غياب القانون وسطوة العادات
نساء يُحرمن من حق الميراث شمال شرقي سوريا
عنب بلدي – رهام السوادي
تقاسم أشقاء فاطمة الثلاثة تركة والدهم من الميراث بعد وفاته، وتركوها وشقيقاتها الأربع دون أي نصيب.
وكما جرت العادة في مدينة الشدادي جنوبي محافظة الحسكة، تنازلت شقيقات فاطمة البالغة من العمر 36 عامًا عن حقهن بالميراث، في حين كانت فاطمة الوحيدة من طالبت بهذا الحق.
وقالت فاطمة لعنب بلدي، إنه لولا “الظروف القاسية”، التي تعيشها مع عائلتها المؤلفة من ستة أشخاص، لما رفعت دعوى في المحكمة، للمطالبة بحصتها الإرثية التي تقارب 15 دونمًا.
تعمل فاطمة، التي تحفظت عنب بلدي على ذكر اسمها كاملًا لأسباب اجتماعية، معلمة لدى “الإدارة الذاتية”، كما يعمل زوجها معلمًا بدوره، ويتقاضى كلاهما راتبًا يصل إلى مليوني ليرة سورية (نحو 142 دولارًا أمريكيًا).
حاجز مجتمعي وعائلي
تخشى شمس، من حوايج البو مصعة بريف دير الزور الغربي، نظرة المجتمع التي قد تتهم زوجها بـ”السلبطة” والتسلط على أرض والدها، والجشع، في حال طالبت أشقاءها بحقها من الميراث، على الرغم من أنه حق مشرّع في القانون و”الكتاب والسنة” لكل فتاة.
وكما فاطمة، لم تكن شمس لتسأل عن حقها في الميراث، لولا حاجتها للنقود، من أجل مساعدة ابنها البالغ من العمر 17 عامًا على مغادرة البلاد إلى أوروبا، بحثًا عن مستقبل أفضل له، وأملًا في تحسين الوضع المعيشي لعائلتها المؤلفة من ستة أفراد.
وقالت شمس ذات الـ48 عامًا لعنب بلدي، إنها طلبت من أشقائها تحصيل حقها في الميراث، لبيع حصتها، إذ إنه لا يوجد من يقرض نقودًا في المنطقة “هذه الأيام”، إلا أن طلبها قوبل بالرفض.
والطريقة الوحيدة التي يمكن أن تحصل فيها شمس على النقود، والمتعارف عليها في المنطقة، هي عبر شراء سيارة من أحد المرابين، بسعر معين دون دفعه مباشرة، ويتضاعف السعر بعد مرور فترة زمنية يحددها المرابي، وهو مبلغ لا تستطيع شمس سداده.
بجانب نظرة المجتمع، تخشى النساء من مقاطعة الأشقاء لهن، في حال مطالبتهن بحصصهن من الميراث، كما حدث مع فاطمة التي قاطعها أشقاؤها بعد رفع الدعوى القضائية.
إحدى العاملات في “تجمع نساء زنوبيا” التابع لـ”الإدارة الذاتية”، تحفظت على ذكر اسمها كونها غير مخولة بالحديث الإعلامي، قالت لعنب بلدي، إن الموروث الاجتماعي السائد في المجتمعات الشرقية هو من يسمح للأخ أو الأب بحرمان المرأة من حقها في الميراث.
وأشارت إلى أن التجمع بجانب منظمات أخرى عاملة في المنطقة، يعمل على توعية النساء بحقهن في الميراث، ويساعدهن في المطالبة بحقوقهن عن طريق القانون من خلال دورات تثقيفية.
“تجمع نساء زنوبيا“، هو “تنظيم نسائي سياسي اجتماعي وإيكولوجي”، أُسس في 6 من حزيران 2021، ليضم نساء من مختلف الثقافات في سوريا.
ويعمل “التجمع” بحسب الناطقة باسم هيئة المرأة في دير الزور، شهرزاد الجاسم، على النهوض بواقع المرأة على جميع المستويات، والنضال ضد جميع أشكال الإبادة الجسدية والثقافية، وترسيخ القيم المجتمعية، وتحقيق العدالة والمساواة والمشاركة الكاملة في الحياة العامة.
تجارب قانونية
تراجع فاطمة المحكمة منذ السنة الماضية، بانتظار الحصول على “حقوقها المسلوبة”، كما وصفتها، إلا أن المحكمة تستمر بالتأجيل، بسبب امتناع أشقائها عن حضور الجلسات.
وتعاني سماح، من قرية الحجنة بريف دير الزور الشمالي، من المشكلة ذاتها، إذ إنها تقدمت بدعوى أمام المحكمة مطالبة بحقها في الميراث، رغم محاولات أقاربها لمنعها من تقديم الشكوى، خوفًا عليها من نظرة المجتمع.
