توضيحات قانونية تتعلق بالزواج في دول اللجوء

  • 2024/04/28
  • 2:51 م
غزوان قرنفل

غزوان قرنفل

غزوان قرنفل

خلال 13 عامًا من عمر الصراع في سوريا، نشأت وشبّت أجيال من الشباب السوري في دول اللجوء، ووصلت نسبة كبيرة منهم لسن الزواج وتأسيس عائلة، وبطبيعة الحال فإن تلك الرابطة القانونية ستتأسس أو يجب أن يتم ذلك وفق القوانين المعمول بها في الدول التي يقيم فيها هؤلاء، وليس وفق الأعراف والقوانين المعمول بها في بلدانهم الأصلية، وهذا ما يوجب عليهم معرفة تلك القوانين ولو بالحد الأدنى الذي يتيح للأطراف المتعاقدة معرفة الحقوق والواجبات المترتبة عليهم.

وتتأتى الأهمية القانونية لتوثيق عقود الزواج وفق النظام القانوني المعمول به في تلك الدول، سواء أكان زواجًا مدنيًا أو زواجًا دينيًا، في أنه يحدد المراكز القانونية للأطراف والحقوق والالتزامات المترتبة على تلك الرابطة التعاقدية، فضلًا عن أنه يوفر إمكانية خلق الشخصية القانونية للأولاد وتحفظ أنسابهم، خاصة في الدول التي تأخذ بالزواج الديني، ويوفر للزوجين مرجعية قضائية للفصل في المنازعات التي قد تنشأ عن تلك الرابطة في دول اللجوء، وخاصة في الدول التي تأخذ بالزواج المدني باعتبارها لا تعترف بالعقود الشرعية التي يبرمها الأطراف فيما بينهم.

في هذا السياق يبدو من المهم التوضيح أن كل الدول التي لجأ إليها السوريون وتأخذ قوانين العائلة فيها بالزواج المدني (كالدول الأوروبية وتركيا)، تكون جميع الأموال التي يتم اكتسابها بعد الزواج خاضعة لمبدأ القسمة مناصفة عند الطلاق، إلا إذا كان هناك اتفاق مالي يبرمه الطرفان قبل الزواج يوضح فيه الطرفان المترتبات المالية بينهما مستقبلًا إذا ما تم الانفصال، وهو ما يسمى باتفاق ما قبل الزواج، يوقع عليه الطرفان بملء إرادتهما الحرة أمام محامٍ معتمد أو الكاتب العدل، ويرفق أو يشار إليه في عقد الزواج. وبالتالي فليس من المنطقي أن تطالب الفتيات بمهر أو مصاغ إذا ما تزوجن وفق تلك القوانين، إلا الهدايا المألوفة غير المبالغ بها والتي يمنحها الزوج لزوجته بملء إرادته وليست فرضًا عليه، لأن الزوجة هنا ستحصل على نصف أموال وممتلكات زوجها المكتسبة بعد الزواج، وبالعكس أيضًا، وإذا كان لا بد من التزام الزوج بالمهر والمصاغ فإنه يتعين عليه أن يكون حريصًا على إبرام اتفاقية ما قبل الزواج المالية مع زوجته، يبين فيها أنها لن تحصل على شيء من أمواله، وبالعكس أيضًا، إن حصل طلاق، لأنه لا يجوز أن تكون نفس الزوجة عربية في مقام وأوروبية في مقام آخر حول مسألة تتعلق بذات الواقعة.

أما أولئك الذين يوجدون في الدول العربية، حيث تستمد فيها جميعها قوانين الأسرة من الفقه الإسلامي، فلا بأس من أداء المهر المتفق عليه وما توجبه التقاليد في هذا المجال، وأن يكون ذلك مبيّنًا في متن العقد، فإن كان الزوج قد أدى المهر لزوجته فليكتب أن المهر قد تم أداؤه للزوجة ولا خجل في ذلك. ومن الجدير بالتنويه هنا أن الأصل هو عدم وجود معجل ومؤجل في المهر بل هو مهر كامل وحسب، والأصل أيضًا أن يؤدى المهر كاملًا للزوجة حين توقيعها على عقد الزواج، أما جعل جزء منه مؤجلًا فليس له أصل شرعي، وغالبًا ما تفقده الزوجة كله أو بعضه عند وقوع الطلاق بسبب تعسف الزوج، وتملصه غير الأخلاقي من أداء حق زوجته المتوجب عليه، إعمالًا لقول الله تعالى “إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان”.

وللزوجة أيضًا في هذه العقود أن تشترط على زوجها الإقامة في مكان محدد أو في بيت مستقل خاص بها لا يشاركها فيه أحد، أو أن تطلق نفسها إذا ما تزوج عليها زوجة ثانية، أو إذا ما غاب عنها زوجها مدة سنة مثلًا، ومن المهم أيضًا أن يتخذ كل منهما موطنًا مختارًا للتبليغ والتبلغ، غير مكان سكنهما، قد يضطر أي منهما لتبليغ شريكه عليه إذا ما اضطر لمقاضاته (كرقم صندوق بريد أو بريد إلكتروني أو غير ذلك من العناوين مما يصح اتخاذه موطنًا للتبليغ)، فهناك صنف من الرجال يتعسف ويمتنع عن تطليق زوجته ويتركها على ذمته سنوات ليحرمها فرصة الزواج من غيره، وبعضهم سافر إلى دول أخرى لاجئًا وامتنع عن لم شمل زوجته وتركها معلقة، لا هي زوجة ولا هي مطلقة، فهذه الشروط مهمة لتجريد هؤلاء من أسلحة ابتزازهم بعد أن تجردوا من أخلاقهم وإنسانيتهم.

سأختم بمسألة غاية في الأهمية، وهي أن كثيرًا من النسوة، خصوصًا في بلدان اللجوء، يكنّ مطلقات شرعًا لكنهن غير مطلقات قانونيًا، أي لم يتم تسجيل الطلاق بشكل رسمي في سجلات الأحوال المدنية، ومع ذلك يتزوجن بعقود عرفية أو شرعية، وهذه مسألة شائكة لأن الكثير من الدول التي تأخذ بالزواج المدني لا تعترف بتلك العقود، ولا قيمة قانونية لها، وبالتالي هي لا تحفظ لتلك “الزوجة” أي حقوق مالية، لا في ثروة زوجها الجديد إن طلقها ولا إرثه إن توفى، وتبقى تلك العلاقة بين “الزوجين” بنظر القانون هي مجرد علاقة جنسية تتم بإرادة طرفيها وليست رابطة زوجية، واستطرادًا فإن أي طفل يولد كثمرة لتلك العلاقة هو مولود خارج نطاق الرابطة الزوجية، وهو ما يخالف ويجافي ما أوجبته الأديان والأعراف المجتمعية. لذلك فإن من المهم أن يبادر الزوجان المطلقان خارج بلدهما لتوثيق هذا الطلاق في بلدهما باتباع الإجراءات القانونية اللازمة، ليكون كل منهما متحررًا من تلك الرابطة وقادرًا على ممارسة حياته الطبيعية بشكل طبيعي وسلس، ولكليهما مصلحة في ذلك، إذ تتمكن المرأة بعد ذلك إن رغبت بالزواج بشكل قانوني يحفظ لها حقوقها مع زوجها الثاني، ويتمكن الرجل أيضًا من الزواج مجددًا إن رغب، لأنه سيحتاج في زواجه الجديد إلى وثيقة أيضًا تثبت عزوبيته، كما يضمن ألا ينسب له مولود ليس منه في حال أنجبت طليقته من غيره بعقد عرفي وقامت بتسجيل مولودها في السجلات الرسمية باسم طليقها، الذي لا يزال زوجًا لها في تلك السجلات، كما يضمن كلاهما ألا يكون الآخر وارثًا له دون وجه حق إن توفى.

مقالات متعلقة

  1. نساء "سوروبيات"!
  2. بلا هوية ولا توثيق.. مواطنون لا يراهم القانون في إدلب
  3. حق الكدّ والسعاية.. خطوة نحو إنصاف المرأة
  4. لا اعتراف قانوني بوثائق المحاكم الشرعية.. ومعارضو الأسد يثبتون زواجهم في محاكمه

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي