يعد إعداد “السليقة” أحد أهم طقوس وصور التراث في ريف دير الزور، وينتظره الأهالي في مثل هذه الأيام من السنة، بعد الانتهاء من صيام شهر رمضان، وصيام ستة أيام من شهر شوال.
و”السليقة” هي إحدى المأكولات المشهورة التراثية الشعبية شرقي سوريا، وتسمى بذلك نظرًا لطريقة إعدادها، حيث تطهى بالماء، ويسمى الطعام الذي يطهى بهذه الطريقة مسلوقًا أو سليقًا.
ويرى البعض أن هذا الاسم يعود إلى سهولة بلعها، حيث يعني السليج باللغة العربية البلع بسرعة، ويُستخدم تعبير “سلج اللقمة” أو “سلج الفصيل الناقة” للدلالة على عملية البلع بسرعة.
السيدة خلفة الحمد (55 عامًا) “أم صالح” من سكان بلدة هجين في ريف دير الزور، قالت لعنب بلدي إن “السليقة” تتكون من بعض البقوليات والقمح، حيث يتم نقع كميات متساوية من الفاصوليا البيضاء، والعدس غير المقشر، والفول اليابس، واللوبياء، وحبوب القمح، والزبيب، والحمص، لعدة ساعات.
بعد ذلك، يُطهى كل هذا المزيج بالماء ويضاف إليه الملح، وبعدما ينضج تمامًا، تقدم “السليقة” ساخنة وسائلة، وفق “أم صالح”.
ولتعزيز طعمها ولونها، يضاف إليها “الهكط”، والذي يتألف من قطع من اللبن المجفف المنزوع الدسم، والذي يمنحها طعمًا حامضًا ولونًا أبيضًا مع لمحة من اللون الأصفر، وفق السيدة.
وأضافت السيدة أن وجبة السليقة غنية بالقيم الغذائية ومفيدة للجسم، نظرًا لاحتوائها على مجموعة متنوعة من العناصر الغذائية الهامة للصحة.
السيدة سامية محمود (45 عامًا) من قرية الشعفة، قالت لعنب بلدي إن التحضير لـ”السليقة” يبدأ بنقع الحبوب اليابسة لمدة يومين (كل صنف بشكل منفصل)، باستثناء عدس المجدرة، بالإضافة إلى نقع كتل “الهكط” اللبنية وقطع البقل، بعد ذلك، يتم تصريف الماء وغسل الحبوب بالماء العادي.
الخطوة التالية هي مرحلة السلق، حيث توضع الحبوب في الماء على النار، ويتم سلق كل صنف منفردًا لتفادي مزج طعمات الحبوب، وتتراوح مدة السلق من 20 إلى 30 دقيقة، حتى تصبح الحبوب طرية قليلًا.
بعد ذلك، يضاف “الهكط” وقطع البقل المفتتة إلى الحبوب في الوعاء الكبير، بالإضافة إلى شرائح الكمأة الجافة وعدس المجدرة وحبات البصل الأبيض الصغيرة والماء والملح والعصفر.
ويوضع الوعاء الكبير “القدر” على نار هادئة، ويُحرّك الحطب تحته بشكل متقطع، مع تحريك المكونات داخل الوعاء بين الحين والآخر.
يُطهى المزيج لمدة ساعة تقريبًا، حتى تصبح الحبوب مستوية ومتجانسة، وتندمج مكوناتها بشكل جيد.
وعندما يصبح الطبق جاهزًا، يتم تقطيع بصلة بيضاء صغيرة لشرائح وتقلبيها بالسمن العربي، ثم يُرش هذا الخليط فوق “السليقة” في الوعاء ويُخلط بالمكونات، ثم تفوح رائحة السمن العربي الزكية، وبعد خمس دقائق من “التدسيم”، تكون “السليقة” جاهزة للتقديم، وفق سامية.
طقس “السليقة”
يعتقد الأهالي أن طقس إعداد طبخة “السليقة” مرتبط بإتمام صيام الستة أيام من شوال، ويحرص كثيرًا من الصائمين في شوال على اختتام صيامهم بتحضير “السليقة” في وعاء كبير ثم يوزعونها على الجيران والأقرباء كنوع من القربان لقبول صيامهم.
ويختار بعض الناس طبخ “السليقة” عند بزوغ أسنان مولودهم الجديد.
ويتميز طهي السليقة بالمشاركة العائلية، حيث يشرف على طبخها العديد من الجدات (الحبابات) في اللهجة الديرية، اللواتي يتمتعن بخبرة طويلة ومهارة في الطبخ.