طوت المبعوثة الفرنسية الخاصة إلى سوريا، بريجيت كورمي، نحو 28 شهرًا من العمل في الشأن السوري، بإعلانها التقاعد.
وقالت كورمي عبر “إكس“، “حان وقت التقاعد، شكرًا لكل الأصدقاء من سوريا ومن أنحاء أخرى في العالم على كل اللقاءات المؤثرة والوقت الذي أمضيناه معًا خلال كل تلك السنوات”.
ويأتي إعلان كورمي تقاعدها بعد ثلاثة أشهر فقط، من تعيين وزير خارجية جديد لفرنسا، مقرّب من الرئيس إيمانويل ماكرون، هو ستيفان سيجورنيه، خلفًا لكاترين كولونا.
حافظت كورمي خلال عملها مبعوثة إلى سوريا على صلة وثيقة بالقضايا السورية الأكثر إلحاحًا، ونبهت في أكثر من مناسبة من مغبة تجاهل أو إهمال الواقع المرير للسوريين.
ومن أبرز أنشطتها الأخيرة قبل مغادرتها منصبها، مشاركتها في ندوة حوارية حول سوريا بالتزامن مع إطلاق مؤسسات بحثية سورية وغربية مشروع “الاستراتيجية السورية”، في 18 من آذار الماضي، بعد 13 عامًا على بدء الثورة السورية.
لا يمكن أن يكون حلًا
لفتت بريجيت كورمي حينها، إلى أن فرنسا تتفق مع وجوب إحراز نقلة سياسية في سوريا، فبشار الأسد ما يزال في السلطة وهناك دول كثيرة تدفع باتجاه التطبيع مع حكومة الأسد، ويحاولون إقناع الجميع أن الأسد سيبقى وأن الحرب انتهت.
وبحسب كورمي، فإن فرنسا تؤيد وجود حل سياسي، لكن فيما يتعلق بالتطبيع مع النظام السوري، فإنها تؤكد على ضرورة إيجاد حل سياسي وفق قرار مجلس الأمن “2254”، وهذا ضروي لعدة أسباب منها، أن التطبيع لا يمكن أن يكون حلًا، ولا يمكن نسيان الجرائم الواسعة التي ارتكبت في سوريا، والتي تستمر حتى الأن، والنظام الدولي سيتأثر إن لم تتم المحاسبة على الجرائم التي ارتكبت في سوريا.
وقالت المبعوثة الفرنسية، “إن الدولة المتوحشة كما سماها سابقًا الباحث الفرنسي سورا، ما تزال تستمر في أفعالها، وحتى لو نحينا مبادئنا جانبًا، وفكرنا بطريقة واقعية وعملية فهناك خسائر كبيرة ستنتج عن التطبيع ولن يكون هناك أي مكاسب مالم يقدم النظام السوري تنازلات واضحة”.
وأشارت أيضًا إلى محاولات بعض الدول الإقليمية مؤخرًا التطبيع مع النظام، وفشلها في ذلك، وفشلها في الحصول على تنازلات حقيقية من النظام.
“بشار الأسد يظن سوريا ملكية خاصة له، وهو غير مستعد لتقديم أية تنازلات حتى لو كانت صغيرة، ولا يبالي بشرعية حكومته، والتعامل مع النظام السوري دون خطوات ملموسة سيفشل بالتأكيد (..) بشار الأسد يريد الاعتراف الدولي ورفع العقوبات ليثبت حكمه أكثر لكن الواقع على الأرض لن يتغير أبدًا ولن نستفيد حتى في موضوع مكافحة الإرهاب واللاجئين والكبتاجون وغير ذلك ولن ينخرط في عملية سياسية”.
المبعوثة الفرنسية الخاصة إلى سوريا، بريجيت كورمي |
عارضت التطبيع مع الأسد
بريجيت كورمي ترى أن التطبيع دون شروط ليس حلًا والوضع الحالي ليس حلًا مستدامًا، فالوضع على الأرض معروف، والحرب لم تنته بعد، كما أشارات إلى حالة التصعيد في مناطق مختلفة من سوريا، وعدم هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” نهائيًا بعد، ووجود أزمة لاجئين وأزمة إنسانية مستمرة.
وحول الحل في سوريا، شددت المبعوثة الفرنسية على ضرورة الوصول إلى الحل السياسي القائم على قرارات الأمم المتحدة.
وقالت، “ما حدث في 7 من تشرين الأول مؤشر على ما يمكن أن يحدث حين لا نتعاون في المحاسبة على الجرائم التي ترتكب (..) إذا فشلنا في الوصول إلى حل (في سوريا) فسندفع الثمن مرة أخرى عاجلًا أم آجلًا لذا يجب التعاون بشكل أفضل للدفاع عن مصالحنا ودعم المطالب المشروعة للشعب السوري”.
كما حذّرت كورمي في وقت سابق من الانشغال الدولي عن الملف السوري، لصالح التركيز أكثر على ما يجري في غزة.
إشارة إلى سوريا
في مادة نشرتها باسمها في مجلة “المجلة” السعودية، في 12 من كانون الثاني الماضي، تحت عنوان “لمنع سوريا من الانزلاق خارج الأجندات الدولية“، دعت بريجيت كورمي إلى عدم تجاهل أزمة متشابكة أخرى تهز المنطقة منذ ما يقارب الـ13 عامًا، موضحة أن أي أزمة “مجمدة” يمكن أن تنفجر في أي وقت إذا لم يتم التعامل مع الجذور العميقة لذلك الصراع، وفق قولها.
وقالت حينها، إن “فرنسا تدعم بشكل متواصل المعارضة والسوريين الذين قادوا كفاحًا لا يعرف الكلل لما يقارب الـ13 عامًا من أجل العيش بكرامة”.
وفي 2 من كانون الأول 2021، أصدر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، مرسومًا رئاسيًا يقضي بتعيين مستشارة الشؤون الخارجية الفرنسية، بريجيت كورمي، سفيرة من أجل سوريا، دون تفاصيل إضافية، لكن كورمي أعلنت بعد أيام عملها من العاصمة الفرنسية.
وقطعت باريس علاقتها مع دمشق،وأغلقت سفارتها، في 2012، وذلك في عهد الرئيس السابق، نيكولا ساركوزي، احتجاجًا على سياسة النظام السوري تجاه الاحتجاجات الشعبية السلمية المطالبة بالتغيير السياسي آنذاك.
وحذّر ماكرون في آب 2018، من أن “عودة الوضع إلى طبيعته” في سوريا مع بقاء بشار الأسد في السلطة سيكون “خطأ فادحًا”، وهدد في العام نفسه بتنفيذ ضربات في سوريا إذا ثبت استخدام دمشق أسلحة كيماوية ضد المدنيين.
كما فرضت السلطات الفرنسية، في كانون الثاني من العام نفسه، عقوبات على 25 كيانًا وفردًا من سوريا وفرنسا وكندا ولبنان، اشتبهت بضلوعهم ببرنامج الأسلحة الكيماوية لدى النظام السوري.