لمى قنوت
استطاعت إسرائيل جر إيران إلى رد عسكري خارج حدودها بعد قصف قنصليتها بدمشق في 1 من نيسان الحالي، بدل الاتكال في الرد على أذرعها العسكرية في كل من لبنان والعراق واليمن، وكان هجومها الصاروخي معلنًا ومحدودًا، استخدمت فيه مسيرات بطيئة وبمسارات متوقعة، مع صواريخ “كروز”، وكم من الصواريخ الباليستية، تم التصدي لها عبر عملية دفاع جوية مشتركة، شاركت فيها كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والأردن، مع دور استخباراتي سعودي- إماراتي أشار إليه الإعلام الإسرائيلي وتقرير في صحيفة “وول ستريت جورنال“، بينما استطاع عدد من الصواريخ إصابة قاعدة “نيفاتيم” ومطار “رامون”.
عسكريًا، فشل الهجوم العسكري في إحداث أضرار، أو يصح القول، إن علنية الهجوم ورسائل التطمين الإيرانية كانت بهدف تقليص الأذى إلى الحدود الدنيا، ناهيك بالهوة التي ظهرت بين القدرات الدفاعية المعقدة للاحتلال وشركائه، أمام القدرة الصاروخية المحدودة لإيران، ومن جهة أخرى، لم تكشف إيران عن أسلحة لا يعرفها الاحتلال وداعموه، وأظهرت قدرتها على إرباك العالم كإغلاق مطارات وتعطل الملاحة الجوية.
لكن الهجوم سيخفف ضغوط معارضي نتنياهو عليه، بعد أن صَوّر الاحتلال إيران كفزاعة لكيانه، بينما تتمحور أولويات إيران حول ملفها النووي واستكمال ما يكفي من تخصيب اليورانيوم لصنع قنابل نووية، وحول إحكام قبضتها على دول صادرت قرارها وقوضت سيادتها، مثل سوريا ولبنان، وتمكين أذرعها في كل من العراق واليمن.
استفاد الاحتلال من الضربة الإيرانية في تحويل الأنظار عن جرائمه في غزة والضفة، ويوظفها شركاؤه في دول الشمال العالمي كأداة إضافية في استعادة “مظلومية إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها”. يبقى السؤال، هل سيتوقف توسع الصراع بعد رد إسرائيل المحدود على الرد الإيراني في 19 من نيسان الحالي، الذي أصاب قاعدة عسكرية قريبة من موقع نووي بمدينة أصفهان ومواقع عسكرية في جنوبي سوريا وفي العراق. وقد وصف وزير الأمن القومي للاحتلال، بن غفير، رد حكومته، بأنه: “تسديدة ضعيفة”، بينما ترجمته مواقع أخرى بـ: “مسخرة“. بكل الأحوال، يرجح بعد هذا الرد توقف الطرفين عن استهداف أحدهما للآخر بشكل مباشر، وعودة كليهما إلى قواعد الاشتباك السابقة.
وفي حصيلة الحسابات السياسية، وبعد 6 أشهر على عملية طوفان الأقصى في 7 من أكتوبر (7 من تشرين الأول 2023)، يمكن القول إن أوهام القوة الاستخباراتية للاحتلال بكل ما تملك من قدرات تكنولوجية استطاعت تقويضها مجموعة مسلحة محاصرة، هشمت شعار “الجيش الذي لا يهزم”، ولم يستطع الاحتلال تحقيق أهدافه ضد “حماس” حتى الآن، فقد فشل في تدميرها عسكريًا، وفي تحرير أسراه دون مفاوضات، وفي القضاء على قادتها، وفقد الاحتلال قدرته على الردع، ولم ينجح في ضمان أمن المستوطنين الذين أصابهم الهلع. كما أنه لم يستطع خوض غمار الإبادة الجماعية والتطهير العرقي دون الدعم من شركائه في دول الشمال العالمي.
إن الاستقطاب الحاد في المنطقة يشكّل ضغوطًا متزايدة على الأردن، فمن جهة، زادت الهوة بين الشارع الأردني الغاضب وحكومته بعد تكثيف المظاهرات ومشاركة الآلاف فيها ضد الاحتلال والتطبيع، والجهود الحثيثة التي تمارسها أصوات قريبة من الحكومات المطبعة مع الاحتلال لشيطنة حراك الأردنيين والأردنيات، ومن جهة أخرى، فالأردن يعاني من تهريب السلاح و”الكبتاجون” إليه من قبل النظام السوري وإيران.
سوريًا، وخلال تصاعد التوترات في المنطقة، حرص بشار الأسد على إرسال رسائل واضحة بعدم اكتراثه لما يجري من إبادة جماعية في غزة وتطهير عرقي في الضفة، ناهيك بالإدمان المزمن في الاحتفاظ بحق الرد على ضربات الاحتلال الدائمة لسوريا، وكان لافتًا أيضًا حضوره وزوجته المكثف في عدة مناسبات اجتماعية، ومن ضمنها إفطار جماعي في طرطوس حرصا فيه على اللهو (لعبة شد الحبل) في 8 من نيسان الحالي، وفي خضم ذروة التحريض الفاشي ضد السوريين والسوريات في لبنان وسحل وتعنيف بعضهم في شوارعها بعد مقتل باسكال سليمان، القيادي بحزب “القوات” في 9 من نيسان، نشرت أسماء الأسد صورة عائلية لهم، وهم يتنزهون في شوارع دمشق القديمة.
الشعوب وحدها تدفع ثمن الاحتلال والاستبداد وتلك الاستقطابات الحادة، بين فريق يستغل كفاح الشعب الفلسطيني وفريق مطبع أو في طريقه للتطبيع مع الاحتلال الاستيطاني الإحلالي، تحت شعارات “السلام الاقتصادي”، بينما بدأ يظهر التخفف من العبء الأخلاقي والحقوقي عن جرائم الاحتلال على صعيد دول وجماعات وأفراد، وتتصاعد الحركات المناهضة له وللشركات التي تدعمه.