تقدم الأديبة السورية أمل جرّاح في كتابها “رسائل امرأة دمشقية إلى فدائي فلسطيني” مجموعة من الرسائل العامة والخاصة في الوقت نفسه، وهي موجهة من عنوانها أولًا إلى المقاومة الفلسطينية.
ولقراءة هذه الرسائل بوضوح أكبر، يفوق حالة الوضوح اللغوي التي بني النص عليها بالمجمل، من المفيد قراءة توقيت كتابة هذه الرسائل، إذ صدرت ضمن كتاب منشور عام 1969، في وقت شهدت فيه القضية الفلسطينية والمدافعون عنها من العرب آنذاك، نكسة حزيران عام 1967، والنكبة الفلسطينية عام 1948، وهو ما يفسر حالة الشحن العاطفي التي يحملها النص.
اللغة لدى أمل جرّاح محرّضة، ودافعة باتجاه اتخاذ موقف، وتصالحية في الوقت نفسه، يتعدى فيها النص مهمة الإمتاع والتفكّر، وصولًا إلى اقتراح الحلول، وتبني القضية، بلا ذاتية القارئ، وشخصنة الأمور، بل بذات جمعية، تعبر عن الحالة العامة للمؤمنين بهذه القضية.
ولأسباب سياسية مركبة تبدو رسائل أمل جرّاح ووصاياها مقاومة لعامل الزمن، فالمشكلة التي دفعت نحو كتابة الرسائل سبقتها بأكثر من 20 عامًا، ولا تزال مستمرة بعدها إلى الوقت الراهن، دون تغيير في القضية أو أبطالها أو ضحاياها، مع زيادة في أعداد المتضررين من غياب الحل من جهة، وفي أعداد باعة هذه القضية من جهة أخرى.
في إحدى هذه الرسائل تقول أمل جرّاح، “الآن وصيتي وعلى أصابعي ترتجف الحياة، اذهب وانتمِ إلى الجبهة (…) وما أروع أن يكون الجميع هنا قرروا أن ينتموا إلى هناك والجميع هناك أن ينتموا إلى هنا، وما أروع أن يلتقي الكل في منتصف الطريق (…) لأن الوطن يريد أن يعود إليه كل الأطفال الذين ولدوا تحت الخيام”.
الوطن ثيمة واضحة مشتركة في الرسائل التي تحمل من الرجاء أكثر مما تحمل من الطلب أو الأمر أو الدعوة، إذ تتعامل الكاتبة مع الفدائي المقصود، وهو كل فدائي فعلًا، على أنه المقصود في هذا الخطاب الجامع الذي ينشد التحرير والنصر والوحدة، وقرارًا سديدًا ممن يعملون على القضية ولأجلها.
أمل جرّاح شاعرة وروائية سورية، ولدت عام 1945 في مرجعيون، جنوبي لبنان، لأبوين سوريين، وتوفيت عام 2004، وفي رصيدها خمس مجموعات شعرية، آخرها “وبكاء كأنه البحر”، وصدرت بعد رحيلها بنحو شهرين.
ومن رواياتها التي سلكت مسارًا مختلفًا في جرأة الطرح على مستوى الأدب العربي “الرواية الملعونة”، وهي رواية تغوص في الممنوع والمحرّم، كتبتها عام 1967، لتنال جائزة مجلة “الحسناء” عام 1968، ومع ذلك، فالرواية لم تبصر النور ورفوف المكتبات حتى عام 2010، أي بعد وفاة الكاتبة بست سنوات، حين قرر زوجها القاصّ السوري ياسين رفاعية نشرها، وفق ما ذكرته الشاعرة اللبنانية زينب عساف في إطار تقديمها للرواية.