حضرت سماح (45 عامًا) عدة جلسات في المحكمة، إلا أن أشقاءها تغيبوا، ما دفعها أخيرًا للاستسلام، دون أن تنال شيئًا من حصتها في الميراث.
من جهة أخرى، استطاعت أحلام، من قرية الدحلة شرقي دير الزور، أن تحصل على حصتها في الميراث، بعد أن قدمت شكوى بحق إخوتها الستة، إلى لجنة المرأة والقضاء التابعة لـ”الإدارة الذاتية”.
وقالت أحلام ذات الـ45 عامًا، لعنب بلدي، إن القاضي حكم لها بعد عدة جلسات بـ45 دونمًا من ميراث والدها، الذي توفي قبل أكثر من عشر سنوات.
وكان ما دفع أحلام إلى المطالبة بحقها بعد مرور وقت “طويل” على وفاة والدها، بجانب نظرة المجتمع، إصابة زوجها بحادث سير في 2016، ما منعه من العمل.
وأدى الحادث إلى تردي وضعهم المعيشي وصعوبة في إعالة أولادها الأربعة، دون أن يقدم أشقاؤها أي مساعدة.
وليد المطيران، محامٍ في مدينة الرقة الواقعة تحت سيطرة “الإدارة الذاتية”، قال لعنب بلدي، إن الرجال في المنطقة، وخاصة في ريف المنطقة الشرقية، لا يعطون المرأة أي حصة في الميراث، إن كانت أرضًا زراعية أو عقارًا سكنيًا أو أملاكًا منقولة.
وأضاف أن “الإدارة الذاتية” غالبًا تضع قوانينها الخاصة وتطبقها في مناطق سيطرتها، غير أن القوانين المتعلقة بالإرث هي ذاتها المطبقة في قوانين الأحوال الشخصية لدى النظام السوري “حرفيًا“.
وعن الإجراءات، قال المطيران، إن ملف الدعوى يُرسل بداية إلى لجنة الصلح، في محاولة لحل الموضوع دون إجراءات قانونية، ويحال الملف إلى المحكمة في حال عدم التوصل إلى اتفاق.
وتعين المحكمة خبيرًا لتقسيم الحصص بين الورثة، وفي النهاية تصدر قرارًا بإعطاء كل وريث حصته الإرثية، وفقًا للمحامي.
وبحسب المطيران، تستمر إجراءات المحكمة منذ تقديم الشكوى حتى صدور الحكم، في حال عدم وجود عراقيل، ستة أشهر بشكل وسطي.
القاضية في ديوان العدالة التابع لـ”الإدارة” في مدينة القامشلي، روجين عثمان، قالت لوكالة “نورث برس“، إن عدد الدعاوى الإرثية الخاصة بالمرأة، والتي جرى تحويلها من دور المرأة ولجان الصلح و”الكومينات” إلى دواوين العدالة، بلغت 89 دعوى في مختلف مناطق شمال شرقي سوريا، خلال 2023، منها 31 دعوى في القامشلي.
وعلى الرغم من وجود عدة مواد وبنود متعلقة بحقوق المرأة في العقد الاجتماعي الذي صدّق عليه المجلس العام في “الإدارة الذاتية”، في كانون الثاني 2023، فإنه لم يذكر بشكل واضح تفاصيل متعلقة بالميراث، واقتصر على خطوط عريضة للحقوق والواجبات والأحكام.
وجهة نظر مختلفة
جاسم، موظف في المجلس المدني التابع لـ”الإدارة الذاتية” في بلدة الصور، وينحدر من مدينة دير الزور، يرى أن فئة من الرجال خصوصًا في المجتمع العشائري، لا يزالون ينظرون إلى المرأة كـ”سلعة” أو مجرد “رقم زائد”، ومن المعيب مشاركتها في الإرث.
جاسم الذي تحفظ على ذكر اسمه كاملًا لكونه غير مخول بالحديث الإعلامي، اتهم الرجال بأنهم لا يتذكرون من الدين سوى “الرجال قوامون على النساء”، متجاهلين آية “للذكر مثل حظ الأنثيين”.
مدير منظمة “عطاء المحلية”، مانع السِفِر، المنحدر من بلدة الباغوز، قال لعنب بلدي، إن الجهل في الدين وسيطرة العادات والتقاليد، التي تُعيب انتقال النقود إلى رجل من خارج العائلة (في حال كانت متزوجة)، تحول دون حصول المرأة على حقها في الميراث.
وحمل مانع رجال الدين مسؤولية تغيير عادة حرمان الفتاة من حقها في الميراث، من خلال الخطب والدروس الدينية، إضافة إلى القانون الذي لم يفرض حتى الآن بنودًا “شديدة” تحمي حق المرأة.
أسهم في إعداد هذا التقرير مراسل عنب بلدي في دير الزور عبادة الشيخ
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :