عنب بلدي – رأس العين
وأنت تتجول في مدينة رأس العين شمال غربي الحسكة، لا يغيب عن ناظريك مشهد انتشار “بسطات” بيع المحروقات على جانبي الطرقات، إذ باتت مصدر رزق لشريحة واسعة من السكان، وسط تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية.
وخلال جولة في مركز مدينة رأس العين، رصد مراسل عنب بلدي أكثر من 30 “بسطة” لبيع المحروقات، إلى جانب ثلاث محطات وقود رئيسة.
ولا يعد تأمين فرصة عمل بمردود جيد أمرًا سهلًا في رأس العين، إذ يعتمد معظم السكان البالغ عددهم 115 ألف نسمة بشكل رئيس على قطاع الزراعة ثم تربية الثروة الحيوانية، وتبقى الخيارات الأخرى ضيقة.
وتتراوح أجور المياومة بين 30 ألفًا و40 ألف ليرة سورية (ما يقارب دولارين ونصفًا)، وتختلف حسب عدد ساعات العمل ونوعية المهنة، سواء كانت زراعية أو إنشاءات.
“مردود جيد”
يعمل عماد الراغب على “بسطة” محروقات في رأس العين منذ عام ونصف يوميًا دون توقف حسب قوله، ويبدأ من الساعة السابعة صباحًا حتى الثامنة مساء لتأمين احتياجات عائلته، مضيفًا أن يوميته في بيع المحروقات تصل إلى 150 ألف ليرة سورية.
وأوضح أن العمل على “البسطة” له مردود جيد مقارنة بالأعمال اليومية، لافتًا إلى أن سبب أرباحه يعود إلى ثقة الناس في جودة المحروقات التي يبيعها، والتي لا تسبب أعطالًا للسيارات أو الدراجات النارية.
أما سلوان الناصري (25 عامًا) فقال لعنب بلدي، إنه يعمل على “بسطة” المحروقات منذ عام 2020، لافتًا إلى أنه لجأ لها بسبب قلة فرص العمل وضعف الأجور، وأن “البسطة” لا تتطلب تكاليف عالية، ولا يحتاج إلى أن يستأجر محلًا، كونه يعمل بجانب الشارع.
وأوضح أنه خريج جامعي من قسم الرياضيات، وحاول البحث عن فرصة عمل جيدة له، لكن لم يتح له العمل في وظائف مع جهات محلية أو مع منظمات كون الوظائف محدودة.
وأشار إلى أنه سيترك “البسطة” في حال توفرت له فرصة عمل تناسب اختصاصه، وتؤمن له دخلًا يسد احتياجات عائلته المكونة من ستة أشخاص.
ويعمل عدي الرضوان (14 عامًا) إلى جانب أمه على “بسطة” محروقات في رأس العين، وقال لعنب بلدي، إن والده توفي بجلطة قلبية منذ ست سنوات، ولا يوجد معيل للعائلة من بعد والده، ما اضطره ووالدته إلى بيع المحروقات عند دوار المستشفى “الوطني”.
يسعى الفتى لتأمين أبسط الاحتياجات، وتوفير الأدوية لأمه المريضة بالسكري، لافتًا إلى أنه حاول العمل بالمياومة لكن أعلى أجر حصل عليه هو 13 ألف ليرة سورية، وهذا لا يكفي لشراء الخبز حسب قوله.
أصحاب المحطات يشتكون
أصحاب محطات المحروقات اعتبروا أن العاملين على “البسطات” يعتدون على مهنتهم ويعملون بعشوائية دون تنظيم، معتبرين أن هؤلاء العمال سبب رئيس في قلة الإقبال على بيع الوقود في محطاتهم، نظرًا إلى البيع بأسعار أقل.
فرحان العلي، صاحب محطة وقود في رأس العين، قال لعنب بلدي، إن “البسطات” سببت خسائر مادية للمحطات، لأنها منتشرة في رأس العين بشكل واسع.
وأوضح أن “البسطات” تشهد إقبالًا أكثر من محطات الوقود في المدينة، نظرًا إلى تنوع مصادر الوقود التي يجلبونها من “الساتر الترابي”، وهو المنطقة الفاصلة بين مناطق سيطرة “الجيش الوطني” وقوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
ويتم جلب المحروقات عن طريق تجار من مناطق سيطرة “قسد”، ويفرغونها قرب الساتر على صهريج موجود داخل مناطق سيطرة “الوطني”.
وأضاف أن عمالًا بالمياومة يذهبون يوميًا عبر الدراجات النارية إلى منطقة العالية جنوبي رأس العين، ويحصلون على المحروقات من تجار يعملون مثلهم في الجانب الثاني بمناطق سيطرة “قسد”، ويجلبون المحروقات عبر دراجاتهم النارية ويبيعونها لأصحاب “البسطات” بأسعار تكون منخفضة مقارنة بالمحطات.
وذكر العلي أن أسعار المحروقات على “البسطات” أقل نتيجة عدم تحمل أصحابها تكاليف النقل في الصهاريج، وإيجار المحطات، والأيادي العاملة، والتكلفة التشغيلية للمحطة.
وطالب الجهات المعنية بالعمل على إزالة كل البسطات المنتشرة في رأس العين، كونها غير مرخصة وسببت أضرارًا مادية وخسائر لأصحاب المحطات.
ويحصل أصحاب المحطات على الوقود من نفس مصدر أصحاب “البسطات”، لكن عبر صهاريج ما يزيد عليهم التكلفة.
ولا توجد أسعار ثابتة للمحروقات في رأس العين، إذ تشهد تقلبات مستمرة نتيجة قلة وصولها وصعوبة تأمينها من المناطق التي تسيطر عليها “قسد” بطرق غير نظامية (تهريب).
ويباع ليتر البنزين من صنف “البوتان” بـ17 ألف ليرة سورية، و”المقطّر” بـ16 ألف ليرة، وليتر البنزين العادي (المكرر على الحراقات) بـ13 ألف ليرة، والبنزين الأوروبي والتركي بـ55 ليرة تركية (الليرة التركية تعادل 425 ليرة سورية).
ويباع ليتر المازوت العادي (المكرر عن طريق الحراقات) بـ12 ألف ليرة، وليتر المازوت “المكرر” والمازوت الثقيل المستخدم للتدفئة والطهو بـ10 آلاف ليرة، وليتر المازوت الأوروبي والتركي بنحو 40 ليرة تركية.
وتتراوح الفروقات بين سعر المحروقات على “البسطة” وسعرها في المحطة من 1500 ليرة إلى 2000 ليرة سورية لليتر الواحد.
ومن وقت لآخر، تتكرر أزمات مواد المحروقات في رأس العين، وأبرزها كانت في آب 2023، حين شهدت المدينة وريفها الواسع أزمة كبيرة في المحروقات بسبب انقطاع معظم أنواعها.
وتقع رأس العين وتل أبيض بمحاذاة الحدود التركية، ويسيطر عليهما “الجيش الوطني”، وتحيط بهما جبهات القتال مع “قسد”، وتعتبر الحدود التركية منفذها الوحيد نحو الخارج.