هامش الانتخابات.
مدير وحدة تحليل السياسيات في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، سمير العبد الله، قال لعنب بلدي إن حضور ملف اللاجئين على الطاولة السياسية التركية الداخلية سيتراجع في الفترة المقبلة وخاصة أن نتائج الانتخابات البلدية جاءت مرضية لبعض أحزاب المعارضة.
وأضاف أن بعض تلك الأحزاب ستحاول تهدئة الأمور محاولةً الإيحاء للخارج وخاصة الدول الأوروبية بأنها قادرة على إدارة هذا الملف بدون عنصرية.
ويرى العبد الله أن البلديات التي تدار من قبل المعارضة تحتاج للحصول على دعم من الاتحاد الأوروبي لبعض المشاريع التي تقيمها للسوريين في المدن التي تديرها، ما يدفعهم لخفض لهجة خطاب الكراهية ضدهم.
ولفت الباحث إلى أن هناك جهودًا تبذلها الحكومة التركية لإعادة ترتيب إدارة الهجرة والنظام المتبع بها، إذ ستبدأ بالتدريج مأسسة العمل وإعادة تنظيمه، وهو ما سيريح الشارع التركي تجاه هذا الملف.
خطاب عمره سنوات
ورقة اللاجئين السوريين استغلت خلال السنوات الماضية من قبل أحزاب المعارضة التركية بهدف تحقيق مكاسب في الانتخابات منذ انتخابات عام 2018.
وزاد هذا الاستغلال مع تصاعد الخطاب العنصري تجاه السوريين ترافق مع مجموعة من الظروف أبرزها، التضخم، وارتفاع نسبة البطالة، ما مكن المعارضة التركية من الحصول على مكاسب عبر استخدام هذه الورقة.
ويرى الباحث سمير العبد الله أن بعض الملفات تقدمت على موضوع اللاجئين السوريين في التأثير على رأي الناخب التركي كالأوضاع الاقتصادية والزلزال وغيرها، لكن قضية اللاجئين السوريين ظلت مؤثرة لدى قسم من الناخبين الأتراك.
وأضاف أن العنصرية ضد اللاجئين وحملات التحريض ضدهم بدأتها أحزاب المعارضة التركية، لكن حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، والحكومة التركية أسهمت في استمرارها من خلال غياب الشفافية تجاه هذا الملف.
العبد الله يعتقد أن مسألة الأموال التي أُنفقت على السوريين، وكذلك عدم تطبيق القانون تجاه بعض المحرضين من السياسيين، والتساهل معهم، يضاف لها مسايرة الشارع في العنصرية تجاه السوريين والأجانب بدلًا من الحد من تلك الظواهر، كانت دور الحكومة في تفاقم هذا الخطاب.
جهود حكومية “خجولة”
ينظر الباحث في مركز “حرمون” إلى جهود “العدالة والتنمية” في مواجهة الخطاب العنصري على أنها “جهود خجولة ومحدودة” حتى اليوم.
وعلى سبيل المثال اكتفت الحكومة بالملاحقة القضائية لبعض الأشخاص الذي اتهموا بالتحريض ضد اللاجئين، لكنها لم تتخذ خطوات ضد المحرضين الرئيسيين، خصوصًا أن جزءًا من المتهمين اعترفوا بتلقى أوامر من زعيم حزب “النصر” المتطرف أوميت أوزداغ، للترويج لخطاب عنصري، لكن الحكومة لم تقم بأي إجراء تجاه أوزداغ، ومازال مستمرًا بخطابه التحريضي.
وكانت السلطات التركية اعتقلت نهاية العام الماضي ناشطًا (إيراني الجنسية) خلال تحقيق أطلقه مكتب المدعي العام في أنقرة، واتضح لاحقًا أنه يعمل لمصلحة زعيم حزب “النصر”، أوميت أوزداغ، وصدر بحقه قرار ترحيل إلى بلده، بحسب ما نشره موقع “haber7” التركي مطلع العام الحالي.
وأضاف الموقع حينها أن الناشط اعترف بتلقيه تعليمات بإصدار منشورات عبر حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة التي يديرها، بالنيابة عن قناة “Embargo TV” التابعة لرئيس حزب “النصر”.
وضمّن الموقع حينها جزءًا من اعترافات الناشط رامين سعيدي عبر صورة ملتقطة لإحدى الأوراق المتعلقة بالتحقيقات.
وأضاف أن الأدلة التي جُمعت خلال التحقيق حول “تحريض الجمهور علنًا على الكراهية والعداء، ونشر معلومات مضللة علنًا”، أثبتت وجود مراسلات بين المتهم وأوزداغ.
ترحيل يبدو عشوائيًا
خلال النصف الثاني من 2023، كثفت الحكومية التركية حملتها لترحيل اللاجئين السوريين من المخالفين لشروط الإقامة في تركيا نحو مناطق شمال غربي سوريا التي تعتبرها الأمم المتحدة “غير آمنة”.
وبحسب أحدث إحصائيات إدارة الهجرة التركية حول أعداد السوريين المقيمين في البلاد، فقد لامس ثلاثة ملايين لاجئ، علمًا أن الرقم نفسه كان يتجاوز الرقم الحالي مطلع العام الماضي بنحو 500 ألف شخص.
ومع أن الحكومة التركية قالت مرارًا إن الحملة الأمنية تستهدف “المهاجرين غير الشرعيين فقط”، استمرت الأعداد الرسمية للاجئين بالانخفاض، تزامنًا مع وعود قدمتها حكومة “العدالة والتنمية” لإعادة السوريين إلى بلدهم “طوعًا”.
خطوة الحكومة التركية نحو إعادة السوريين وصلت ذروتها خلال العام الماضي تزامنًا مع الانتخابات الرئاسية، وكان وجود اللاجئين في تركيا هو عمودها الأساسي التي ارتكزت عليه وعود الأحزاب السياسية المعارضة.
وفي مطلع كانون الأول 2023، أعلن وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، عن القبض على 173 ألفًا و550 مهاجرًا “غير شرعي” دون تحديد جنسياتهم، وذلك خلال ستة أشهر.
واتخذت حملة ترحيل اللاجئين من تركيا شكلًا عشوائيًا عندما صارت السلطات التركية ترحل أشخاصًا من غير السوريين نحو سوريا عن طريق الخطأ، إذ سبق ووصل أربعة لاجئين أفغان إلى الشمال السوري نتيجة ترحيلهم من تركيا.
وفي آب 2023، رحلت السلطات التركية أيضًا عائلة جزائرية- سورية، نحو الشمال السوري، ثم أعادتهم لتركيا بعد اكتشاف الخطأ.
وفي مطلع العام الماضي، رحّلت السلطات التركية شابين من المغرب نحو سوريا، ثم أعادتهم إلى أراضيها بعد مرور ستة أشهر على وجودهم شمالي محافظة حلب السورية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :