إبراهيم العلوش
منذ بداية نيسان الحالي، وبعد ضرب القنصلية الإيرانية في دمشق، انشغل العالم بتحليلات وتوقعات الرد الإيراني، في حين انشغل بشار الأسد بجولات أكل الفلافل مع عائلته، تاركًا، كعادته، البلاد لمصيرها المأساوي.
استعرض الإيرانيون قوتهم العسكرية في 14 من نيسان الحالي، وأطلقوا نحو 350 صاروخًا ومسيّرة من إيران باتجاه إسرائيل التي لم يتضرر أحد فيها إلا طفلة بدوية من أصل عربي في صحراء النقب، بحسب الرواية الإسرائيلية، على عكس الصواريخ الإيرانية التي كانت تطلق على الأسواق والمدارس السورية وتقتل المئات في كل مرة، ودمرت مدينة تاريخية مثل حلب.
وضعت إيران كل إمكاناتها العسكرية في هجوم غير مسبوق، بعد نحو نصف قرن من الوعيد ضد إسرائيل، والتهديدات التي يدعي فيها “الحرس الثوري الإيراني” بأنه سيقوم بإفناء إسرائيل، ولكن النتيجة الصفرية كانت مذهلة وحولته إلى مجرد استعراض احتفالي.
الهجوم الإيراني ترافق برسالة إلى الولايات المتحدة بأن السلطات الإيرانية لا تريد حربًا وإنما ترد بشكل استعراضي. وهي تقوم بذلك ربما لإرضاء مناصريها في الداخل الإيراني وفي الخارج من الميليشيات المتيمة بشعارات الدولة الإسلامية الإيرانية والمستمتعة بدولاراتها البترولية طوال العقود الماضية. وبينت إيران في رسائلها قبل وبعد الرد أنها لا تهدد أي منشأة صناعية أو مدنية إسرائيلية، وأن استهدافها مبرمج غايته الرد على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، ولا خطر فيه على أحد، وأكدت ضرورة عدم الرد الإسرائيلي عليه!
لم تنشغل دمشق من قبل ولا من بعد بالأحداث التي تجري على أراضيها، ولا بردود الفعل ولا بالحروب الدبلوماسية حولها وعليها، وكأنما بشار الأسد، كما قال الكاتب عمر قدور، يعيش أفضل أيامه، ولكن خارج الزمن الذي يدور حوله.
النظام السوري لم يستفد من حرب روسيا في أوكرانيا ولا من حروب إيران وانشغال الدولتين بأزماتهما العميقة مع المجتمع الدولي، كأن يقوم بإحداث تغييرات كبيرة في علاقته مع السوريين واستيعاب جزء من الضغوط العربية والدولية، وخاصة في مجال الدستور والاقتصاد واللجوء والاعتقال والاختطاف، ولم يقم حتى بتنظيم محاكمة شكلية لمجرمي الحرب لغسل سمعته، ويبدو أن قادة نظام الأسد في خضم هذه الأحداث قد أضاعوا قدرة الإدراك والمبادرة، وكأنهم غارقون في إدمان “الكبتاجون” أكثر من كونهم مجرد منتجين وتجار ومهربين له.
لا أحد يقيم وزنًا لجولات الأسد ولا لضحكاته التي ترسل إشارات للدول الأخرى بأنه غير مبالٍ بقصف القنصلية الإيرانية ولا برد الفعل الإيراني، وبالمقابل، فإنه يعطي الإيرانيين الاطمئنان في العمل عبر دمشق مع الميليشيات العنكبوتية التي تحتل بلاد الفلافل والضحكات المستهترة بكل شيء إلا كرسي الحكم.
عبرت الصواريخ الإيرانية في سماء العراق والأردن، وبعضها انطلق من لبنان ومن سوريا، وتصدت لها أسلحة الدفاع الجوي الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية والفرنسية، وتم رصدها وتدمير بعضها في منطقة الخليج وفي شمال العراق وفي سماء الأردن، الذي أسقط عددًا كبيرًا من تلك الصواريخ والمسيرات تحت عنوان حماية سمائه من أي اعتداء أجنبي.
99% من الصواريخ والمسيرات تم إسقاطها، وخرجت إسرائيل منتصرة في صد الهجوم الإيراني، الذي رفع عن كاهلها الحصار الدولي الذي تسببت به مجازر غزة والاتهامات التي وصلت إلى المحاكم الدولية في شبهة الإبادة الجماعية.
كان الرد الإيراني مجالًا لتجربة الأسلحة الحديثة وتصنيع غيرها من قبل شركات السلاح العالمية التي تثري من تجارة الحروب، فقد تكلفت إسرائيل في صد الهجوم 1.35 مليار دولار، وحتمًا تكلفت إيران أكثر من ذلك المبلغ من أجل المشهد الاستعراضي الذي لم يدم أكثر من عدة ساعات.
ومرّت هذه الصواريخ والمسيرات وقذائف “الباتريوت” فوق شعوب جائعة ومنتهكة الإرادة، وفوق شعوب غاضبة من الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني وغاضبة من الاعتداءات الإيرانية وميليشياتها الطائفية، لكن أيًا من المحليين العسكريين والاستراتيجيين لا يقيم وزنًا لمشاعر شعوب المنطقة ولا لإرادتها التي تتنازع عليها دولتان دينيتان تتبادلان الحقد ونية التدمير الشامل، من أجل تسجيل النصر الكامل الإسرائيلي أو الرد “المزلزل” الإيراني.
سيمر الرد الإيراني مثل عاصفة في فنجان، مثلما سيمر الرد الإسرائيلي الاستعراضي أيضًا الذي حصل في 19 من نيسان الحالي، وستعود إسرائيل إلى ساحة الإبادة الجماعية في غزة، وتعود قنوات التلفزيون الغربية إلى تسريب بعض المشاهد والتعليقات، ولكن لن يهتم أحد بالمصير المأساوي الذي تجري باتجاهه المنطقة، ولا أحد يشعر بآلام المقتلعين من بيوتهم، ولا بأنين الجوعى، ولا بالمعتقلين والمعذبين قرب مطعم الفلافل الذي تأكل فيه عائلة السفاح، ستتوالى الردود المتبادلة بين إسرائيل وإيران في سوريا، أو في لبنان، أو في العراق، أو في إيران نفسها، وسيمتد ليل المنطقة الطويل بلا أمل يشرق على ناسها المدفونين بقذائف الأحقاد والردود المتبادلة.