عنب بلدي – جنى العيسى
في نيسان الحالي، افتتح في مدينة الدانا بمحافظة إدلب شمالي سوريا سوقًا خاصًا ببيع الذهب، يعد الأضخم من نوعه في المنطقة، بسعة 30 محلًا قابلة للزيادة في حال الحاجة لتوسعة مقبلة.
صمم السوق بديكورات عالية الجودة، رأى البعض أنها قد لا تتناسب مع حجم المبيعات الذي سيحققه التجار، بالنظر إلى ضعف القدرة الشرائية لدى السكان، وتركيز أولوياتهم في الإنفاق على الاحتياجات الأساسية بشكل شبه رئيس.
الأمان يشجع
الصائغ عمار حج حميدي، صاحب محل مجوهرات في مدينة الدانا، فضّل افتتاح فرع ثانٍ لمحله الواقع وسط المدينة في السوق الجديد لعدة أسباب، منها موقع السوق “المثالي” لعمل الصاغة، والابتعاد عن الازدحام داخل المدينة، وعوامل تتعلق بدرجة الأمان المتوفرة في السوق الجديد.
ويرى عمار أن موقع السوق الذي يقع في الطريق الزراعي لمدينة الدانا جيد لحركة المبيعات، حيث تم افتتاح العديد من “المولات” بالقرب من هذا الموقع، وأصبح وجهة للعديد من الزبائن القادمين من عموم مناطق الشمال السوري.
وبحسب عمار، من العوامل المهمة التي شجعت الصاغة على افتتاح محالهم في السوق، وجود مفرزة أمنية مخصصة للسوق، لمراقبة الحركة ضمنه، فضلًا عن وجود 40 كاميرا تسجيل عدا الكاميرات التي سيضعها أصحاب المحال داخل محالهم، بالإضافة إلى تزويد السوق بأجهزة إنذار حديثة تعمل عند حالات الطوارئ.
ويعاني الصاغة في الشمال السوري من الخوف الدائم على بضائعهم التي تعتبر هدفًا للسرقة، لذا تعتبر وسائل الأمان الهدف الرئيس لتحديد موقع محالهم.
افتتاح السوق الجديد جرى من قبل شركة “جود للمقاولات”، التي أتمت بيع عدد من المحال، ومباشرة أربعة منها البيع في السوق، على أن يكون هناك افتتاح آخر في وقت لاحق برعاية “جميعة الصاغة”، بانتظار تجهيز أكثر من 20 محلًا قيد التحضير لافتتاحها في الفترة المقبلة.
مبيعات تفوق التوقعات
وائل رماح، صاحب محل للصاغة في السوق الجديد، قال إن الافتتاح تم بحضور رئيس “جمعية الصاغة” في إدلب، وحضور العديد من التجار والصاغة والصرافين الذين حضروا من عموم مناطق الشمال السوري.
وبحسب حديث وائل رماح لعنب بلدي، فإن المبيعات في السوق الجديد منذ افتتاحه فاقت توقعات الصاغة بكثير، خاصة خلال الأيام الأولى من الافتتاح، معتبرًا أن وجود العديد من الصاغة في مكان واحد يخلق المنافسة ويحفز الصاغة لإنتاج قطع مميزة من الذهب.
خصوصية تتطلب سوقًا واحدًا
رئيس جمعية الصاغة في محافظة إدلب، مصعب الأسود، قال لعنب بلدي، إن خصوصية عمل الصاغة وارتفاع أثمان بضائعهم، تتطلب وجود الصاغة ضن سوق واحد لسهول تأمين وسائل الأمان والحماية.
وأضاف الأسود أن ما يميز سوق الصاغة في الدانا، أنه صمم خصيصًا للصاغة وبطريقة نموذجية من جهة التصميم والتنظيم والحماية ووسائل الأمان، ما يشعر الصاغة بالأمان والحماسة للمنافسة.
جمعية الصاغة في محافظة إدلب جمعية مهنية تضم جميع الصاغة ويشرف عليها مجموعة منهم تم انتخابهم من قبل العاملين في المهنة.
أسست الجمعية في عام 2017، بسبب الفوضى والتلاعب في عيارات الذهب في المنطقة، وأعلن عنها عام 2020، وتشرف بشكل رئيس على ضبط عيارات الذهب وحماية المواطنين من الغش.
وتعمل الجمعية أيضًا على ضبط أسعار الذهب من خلال إصدار التسعيرات بشكل يومي، ومتابعة التزام الصاغة بالأسعار المحددة.
كما خصصت الجمعية رقمًا خاصًا لاستقبال ومتابعة شكاوى المواطنين بخصوص أسواق الذهب في الشمال السوري.
وأوضح مصعب الأسود أنه يوجد سوقان رئيسان للذهب في محافظة إدلب، الأول يقع في مدينة إدلب، والثاني الجديد في منطقة الدانا.
وتكمن أهمية سوق الصاغة الجديد في تحقيق عملية الربط بين محال الذهب في الدانا وسرمدا، ما يسهل إشراف الجمعية على الأسواق.
ويتوفر في المحافظة الذهب من عيار “21” بشكل رئيس، الذي تصنع منه معظم القطع المعروضة في الأسواق، أما عيار “24” فهو مخصص للسبائك والأونصات، وعيار “14” الذي تصنع منه بعض القطع الناعمة التي تقدم كهدايا للأطفال، بينما لا يوجد العيار “18” بسبب عدم وجود طلب عليه من قبل الزبائن.
إيجابي.. ليس أولوية
الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر، قال لعنب بلدي، إن تنظيم أي نشاط اقتصادي أمر مهم وإيجابي، ووجود سوق متخصص بنشاط اقتصادي محدد يعد نوعًا من أنواع التنظيم، وهذا التنظيم يكفل حقوق كل من التجار والعملاء، ويسهم في نمو هذا السوق، وبالتأكيد هذا ينسحب على سوق الذهب المشار إليه، فهو من الناحية النظرية إيجابي، خاصة إذا اقترن بنقابة ناظمة لهذه المهنة.
أهمية السوق تظهر من أهمية الذهب بحد ذاته، على اعتباره أصلًا مهمًا ورئيسًا، ويشكل داعمًا للاستقرار النقدي، كما أن وجود سوق كهذا يكفل الحد من التلاعب بالذهب، سواء التلاعب السعري أو التلاعب بالجودة من خلال الغش بالعيار أو الوزن، فهو حماية للتجار وللحرفيين وللزبائن، وفق ما يرى السيد عمر.
كل هذا يعد مهمًا، لكن من جهة أخرى، وعلى الرغم من أهمية الذهب وضرورة تنظيم سوقه، فإنه لا يعد أولوية اقتصادية في شمال غربي سوريا، بحسب السيد عمر، مشيرًا إلى أن المستفيدين من هذا السوق سواء أكانوا تجارًا أم مشترين عددهم منخفض، خاصة في ظل معدلات الفقر والبطالة المرتفعة، وأن هناك أنشطة أكثر أولوية وإلحاحًا.
ويعتقد السيد عمر أن مهنًا كهذه لا تحتاج إلى عمالة كثيرة، فقدرتها على توليد فرص عمل ضئيلة جدًا، لذلك كان من الأفضل الاتجاه نحو دعم قطاعات تقدم قيمة مضافة لاقتصاد المنطقة، مثل توسيع أسواق المنتجات الزراعية، أو توسيع أسواق المواشي، وغيرها من الأسواق التي يستفيد منها عدد كبير من الأفراد، إذ سيخدم سوق الذهب مئات أو بضعة آلاف على الأكثر، بينما أسواق المنتجات الزراعية والحيوانية تخدم غالبية سكان المنطقة، كمنتجين أو مستهلكين.
شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في مدينة إدلب أنس الخولي