دير الزور – عبادة الشيخ
يحرص مربو الخيول شمال شرقي سوريا، وفي دير الزور خاصة، على انتقاء سلالات الخيل العربي الأصيل، ولا يسمحون بتلقيح الفرس الأصيلة إلا من فحل أصيل، وبشروط “صارمة”، في مهنة ورثوها عن أجدادهم.
ورغم تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي في المنطقة، فإن الاهتمام بالخيل وسلالاتها لا يزال من أولويات وتقاليد أبناء المنطقة، خاصة أن سوريا تعد الموطن التقليدي للحصان العربي الأصيل.
وتعد تربية الخيول إرثًا تاريخيًا في المنطقة، وينظم المربون وجهات محلية سباقات ومهرجانات لعرض جيادهم الأصلية، وسط مطالب متكررة بدعم أو تأمين أعلاف بسعر منخفض.
خمسة أنواع
محمد العمار، مربي خيول في بلدة الشعفة بريف دير الزور الشرقي، قال لعنب بلدي، إن الخيول الأصيلة المعروفة في المنطقة هي خمسة (صقلاوية جدرانية، عبيه شراك، معنقي طربوش، كحلية طريفية، كحلية سبيلية)، والأنواع الأخرى عبارة عن فروع لها.
وأضاف أن الخيول العربية الأصيلة سميت بهذا الاسم لأن دماءها نقية، لم تُهجن مع خيول أجنبية، وحافظ العرب على أصالتها منذ زمن طويل، وتتسم بالقوة وشكل القفص الصدري العريض.
وأوضح أن القفص الصدري العريض أو الكبير، يعني رئة كبيرة قادرة على سحب أكسجين أكثر، وبالتالي قدرة الخيل على الجري لمسافات أطول دون توقف، تصل إلى 150 كيلومترًا.
واعتبر أن وجود الخيل العربي الأصيل شرط أساسي لدى أبناء المنطقة الشرقية، خاصة بما يتعلق بعروض الخيل وأساليب الركوب، وسباقات التحمل وقفز الحواجز، وحتى لمن يتخذ ركوب الخيل مجرد هواية.
تجارة داخلية وبالدولار
تعد الخيول مرتفعة الثمن مقارنة ببقية الحيوانات، وتختلف الأسعار تبعًا للسلالة والعمر والجنس.
عدنان أبو عرنة، مقدم برنامج “خيول الفرات” على منصة “يوتيوب”، ومعلق في سباقات الخيول بريف دير الزور، قال لعنب بلدي، إن تجارة الخيول تعتمد بنسبة 90% على التجارة الداخلية ومرابط تربية الخيول، بينما سوق التجارة الخارجية لا يشهد نشاطًا.
وتتراوح أسعار الخيول بين 3000 و10000 آلاف دولار أمريكي، حسب الحصان وقوته وسلالته، إضافة إلى ندرة وجوده، مثل الهدب (فرع من الكحيلة)، الذي يعد وجوده قليلًا في سوريا.
وتعد الفرس والمهرة مطلبًا لمربي الخيول، ويتراوح سعرها بين 4000 و25 ألف دولار (الدولار يقابل 14000 ليرة سورية)، وقد تصل إلى أكثر، بحسب أبو عرنة.
وعند شراء أي حصان أو فرس، يطلب من المربي إرسال إضبارة الأم والأب، للكشف عن أصالتها، إذ إن الخيول الهجينة ذات سعر أقل بكثير من الخيول العربية الأصيلة.
وتسهم المسابقات في زيادة سعر الخيل، لأنها لا تقام من أجل الجوائز، إنما لاستعراض قدرات الخيل وعراقتها، ما ينعكس على قيمتها المالية.
وعندما يكسب الخيل في إحدى مسابقات الجري أو غيرها، تتغير مكانة المربط الذي نشأ فيه، وترتفع قيمته، بحسب أبو عرنة.
الطبيب البيطري عبد القادر السلطان اشليلي، مدير مستشفى “الاتحاد البيطري” في بلدة أبو حمام بريف دير الزور الشرقي، قال لعنب بلدي، إن المستشفى يشرف على الخيول المجهزة للسباق، إلى جانب خدمات التلقيح، وتصوير “الإيكو”، والمعالجات التناسلية، والعمليات الجراحية.
ويفحص الأطباء الخيول فحصًا سريريًا، ويقترحون الأرضية المناسبة للسباق، بحيث لا تؤثر على الخيل والخيال بنفس الوقت، إضافة إلى تقديم برنامج غذائي مناسب لها.
مهرجان للسباق
بين فترة وأخرى، تقام مسابقات ومهرجانات للخيول العربية الأصيلة في الرقة والحسكة ودير الزور، للحفاظ على عراقتها وعرض السلالات الموجودة، وينظمها عشائر أو لجان معنية بتربية ورعاية الخيول.
في 1 من آذار الماضي، أقيم مهرجان للخيول العربية الأصيلة في مدينة “الفروسية” بالرقة، بمشاركة 110 أحصنة من مناطق مختلفة شرقي سوريا.
وقُسم المهرجان إلى 13 شوطًا، وكان تقسيم الفئات حسب أعمار الخيول، من ضمنها ثلاثة أشواط للخيول غير المسجلة في “المنظمة العالمية للخيول العربية”، وكانت الأشواط العشرة الباقية للخيول الدولية.
دعم لا يلبي المطالب
يشتكي أصحاب المرابط الذين تحدثت إليهم عنب بلدي من تراجع الدعم، فقبل 2011 كانوا يشترون العلف والشعير والنخالة وغيرها بسعر رمزي، وكان للخيول دعم مميز عن باقي الحيوانات، لكن اليوم، لا يتوفر الدعم الكافي من قبل “الإدارة الذاتية”.
موظف في مديرية التطوير الزراعي، تحفظ على ذكر اسمه كونه غير مخول بالحديث الإعلامي، قال لعنب بلدي، إن “الإدارة” تدعم مربي الخيول عبر جمعيات تقدم النخالة والشعير بسعر أقل مقارنة بالسوق السوداء.
ويصل سعر كيلو النخالة في السوق السوداء إلى 2200 ليرة سورية، بينما تقدمه “الإدارة الذاتية” بسعر 2000 ليرة، حسب الموظف.
ويرى مربو الخيول أن مستودعات النخالة التابعة لـ”الإدارة” بعيدة عن المرابط، أي أن تكلفة أجور النقل أكبر من سعر النخالة في السوق السوداء.
موطن الحصان الأصيل
تعد سوريا الموطن التقليدي للحصان العربي الأصيل، وخاصة مناطق بادية الشام، ومناطق الجزيرة الواقعة بين نهري الفرات ودجلة.
وجاءت الخيول العربية إلى المنطقة عقب هجرات متتالية لقبائل بدوية من اليمن وشمالي نجد والحجاز، بحثًا عن الأراضي الخصبة، بحسب بحث أعدته “المنظمة العالمية للخيول العربية” (WAHO) في عام 2002.
واستمرت القبائل المهاجرة، مثل الموالي وشمر والجبور والعكيدات وغيرها، في حصر تربية الخيول داخل القبيلة، ما جعل من الخيول ذات دماء نقية، حسب المنظمة.
وتوجد في سوريا سلالات عربية معروفة حتى يومنا هذا، مثل الكحيلة والصقلاوية والشويمة والحدباء والدهماء والعبية والمعناجية والحمدانية، إلا أن اسم السلالة وحده لا يعتبر تعريفًا كافيًا، ويتطلب التحقق من أصل ونقاء الفرس للانتساب إلى إحدى هذه السلالات، ثم نسبها إلى مالكها.