رفع مصرف سوريا المركزي في 21 من نيسان الحالي، سعر الدولار الجمركي في سوريا أمام العملات الأجنبية بنسبة تقارب 6%، وذلك بعد نحو أربعة أشهر على رفع قيمته بنسبة 30%.
وحدد المصرف سعر مبيع الدولار بـ9090 ليرة سورية وسعر شرائه بـ9000 ليرة، بينما حدد سعر مبيع اليورو بـ9685 وسعر شرائه بـ9589 ليرة.
وعادة ما يحدّث المصرف المركزي نشرة “الجمارك” كل أسبوع، دون نشرها على الموقع الرسمي، بينما تتداولها وسائل إعلام محلية.
ما الدولار الجمركي؟
الدولار الجمركي هو سعر صرف الدولار الذي بموجبه يتم تقييم قيمة البضاعة بالليرة السورية لفرض عليها الضرائب والرسوم بنسبة مئوية.
توجد في سوريا عدة نشرات لأسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الليرة، منها نشرتان منها يعلَن عنهما بشكل يومي، هما نشرة “السوق الرسمي” ونشرة “الحوالات والصرافة”، بالإضافة إلى سعر إضافي غير رسمي هو سعر “السوق السوداء”.
وخلال السنوات الماضية، لجأ النظام السوري إلى خلق عدة أرقام لسعر صرف الدولار في سوريا لجملة أسباب، أبرزها الاستفادة من الفروق بين الأسعار التي يفرضها والأرقام الواقعية لقيمة الليرة السورية أمام الدولار في السوق “الموازية”.
وبحسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص بأسعار الصرف والعملات النقدية، وصل سعر مبيع الدولار إلى 14850 ليرة سورية، وسعر شرائه إلى 14700 ليرة.
ومنذ مطلع العام الماضي، اتخذ مصرف سوريا المركزي عددًا من القرارات، مبررًا ذلك بأنه “خطوة باتجاه تقليص عدد نشرات أسعار الصرف الصادرة عنه، ضمن سعيه لتوحيدها”.
اقرأ أيضًا: توحيد أسعار الصرف.. سياسة “دولار أكثر” لملء خزينة النظام
الأسواق والليرة متأثران
سسينعكس رفع سعر الدولار الجمركي على الأسواق بكل تأكيد، بحسب ما قال الباحث الاقتصادي، أدهم قضيماتي، لعنب بلدي، مشيرًا إلى أن الأسواق السورية تعتمد بشكل كبير على الاستيراد خاصة فيما يتعلق بالمواد الأولية في عجلة الإنتاج.
وقد تبلغ نسبة ارتفاع أسعار المنتجات في الأسواق نسبة أكبر من النسبة التي ارتفع بها سعر الدولار الجمركي، نظرًا لأن تكاليف الاستيراد لا تقتصر على سعر الدولار فقط، وفق قضيماتي.
واعتبر الباحث، أن ارتفاع الأسعار في الأسواق قد يهدد أيضًا قيمة الليرة، ويخلق لها فرص أكبر للتدهور.
نجاح عبد الحليم، باحثة مساعدة في الشأن الاقتصادي في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، قالت لعنب بلدي، إن رفع سعر الدولار الجمركي يؤثر بشكل مباشر على الأسواق من حيث الأسعار والإنتاج.
من جهة الأسعار، يزيد رفع سعر الدولار الجمركي من تكاليف استيراد السلع، ما ينعكس سلبًا على الأسعار النهائية للسلع المستوردة وحتى السلع المحلية التي تعتمد على المواد الخام المستوردة، ما يؤدي إلى زيادة تكاليف المعيشة للمواطنين ويزيد من الضغط على القوة الشرائية، وفق عبد الحليم.
وأضافت نجاح عبد الحليم، أنه من جهة أخرى قد يؤدي رفع سعر الدولار الجمركي إلى تقليل قدرة الشركات والمصانع على الإنتاج، خاصة إذا كانت تعتمد بشكل كبير على المواد الخام المستوردة أو المعدات والآلات الصناعية المستوردة، الأمر الذي يؤثر سلبًا على القطاع الصناعي ويقلل من حجم الإنتاج المحلي، ما يزيد من الاعتماد على الواردات ويؤثر على استقلالية الاقتصاد.
ينافي محاربة التضخم
يتنافى رفع سعر الدولار الجمركي مع سياسة ضبط معدلات التضخم التي يقول مصرف سوريا المركزي إنه يعمل وفقها، وفق نجاح عبد الحليم.
وأشارت الباحثة المساعدة إلى أن رفع سعر الدولار الجمركي الذي يزيد من التكاليف والأسعار، يسهم في تسارع معدلات التضخم بدلًا من السيطرة عليها.
كما اعتبر الباحث أدهم قضيماتي، أن معدلات التضخم الموجودة في سوريا معدلات كبيرة جدًا رغم عدم اعتراف النظام بذلك بسبب غياب أساسيات السوق الحر الذي يحدد وفقه معدل التضخم بشكل دقيق.
وتتعامل حكومة النظام مع ملف ضبط معدلات التضخم وفق قرارات آنية غير مدروسة لا تبنى على أساسيات اقتصادية، بحسب قضيماتي.
وبحسب تقرير صادر في 10 من آب 2023، سجلت سوريا المرتبة الثالثة عالميًا بمستوى التضخم بنسبة 238% على أساس سنوي، بعد زيمبابوي وفنزويلا، وفق “لوحة هانكي لقياس التضخم الاقتصادي” في عديد من البلدان، دون الاعتماد على الإحصائيات الحكومية.
ووفق البيانات، كان آخر تحديث رسمي لمعدل التضخم بسوريا في أيلول 2019، وكان يبلغ حينها 34.50% على أساس سنوي.
اغتيال للاقتصاد
الخبير الاقتصادي، جورج خزام، قال في منشور له على صفحته الشخصية في “فيس بوك” إنه “لم يكن ينقص جريمة اغتيال الاقتصاد الوطني عن سابق الإصرار و الترصد سوى رفع سعر صرف الدولار الجمركي بمقدار 5,88% تزامنًا مع ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق “السوداء”.
وأكد خزام، أن القرار يعني زيادة الرسوم الجمركية والمالية، أي زيادة بتكاليف المستوردات و الإنتاج الوطني و المزيد من ارتفاع الأسعار و التكاليف و تصفية قريبة للمصانع و الورشات بسبب سوء إدارة السياسات النقدية والاقتصادية في المصرف المركزي واللجنة الاقتصادية.
ولفت الخبير إلى أن إن إلغاء منصة “تمويل المستوردات” سيئة السمعة أصبح اليوم ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى، وذلك للتعويض عن ارتفاع تكاليف الكهرباء الصناعية و زيادة الرسوم المالية و الجمركية، لأن المنصة رفعت تكاليف الإستيراد للمواد الأولية 35%.
وكانت المنصة سببًا بتراجع كمية البضائع المعروضة للبيع ما أدى لارتفاع الأسعار بشكل كبير جدًا مهما انخفض سعر صرف الدولار.
وطالب جورج خزام، بضرورة تشكيل لجنة من المختصين بالاقتصاد من خارج اللجنة الاقتصادية الحالية للوقوف على الأسباب الحقيقية و معرفة ما يجري للتمسك المفرط بالمنصة على حساب انهيار الاقتصاد الوطني، وفق تعبيره.