تقليص “الفيلق الخامس”.. ضغط على موسكو ينعكس في سوريا
عنب بلدي – حسام المحمود
منذ أيلول 2015، جلب النظام السوري حليفه الروسي إلى سوريا، في سبيل تغيير معطيات المعركة في الميدان، التي كانت تشير إلى خسارة النظام مساحات جغرافية واسعة سيطرت عليها المعارضة، قبل أن تضيف موسكو لمستها على الأرض، فغيرت في التوازنات مستخدمة الطيران الحربي، وصولًا إلى هيمنتها على مناطق بعينها عبر تشكيلات عسكرية كوّنتها لتقليل البنادق المرفوعة في وجه النظام.
في الجنوب السوري، وتحديدًا في درعا، التي شهدت انطلاقة فعلية للحراك الشعبي السلمي المناهض للنظام، شكّلت روسيا ودعمت “الفيلق الخامس”، لكن تغيّر معطيات الميدان من جهة، ثم انشغال موسكو بجبهة جديدة فتحتها قبل أكثر من عامين، حرّض موسكو على تغيير تكتيكها العسكري في سوريا، بما يرتبط بحضور قواتها المباشرة، أو دعمها لقوات أخرى.
أحدث ما أثير في هذا الصدد، وثيقة مسربة حصلت عليها صحيفة “القدس العربي”، ومضمونها رغبة روسية بتخفيض أعداد “الفيلق الخامس”، أحد أهم التشكيلات العسكرية السورية التابعة لروسيا، إلى النصف، بسبب تقليص تكاليف الإنفاق، وتماشيًا مع أمر من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
وبحسب ما نقلته “القدس العربي” عن نص الوثيقة، فإن قائد المجموعة العملياتية الروسية، الجنرال فاليري، خاطب، في نيسان 2023، قائد “الفيلق الخامس”، منذر سعد إبراهيم، ورئيس اللجنة العسكرية والأمنية في إدلب، التابع للقوات الروسية، بأن روسيا بصدد اختصار “الفيلق الخامس” والمجموعات التابعة له بنسبة 50% اعتبارًا من تموز 2023.
توقيت حساس
يأتي هذا الأمر في الوقت الذي تصعد به روسيا عملياتها العسكرية في أوكرانيا، في إطار غزوها المتواصل للبلد الجار منذ 24 من شباط 2022.
ولا تستبعد القوات الأوكرانية هجمات جوية قوية من الروس في وقت قريب.
وقال المتحدث باسم قيادة القوات الجوية، عبر التلفزيون الأوكراني، “نحن لا نستبعد هجمات جوية واسعة النطاق وقوية من قبل العدو، ومع ذلك، مستعدون لصد وتدمير الأهداف الجوية للعدو”.
المسؤول العسكري الأوكراني أشار، في 4 من نيسان الحالي، إلى الحاجة الأوكرانية الكبيرة لأنظمة الدفاع الجوي “باتريوت”، موضحًا أنه لا توجد قوة نيران كافية في الحرب، وصد عدو مثل موسكو يتطلب المزيد من الصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي.
ومن المحتمل أن تكثف موسكو هجماتها الآلية قبل أن تصبح التضاريس الموحلة أكثر وضوحًا في الربيع، ما يجعل حرب المناورة الآلية أكثر صعوبة، كما يمكن أن تكثف الهجمات الآلية للاستفادة من نقص العتاد الأوكراني، قبل وصول المساعدة الأمنية الغربية الذي كان متوقعًا في 4 من نيسان، وفق تقرير صادر عن “معهد دراسة الحرب” الأمريكي.
ورغم الحديث منذ 2017 عن سعي موسكو لتخفيض عدد القوات الروسية العاملة في سوريا، فإن هذه المسألة تفاعلت بشكل أكثر تجليًا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، إذ اتجهت روسيا منذ آذار 2022 (بعد نحو شهر على بدء الغزو) إلى نقل عناصر من الفرقتين “25” و”30″ التابعتين لـ”الفيلق الخامس”، باتجاه قاعدة “حميميم” العسكرية بريف اللاذقية، تمهيدًا لنقلهم إلى أوكرانيا، لمساندة الجيش الروسي في حربه هناك.
في أيار من العام نفسه، ذكر موقع “The Moscow Times”، وهو موقع إلكتروني لصحيفة كانت تصدر بشكل دوري كل ثلاثة أشهر، أن موسكو تتجه لتقليص قواتها في سوريا، التي قدّر الموقع أعدادها بأكثر من 60 ألف عسكري نصفهم من الضباط، مبررًا التخفيض حينها بمتابعة العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، مقابل تسليم موسكو الراية في بعض النقاط والمراكز العسكرية التي تستخدمها روسيا للقوات الإيرانية وميليشيا “حزب الله” اللبناني.
لماذا الآن؟
الباحث في مركز “عمران للدراسات” نادر خليل، أوضح لعنب بلدي أن ظهور الوثيقة في الوقت الحالي قد يكون مرتبطًا بتطورات إقليمية أو دولية، تسهم في تغيير الاستراتيجية الروسية أو تحوّل في الأولويات العسكرية.
وإذا كان التسريب مقصودًا من قبل النظام فيمكن تفسيره كرسالة للخليج والغرب، بأنه يعاني من ضغط النفوذ الإيراني جراء تراجع النفوذ الروسي، الذي تملأ فراغاته إيران.
وحول أسباب تقليص الدعم الروسي منذ منتصف 2023، يرى الباحث أن تطورات الحرب على الجبهة الأوكرانية تؤثر في النفوذ الروسي بسوريا، مبينًا أن انخراط روسيا في أوكرانيا أكثر وارتفاع التكلفة المادية والبشرية على الجبهة هناك قد يسهم أكثر بانكماش روسي في سوريا.
كما اعتبر الباحث نادر خليل أن نشر موسكو نقاط مراقبة على الحدود مع الأراضي المحتلة، محاولة للاحتفاظ بورقة نفوذ حساسة تتيح لموسكو تسويق وجودها على أنه مفيد للغرب، وبمعزل عن هذه النقاط، فالوجود الروسي في سوريا غير مفيد لإسرائيل أو الغرب، وقد يكون مضرًا، وبالتالي عدم قدرة موسكو على استثمار نفوذها في سوريا بأي مساومة سياسية مع الولايات المتحدة تحديدًا.
من جانبه، أشار المحلل العسكري طارق حاج بكري، لعنب بلدي، إلى تغيرات تفرضها الحرب في غزة، قد تحدث ولادة تحالفات جديدة وإعادة تموضع في هذه المنطقة مقابل مناطق أخرى من العالم.
كما أشار إلى محاولة روسيا تحديث الجيش السوري وتحويله إلى جيش محترف، لكنها لم تحقق نتيجة، وجرى نقل اللواء سهيل الحسن من قيادة الفرقة “25” في “الفيلق الخامس” المدعوم منها إلى قيادة “القوات الخاصة”، وتحويل الحسن من الإمرة الروسية إلى إمرة النظام السوري.
منذ سيطرة قوات النظام السوري على المنطقة الجنوبية عقب “تسويات” مع فصائل “الجيش الحر”، في 2018، فتحت روسيا باب الانضمام إلى “الفيلق الخامس” أمام عناصر “المصالحات”، وسلّمت قيادته إلى أحمد العودة، القيادي السابق في “الجيش الحر”.
وفضّل كثير من عناصر “التسويات”، الذين كانوا يتبعون لفصائل المعارضة، الانضمام إلى صفوف “الفيلق”، كخيار أفضل من الخيارات الموجودة أمامهم، وهي مغادرة المحافظة إلى الشمال السوري أو الانضمام إلى قوات النظام السوري وتشكيلاتها العسكرية، لا سيما “الفرقة الرابعة”.
وإذا كانت موسكو راغبة بتقليص أعداد عناصر “الفيلق الخامس” للنصف بهدف تقليص الإنفاق، فإن محاولات الحد من نفقات “الفيلق الخامس” ليست الأولى من نوعها، فالتشكيل العسكري المدعوم من روسيا خفّض أصلًا الرواتب الشهرية لعناصره في مدينة حلب وريفها إلى النصف منذ نيسان 2022، أي بعد نحو شهرين على بدء غزو أوكرانيا، وصولًا إلى 100 دولار بدلًا من 200.
رسائل متضاربة
رغم اتخاذ موسكو مؤخرًا مواقف أكثر انحيازًا للنظام السوري، تجلت بثلاثة إدانات للقصف الإسرائيلي على مواقع ونقاط حساسة في سوريا، وإقامة نقاط مراقبة على الحدود السورية مع الأراضي المحتلة، بالإضافة إلى محاولة روسية فاشلة لإدانة مجلس الأمن الاستهداف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية بدمشق، مطلع نيسان الحالي، فهذه المواقف سبقتها مؤشرات ورسائل توحي بعدم اتفاق أو خلل في العلاقة بين الحضور العسكري الروسي وقوات النظام على الأرض، فسرته تعميمات على القطع العسكرية تمنع تمرير المعلومات للروس والإيرانيين.
في آب 2023، ألزمت وزارة الدفاع في حكومة النظام السوري قادة التشكيلات العسكرية في الجيش، بعدم إرسال أي معلومات أو وثائق بشكل مباشر إلى القادة الإيرانيين والروس الموجودين في قواعد عسكرية على الأراضي السورية.
وجاء في تعميم صادر عن الوزارة، في 5 من الشهر نفسه، حصلت عليه عنب بلدي، أن الوزارة طلبت عدم إرسال أي معلومات أو وثائق بشكل مباشر إلى “الأصدقاء” إلا بعد تدقيقها من قبل الجهات المعنية أصولًا.
وبررت الوزارة تعميمها بالحفاظ على سرية نقل وأمن المعلومات والوثائق، والتقيد بأصول المراسلات والمخاطبات العسكرية بحسب الجهة المخاطبة، وإرسال مستخرج فقط بما يخص “الأصدقاء” وعدم إرسال الوثائق الأمنية السرية.
كما أصدرت الوزارة، في نيسان 2023، تعميمًا يقضي باشتراط حصول الوفود الروس والإيرانيين على موافقة لزيارة مقارها العسكرية، وفي حال وجود مرافقين يتطلب حصولهم على موافقات أمنية.
التعميم الذي اطلعت عنب بلدي عليه، جاء فيه أنه “لوحظ في الآونة الأخيرة ورود كتب من عدة جهات أمنية وعسكرية إلى القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة، تتضمن دخول الأصدقاء مع مترجمين مدنيين أو متعاقدين مدنيين، دون التنسيق مع قادة التشكيلات”.
وزارة الدفاع في حكومة النظام أصدرت أيضًا، في 24 من آب 2023، تعميمًا طالبت فيه العناصر من العسكريين بعدم تمرير أي معلومات عسكرية للروس والإيرانيين وعناصر “حزب الله” الموجودين في سوريا.
وجاء في التعميم، الذي حصلت عليه عنب بلدي، أنه لوحظ في الآونة الأخيرة قيام بعض “الأصدقاء” (الروس، الإيرانيون، حزب الله) والمترجمين المرافقين لهم بالسؤال عن بعض المواقع المهمة، وبعض المعلومات الأمنية، لغاية غير معروفة.
وطلب التعميم، بهدف الحفاظ على أمن وسرية المعلومات، التنبيه على جميع العناصر (ضباط، صف ضباط، أفراد) والمترجمين العاملين مع “الأصدقاء” بعدم الإدلاء بأي معلومات عن الجيش والقوات المسلحة، وعدم الخوض بأي نقاشات جانبية، أو الإجابة عن أي أسئلة قد تصدر عن الروس حيال مواضيع تخص الوضع الراهن بالقطر خارج القنوات الرسمية، أو أي معلومات تخص أمن القطر.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :