منذ وقوع الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا، في 6 من شباط 2023، انتشرت ظاهرة نصب مخيمات عشوائية على مساحات من الأراضي الزراعية على أطراف المدن أو ضمن الحدائق وسط محافظات الجنوب التركي ليقيم فيها أتراك ولاجئون سوريون ممن لم تسنح لهم الفرصة بالانتقال لمدن أخرى.
وبعد إغلاق العديد من المخيمات التي أنشأتها تركيا في السنوات السابقة ويقيم فيها لاجئون سوريون، بدأت السلطات منذ عام 2023 بإغلاقها.
وقبل أكثر من شهر وصلت إنذارات لعائلات سورية تقيم بخيم عشوائية متفرقة بمنطقة “كركهان” بمدينة هاتاي، مطالبة إياهم بالإخلاء والانتقال للسكن بمنازل في ظل ارتفاع “خيالي” لأسعار الإيجارات بالمنطقة بعد وقوع الزلزال، وفق شهادات حصلت عليها عنب بلدي.
وتوجد في خمس ولايات تركية ستة مخيمات تضم لاجئين سوريين خاضعين لـ”الحماية المؤقتة”، وهي: هاتاي وكهرمان مرعش والعثمانية وملاطيا وأضنة، ويقيم فيها أكثر من 57 ألف لاجئًا، وفق الإحصائيات الرسمية الصادرة عن رئاسة الهجرة التركية.
إنذارات متكررة
رصدت عنب بلدي حالة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لسوريين في منطقة كركهان يبحثون عن منازل لاستئجارها بعد إنذارهم عدة مرات بإفراغ الخيام التي يقطنونها.
خديجة الهكا، المنحدرة من مدينة حماة، قالت لعنب بلدي، إن الشرطة وعناصر حرس الحدود التركي (الجندرما) أبلغوا العائلات المقيمة بخيم عشوائية بالمنطقة بإخلائها بأقرب وقت دون تحديد مهلة.
وأوضحت خديجة أن سبب الإنذارات المتتالية منذ شهر، هو الإزعاج وإصدار الأصوات من العائلات، ما أدى إلى تقديم السكان بالمباني شكاوى، بحسب ما قاله عناصر الشرطة للعائلات.
خديحة ليست الوحيدة، إذ يوجد في مخيم عشوائي تقيم فيه ضمن حديقة عامة بحارة “الجمهوريات” بكركهان، أكثر من 50 خيمة يقيم بها عائلات سورية متضررة من الزلزال إثر انهدام منازلها بشكل كلي أو جزئي.
ويُعتبر هذا المخيم العشوائي أحد المخيمات المنتشرة بالمدينة وعددها غير معلن بشكل رسمي.
في مخيم آخر بالمنطقة نفسها، تستمر تنبيهات الشرطة التركية منذ أكثر من شهر بإخلاء المخيم، وسط حديث عن أن الشكاوى المقدمة بدأت تزداد بالفترة الأخيرة لتفوق قدرتهم على ضبط المشتكين.
أدى ذلك إلى إفراغ نسبة كبيرة من العائلات خيمها لتبقى تحت خيارات إما الإقامة عند الأقارب حتى العثور على منزل، أو استئجار منزل لو بأسعار مرتفعة ضمن بناء متضرر من الزلزال.
منازل بأسعار “خيالية”
بعد الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا، عمد عدد من أصحاب المنازل إلى رفع الإيجارات الشهرية استغلالًا لحالة النزوح التي تسببت بها الكارثة وأعداد المنازل الكبيرة التي دُمرت.
فطيم جبرو هولا، في الأربعينيات من عمرها، وابنة منطقة حلفايا بريف حماة، تعمل في الأراضي الزراعية لإعالة أسرتها المتضررة إثر الزلزال، لكن قدرتها المالية لا تكفي لتغطية التكاليف المعيشية ودفع الإيجار الذي لا يقل عن سبعة آلاف ليرة تركية (الدولار يقابل 30 ليرة تركية).
إخبار عائلة فطيم المكونة من أربعة أشخاص بإخلاء الخيمة في مدينة كركهان كان بمحل صدمة لها، وخاصة أن المنازل غير متوافرة والقدرة المالية لأغلب سكان الخيم معروفة بتدنيها بعد خسارة أغلب ما يملكون.
أما خديجة الهكا فقد فقدت عائلتها المكونة من ثمانية أشخاص زوجها عقب الزلزال، وتحاول البحث عن منزل بسعر يناسب قدرتها المالية وتستطيع تثبيت نفوسها فيه في حال استأجرته، ولكن القيود المفروضة على السوريين تزيد الأعباء على السوريين.
ووفق خديجة، فإن أغلب العائلات في المخيم غادرت وبقيت ثلاثة عوائل فقط غير قادرة على الاستئجار بسبب نقل النفوس والقيود السكنية.
إغلاق لمخيمات اللاجئين
في شهر كانون الثاني 2024، عرضت إدارة مخيم “أبايدن” (الضباط) في مدينة هاتاي جنوبي تركيا، خيارات على العائلات المقيمة بالمخيم لإفراغه، إذ كان يضم عائلات من اللاجئين السوريين من متضرري الزلزال.
وكانت السلطات التركية أغلقت خلال عام 2023 مخيمين في كل من مدينتي غازي عنتاب وكلس، هما مخيما “نزيب” و”ألبيلي“، كانا يضمان نحو تسعة آلاف لاجئ سوري، حذفت قيودهم من المخيمين بعد إغلاقهما.
وطريقة إغلاق المخيمين مشابهة للخيارات التي عرضت على العائلات في مخيم “أبايدن”، فاللاجئ الذي أراد الانتقال إلى الولايات التركية باستثناء اسطنبول، يمنح 6500 ليرة تركية، بينما المبلغ المقدم لمن يرغب بالعودة الطوعية إلى سوريا قدره 14 ألف ليرة تركية.
يأتي قرار إغلاق المخيمات للاجئين السوريين في تركيا، كخطوة مكملة للقرارات السابقة في عام 2018 حول إغلاق المخيمات، وهو أمر روتيني من قبل رئاسة الهجرة التركية ومتبع منذ سنوات.
وأغلقت الهجرة التركية ما يقارب 19 مخيمًا من أصل 25 مخيمًا، مع وجود خطة سابقة لإبقاء عدد منها خاصة بذوي الإعاقة، بحسب تصريح سابق لرئيس بيت الإعلاميين العرب في تركيا، جلال دمير، لعنب بلدي.
وتابع جلال دمير أن عدم إغلاق ما تبقى من المخيمات في الفترات السابقة كان سببه الزلزال الذي ضرب شمالي سوريا وجنوبي تركيا، في 6 من شباط 2023، بالإضافة إلى الانتخابات الرئاسية والأسباب الاقتصادية والتغيرات الإدارية، ما أدى إلى عدم إسراع الهجرة بتنفيذ قرار الاغلاق.
يبلغ عدد اللاجئين السوريين الخاضعين لنظام “الحماية المؤقتة” ثلاثة ملايين و116 ألفًا و713 شخصًا في تركيا، وفي مدينة هاتاي وحدها يعيش 258 ألفًا و643 لاجئًا سوريًا.