تعتبر رواية “ولدت هناك ولدت هنا” حكاية ذاتية للشاعر والكاتب الفلسطيني مريد البرغوثي، تنطلق من ذاتي يمكن إسقاطه على الجماعة.
تسرد الرواية فترة زمنية بعينها من حياة أب وابنه، وتحديدًا بين عامي 1998 و2008، وما يتخللها من لحظات ومواقف يهملها أو يتجاهلها أو يغفل عنها المؤرخون، خلال تدوينهم للأحداث الكبرى، التي تضم في طياتها الكثير من التفاصيل والمواقف اليومية العابرة والراسخة في ذاكرة الإنسان، صانع الحدث أو صاحبه أو موضوعه.
دون خطوط فاصلة بين حكاية الأب والابن، وعالمهما الضيق البسيط، والواقع الفلسطيني بصورته العامة، تسير الرواية محملة بمشاعر كاتبها وتساؤلاته واستنتاجاته.
وإلى حد ما، تمثل الرواية تتمة لما جاء في “رأيت رام الله”، الصادرة عام 1997، وتروي قصة 30 عامًا من حياة بطلها، قضاها في الغربة واختتمها بعبور جسر العودة ولملمة شتاته.
اللغة لدى مريد البرغوثي تسير وفق إيقاعين، الأول رقيق لطيف ينتقي ما يتماشى مع الجانب العاطفي من النص، والآخر يغوص في الواقعية، ويعتمد على عميق المفردات وجزلها، مع تطويع اللغة إجمالًا لخدمة النص، دون سقوط في فخ الاستعراض اللغوي أو البياني.
ولد مريد عام 1944 قرب رام الله في الضفة الغربية، ودرس اللغة الإنجليزية قبل أن يتجه للكتابة ويصدر ديوانه الشعري الأول عام 1972 بعنوان “الطوفان وإعادة التكوين”.
جمعت مريد البرغوثي علاقة صداقة عميقة مع الرسام الفلسطيني الراحل ناجي العلي، والكاتب الراحل غسان كنفاني، كما بدأ مشواره الشعري في وقت مبكر، وكتب أولى قصائده الموزونة وهو لا يزال طفلًا.
عاش الشاعر تجربة إنسانية وثقها في كتابه “رأيت رام الله”، وروى قصة عودته إلى مدينته، رام الله، بعد نفي لـ30 عامًا، افترق خلالها عن زوجته الأديبة المصرية الراحلة رضوى عاشور لمدة 17 عامًا، وكان مستشارًا في مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في بودابست، بينما كانت رضوى عاشور مع ابنهما تميم في القاهرة.
توفي مريد البرغوثي في شباط 2021، تاركًا خلفه إرثًا أدبيًا وشعريًا يصل إلى نحو 18 كتابًا يتراوح مضمونها بين الشعر والنثر، وتميل بأغلبيتها نحو بلاده وقضيتها التي تحضر في مسموع ومرئي ومقروء وسائل إعلام العالم منذ أربعينيات القرن الماضي، ولا تزال.