إسرائيل أجّلت استهداف إيران.. طهران استعدت في سوريا

  • 2024/04/18
  • 1:24 م
جندية من الجيش الإسرائيلي بجوار صاروخ باليستي إيراني سقط في إسرائيل- 16 من نيسان 2024 (AFP/ جيل كوهين)

جندية من الجيش الإسرائيلي بجوار صاروخ باليستي إيراني سقط في إسرائيل- 16 من نيسان 2024 (AFP/ جيل كوهين)

بعد تهديدات استمرت ثلاثة أيام، قررت إسرائيل شن ضربة انتقامية ضد إيران مساء الاثنين 15 من نيسان، لكنها في النهاية أجّلتها، بحسب ما نقله موقع “إكسيوس” الأمريكي عن خمسة مصادر إسرائيلية وأمريكية لم يسمّها.

أحد المسؤولين الأمريكيين الذين أشار إليهم “إكسيوس” في تقرير له، الأربعاء 17 من نيسان، قال، “لسنا متأكدين من السبب أو مدى قرب الهجوم الفعلي”، لكن مسؤولًا أمريكيًا ثانيًا أكد أن إسرائيل أبلغت إدارة بايدن، الاثنين، أنها قررت الانتظار.

وقبل أيام، قال مسؤولون أمريكيون، إن الرد الإسرائيلي المحتمل على الهجوم الإيراني من المرجح أن يتضمن ضربات ضد قوات عسكرية إيرانية ووكلاء مدعومين من طهران في سوريا، بحسب ما نقلته شبكة “NBC” الأمريكية.

“إكسيوس” نقل عن مسؤول أمريكي ثالث لم يسمّه أيضًا أن “ضربة إسرائيلية صغيرة” داخل إيران ستؤدي على الأرجح إلى رد فعل إيراني انتقامي، لكن إدارة بايدن تأمل أن تكون محدودة أكثر من تلك التي شنتها إيران على إسرائيل السبت الماضي، وأن تنهي تبادل الهجمات بين البلدين.

وتتوعد إسرائيل منذ منتصف نيسان الحالي بشن هجوم انتقامي نحو إيران، إذ لا يمكنها أن تسمح بإطلاق صواريخ باليستية ومسيّرات نحوها دون رد.

كان يمكن لطهران التجاهل

تعود جذور التصعيد العسكري إلى الهجوم الإسرائيلي على مبنى ملاصق للسفارة الإيرانية في حي المزة بالعاصمة دمشق، الذي أسفر عن مقتل ضباط بارزين في “الحرس الثوري الإيراني”، وبالتحديد بـ”فيلق القدس” المسؤول عن عمليات الاستخبارات الخارجية لدى إيران.

وكان من بين القتلى محمد رضا زاهدي، وهو مسؤول ملفي سوريا ولبنان لدى “فيلق القدس”، وأحد أبرز الأوجه الاستخباراتية الإيرانية في المنطقة.

صحيفة “the wall street journal” الأمريكية نقلت عن مستشارين لـ”الحرس الثوري” وحكومة النظام السوري لم تسمّهم، أنه حتى عندما قصفت إسرائيل مبنى يستضيف أنشطة قنصلية إيرانية، فإن الانتقام العسكري “لم يكن أمرًا مفروغًا منه”.

وأضافت نقلًا عن المصادر نفسها أنه يمكن لطهران أن تقرر عدم تصنيف المبنى كجزء من أراضيها وتجاهل مقتل قادتها، كما فعلت مع سنوات من الهجمات السابقة على مواقع لها في سوريا.

ولم تتحمل إسرائيل مسؤولية الهجوم في دمشق رسميًا، في حين قال مسؤولون إسرائيليون، إن المعلومات الاستخباراتية أظهرت أن المبنى لم يكن منشأة دبلوماسية حقيقية، بل مبنى يستخدم لأغراض عسكرية إيرانية.

وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن إيران قررت التدخل تحت ضغط من الميليشيات المتحالفة معها، وهي المجموعة التي تطلق على نفسها اسم “محور المقاومة”، التي تعرضت لهجمات متكررة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، وفقًا لمستشار “الحرس الثوري”.

إيران تستعد لهجوم في سوريا

صحيفة “the wall street journal” الأمريكية قالت في تقرير منفصل نقلًا عن مستشارين سوريين وإيرانيين، إن طهران تستعد لهجوم إسرائيلي انتقامي على أراضيها، أو على وكلائها.

وأضافت نقلًا عن المصادر التي لم تسمّها، الأربعاء، أن إيران بدأت بإجلاء موظفيها من مواقع في سوريا حيث ينتشر “الحرس الثوري الإيراني” بشكل كبير.

الصحيفة ذكرت أن تخفيف الانتشار شمل أيضًا مجموعات تتبع لـ”حزب الله” اللبناني، ومجموعات أخرى مدعومة من “الحرس الثوري” على الجغرافيا السورية.

ولا تعتبر المرة الأولى التي تتخذ فيها إيران خطوة نحو الوراء بسبب تصعيد الضربات الإسرائيلية ضد مصالحها في سوريا، إذ سبق ونقلت وكالة “رويترز” الدولية عن مصادر إيرانية أن طهران خففت من انتشار ضباطها في سوريا بسبب الضربات الإسرائيلية، بينما نفت طهران نية الانسحاب.

وبحسب خمسة مصادر مطلعة للوكالة (لم تسمّهم)، فإن “الحرس الثوري” قلّص انتشار كبار ضباطه في سوريا بسبب موجة الضربات الإسرائيلية، وسيعتمد أكثر على فصائل شيعية متحالفة معه للحفاظ على نفوذه في سوريا.

وذكرت المصادر أنه في الوقت الذي يطالب فيه المتشددون في طهران بالانتقام، فإن قرار طهران سحب كبار ضباطها يرجع جزئيًا إلى نفورها من الانجرار مباشرة إلى “صراع محتدم” في الشرق الأوسط.

وبينما قالت المصادر لـ”رويترز” إن إيران ليست لديها نية الانسحاب من سوريا، وهي جزء رئيس من مجال نفوذ طهران، لم تذكر المصادر عدد الإيرانيين الذين غادروا، في الوقت الذي لم تحصل به الوكالة على على رد من وزارة الإعلام في حكومة النظام السوري، ولم تتمكن من الوصول إلى “الحرس الثوري” للتعليق.

لا قدرة لطهران على الصدام

في دراسة صدرت في كانون الأول 2020، حملت عنوان “مجموعات الوكلاء الإيرانيين في العراق وسوريا واليمن: تحليل مقارن بين الوكيل الرئيسي” نشرته وكالة نظم المعلومات الدفاعية الأمريكية، وهي هيئة حكومية، طرحت من خلاله إجابات لتساؤلات حول البيئة الاستراتجية لإيران، وحرب الوكلاء التي أطلقتها ضد الولايات المتحدة منذ سنوات.

وذكرت الدراسة التي جاءت في 154 صفحة في فصلها الأول، أن جميع العمليات الهجومية الإيرانية ضد المصالح الأمريكية تقريبًا، تنفذها طهران بالتعاون مع وكيل مدعوم من قبلها، تساعده من خلال توفير المعدات والتدريب، تجنبًا للانخراط في صراع مع أعدائها.

بناء على أمثلة استحضرتها الدراسة من الحرب العراقية- الإيرانية، والآثار التي تركتها على الإيرانيين إثر حجم الخسائر البشرية التي خلفتها، رأت الدراسة نفسها أن إيران تتجنب الصدام المباشر مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو).

ونظرًا للقيود التي فرضتها واشنطن على تسليح الجيش الإيراني، وضعف طهران النسبي مقارنة بمنافسيها الرئيسين، وخاصة الولايات المتحدة، اختارت إيران تأكيد أهداف سياستها الخارجية من خلال استراتيجية “الاستبدال”، والمقصود هنا “تجنب الصراع مع القوى الكبرى من خلال استخدام قوات بالوكالة”، بحسب الدراسة.

وتمنح هذه الاستراتيجية الإيرانيين إمكانية “الإنكار المعقول” لمسؤوليتها عن هجمات ينفذها وكلاؤها على أعدائها، بالتالي يبقى الصراع في “المنطقة الرمادية”، أي دون الأسود والأبيض، لا سلم ولا حرب، ويُظهر نجاح “حزب الله” اللبناني مدى قدرة هذه الاستراتيجية على خدمة المصالح الإيرانية.

العنصر الثاني وراء تجنب إيران للصدام، هو التعزيز والتوسع الضمني لـ”الحرس الثوري الإيراني” المتصل بشكل مباشر بالقضايا التكتيكية الأكثر إلحاحًا بالنسبة لإيران، بحسب الدراسة.

وبينما تمتلك طهران ترسانة من الصواريخ الباليستية وأسلحة الردع، ركزت على ما أسمته الدراسة “الردع الأمامي”، والمقصود به امتلاك قدرة الردع خارج الحدود الوطنية للدولة، أو من المناطق المتاخمة لحدود الخصم، كما هو الحال بالنسبة لوكلائها المنتشرين في سوريا ولبنان، على مقربة من الحدود الإسرائيلية.

مرحلة جديدة

على مدار السنوات الماضية، كان شعار “محور المقاومة” مرتبطًا بإيران ودول أخرى منها سوريا ولبنان، وعرف هذا الشعار بأنه اختصار لنهج طهران بـ”مقاومة إسرائيل”، وهو ما عرّفه الباحث المتخصص في تحليل السياسات الحكومية الأمنية مهند سلوم، خلال حديث سابق لعنب بلدي، على أنه مستمد من مفهوم إيران في “تصدير الثورة” الذي اعتمده روح الله الخميني، عندما قلب نظام الحكم في إيران.

وقال الباحث حينها، إن سردية “المقاومة والممانعة” جعلت إيران في مواجهة مفتوحة مع كل دول المنطقة، أي أن أفكارها باختصار كانت قائمة على “إسقاط الحكومات الفاسدة، وبالتالي تحرير فلسطين”.

ومع أن عمر الشعارات الإيرانية الهادفة لـ”تحرير فلسطين” يعود لعشرات السنوات، لكنها لم تصل لمرحلة الاصطدام المباشر مع إسرائيل كما حصل في الهجوم الأحدث بالصواريخ والطائرات المسيرة، ولطالما أدارت حربها مع تل أبيب عبر وكلاء من ميليشيات شيعية تنتشر في سوريا ولبنان واليمن والعراق.

ويرى  الباحث المتخصص في الشأن العسكري بمركز “جسور للدراسات” رشيد حوراني، في حديث سابق لعنب بلدي، أنه بغض النظر عن الآثار والنتائج الناجمة عن الرد الإيراني، لكنه يمثل “مرحلة جديدة” في إمكانية الردع الإيراني واستمرار تمدد نفوذ طهران تحت غطاء هذا الردع.

وأضاف أن إيران وجهت عبر طائراتها المسيّرة التي أطلقتها نحو إسرائيل رسالة مفادها أن خسارة بمستوى تلك التي تكبدتها بقصف قنصليتها في دمشق “لن تمر دون رد”، ومن الممكن أن يتطور رد الفعل هذا في حال استمرار التصعيد.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا