تعا تفرج
عيد الجلاء والموت لفرنسا وإسرائيل
خطيب بدلة
عجيب أمرنا نحن السوريين. نحتفل، كل سنة، يوم 17 من نيسان، بعيد الجلاء، فترانا فرحين، مبتهجين، لأننا تخلصنا من الاستعمار الفرنسي “البغيض”. الأغلبية الساحقة منا لا يعرفون السبب الحقيقي لفرحهم واحتفالهم، فقد ورثوا كراهيتهم للاحتلال الفرنسي، مثلما ورثوا انتماءهم القومي، والديني، والمذهبي.
السياسيون، الذين يقارعون الاستعمار في خطاباتهم النارية، لا يتركون على فرنسا واحتلالها لبلادنا سترًا مغطى، فإذا سألتَ أحدهم، بغتة، عن رأيه في الـ400 سنة التي أمضاها العثمانيون في ربوع بلادنا الغَنَّاء، لرأيته يفنجر عينيه مثل العفريت، ويقول لك: آ؟ تقول له: طيب، يا عمي، دعنا من هذه المقارنات، وخلنا نتفاهم على ما بعد الاحتلالات الثلاثة.. هنا، تتسع دهشتُه، ويسألك:
– شو هالحكي؟ تلات احتلالات؟
تقول له: نعم، الاحتلال العثماني، 400 سنة، احتلال فيصل بن الشريف حسين، 22 شهرًا، الاحتلال الفرنسي، 26 سنة، ولكنك أنت، والملايين من أبناء بلدنا، لا تتضايقون من المحتل المسلم، حتى ولو جثم فوق صدورنا إلى الأبد، وتعتبرون الإنجليز والفرنسيين والطليان واليهود محتلين، وتحاربونهم بشراسة، لأنهم، ببساطة ليسوا من دينكم.
وعلى كل حال، يا صديقي، الاحتلالات الثلاثة كلها أصبحت وراءنا، فماذا فعلنا نحن السوريين بعد 17 من نيسان 1946؟ أنا أقول لك: الضباط الكبار الذين يقودون قطع الجيش، الذي بنيناه بحجة الدفاع عن حدود الوطن، راحوا يتبارزون لـ”احتلال” السلطة في هذه الدولة الفتية المسكينة، وإذاعة المارشات العسكرية، والبيان رقم واحد الذي يهدد بالضرب بيد من حديد على يد مَن تسول له نفسه العبث بمقدرات هذا الشعب الغلبان النائم، الذي لا يعرف شيئًا عن الانقلابي الجديد، ولا الآخر الذي انقلبوا عليه. تصور، يا رعاك الله، ثلاثة انقلابات عسكرية في سنة 1949، والرابع في 1954، ويمكننا اعتبار الوحدة مع مصر الشقيقة انقلابًا خامسًا، قادته اللجنة العسكرية، وسلمت بموجبه سوريا من بابها لمحرابها لمغامر قومي ارتجالي اسمه جمال عبد الناصر، والانقلاب السادس في سنة 1961، والسابع في 1963، والثامن في 1966، والتاسع في سنة 1970، ناهيك بالحركات الانقلابية التي أخفقت وكان مصير قادتها الموت أو السجن.
78 سنة مرت على خروج فرنسا التي قدمت لسوريا إنجازات لا يمكن تجاهلها، مثل المصانع، والطرقات، وسكك الحديد، والقوانين، وتحديد الملكيات العقارية (المساحة)، وحاولت ترسيخ بعض القيم الليبرالية والديمقراطية، ونحن مستمرون في هجائها، وتحميلها مسؤولية تخلفنا، وجهلنا، واقتتالنا المجاني.. أوكي. سأمشي معك، الآن، على هوى عقلك، وأقول لك، إن الفترة الفرنسية زفت، وزبل، ولكن ماذا فعلت أنت خلال ثلاثة أرباع القرن التي انصرمت؟ هل أوجدتَ نظامًا سياسيًا مدنيًا حضاريًا محترمًا، يحقن دماء السوريين، ويجعلهم يعيشون آمنين في وطنهم؟ هل نزعت فتيل الحرب الأهلية، والصراعات القومية والدينية والمذهبية؟
منذ الأيام الأولى للاستقلال، أدخلنا سوريا الغلبانة المسكينة في صراع من الوجود الإسرائيلي (اليهودي). عدد لا يحصى من الشهداء، وتريليونات الدولارات من الخسائر، ولا تزال الشعارات نفسها تُطلق، والصراخ والزعيق، “ع القدس رايحين شهداء بالملايين” مستمر.
ليش؟ ألا يوجد بينكم رجل رشيد؟
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :