لمى قنوت
مع دخول حرب الإبادة الإسرائيلية شهرها السابع ضد الفلسطينيين والفلسطينيات في غزة، وانتشار مقاطع فيديو مترجمة على وسائل التواصل الاجتماعي لحوارات ومقابلات أجريت ونشرت في وسائل إعلام الاحتلال، لإسرائيليين وإسرائيليات من مختلف الانتماءات والمهن، فخطاباتهم التي تنضح بالعنصرية والكراهية والحث على مواصلة الإبادة الجماعية واحدة، فلا نجد فرقًا جذريًا بين سردية مستوطن يميني متطرف مسلح وأكاديمية، حتى من يريدون التضحية بنتنياهو ككبش فداء لإيجاد حل للأسرى بدل قتلهم في هذا العدوان الهمجي على غزة، لا يعارضون بنية المشروع الاستعماري الاستيطاني الإحلالي، وفاشية ساسته وعسكرييه. ويعود أحد أسباب ذلك إلى تجذر العسكرة وتفشيها في بنية المجتمع الإسرائيلي، وتشربه السمات السلطوية والشمولية والهرمية والذكورية في أعرافه وقيمه وسلوكياته التي كرستها النزعة العسكرية المتورمة.
وفي التفاصيل، إن كيانًا استعماريًا أُنشئ على العدوان المتواصل والإحلال والاستيطان والتدمير، يحتل جيشه مكانة مركزية مقدسة في المجتمع الإسرائيلي، تأسس من مجموعة عصابات صنفت بأنها مجموعات إرهابية من قبل الاستعمار البريطاني لفلسطين آنذاك، وتعززت مركزيته بسبب امتداده في العديد من مجالات المجتمع المدني، ففي مجال الإعلام، ومن خلال الخدمة العسكرية الإلزامية للنساء والرجال (18 سنة)، يبدأ العمل الإعلامي للأفراد من خلال إذاعة جيش الاحتلال، وهم باللباس العسكري، وبعد تسريحهم وانخراطهم بأسواق العمل الإعلامي، الذي لا ينتقد مصالح الكيان العسكرية، تتكيف آراؤهم مع ما يصرح به المتحدث الرسمي لجيش الاحتلال. وثمة تعاطف كبير مع جيش الاحتلال في مجال الإنتاج الفني، من مسلسلات وأفلام ومسرحيات وبرامج تلفزيونية، وحتى في مجال الإعلانات التجارية.
وتعتبر الخدمة العسكرية الإلزامية في بعض الوحدات العسكرية بجيش الاحتلال رأس مال سياسيًا، تُشرع أبواب العمل لكبار العسكريين في الكثير من المجالات، وبضمنهم العمل السياسي، فمن كانون الثاني 2020، “انضم 13 رئيس أركان و28 ضابطًا برتبة جنرال إلى السياسة بعد تسريحهم من الجيش”، ويثق المجتمع الإسرائيلي في قادته العسكريين، ويخلق التماهي بين العسكري والسياسي، والحضور الطاغي للنزعة العسكرية في المجتمع، تكثيف وصف الكيان الصهيوني بـ”جيش له دولة”.
ومن جهة أخرى، تُلقِنُ الأسرة والمجتمع والنظام التعليمي الأطفال والطفلات كراهية الآخر، المتمثل في الفلسطينيين والفلسطينيات، ويتم إعدادهم، كمحاربين ومحاربات، لتأدية الخدمة العسكرية وطاعة قادتها والمشاركة في جيش يوصف نفسه بأنه “جيش الجميع”، ويتبجح في وثيقته المسماة بـ”روح الجيش الإسرائيلي” التي يضعها في موقعه الإلكتروني الرسمي، وتُوصف بأنها “شِرعة الجيش الإسرائيلي الأخلاقية”، وتشمل ما يُسمى بـ”طهارة السلاح”، وتنص على أنهم “لن يفقدوا إنسانيتهم حتى في أثناء القتال (…)، ولن يستخدموا أسلحتهم وقوتهم لإيذاء البشر من غير المقاتلين أو أسرى الحرب، وسيفعلون كل ما في وسعهم كي يتفادوا أي إيذاء لأرواح هؤلاء ولأجسادهم، ولكرامتهم، ولأملاكهم”.
لقد هندس الاحتلال صورة مثاليه لجيشه بالضد مع بنيته وسلوكه، وأظهرت الصور التي صورها بعض جنوده ونشروها في وسائل التواصل الاجتماعي جرائم وحشية، وتشفيًا مرعبًا بقتل وضرب وأسر وتعرية المدنيين، وسحل أجسادهم بالدبابات. وأضافت صورهم الاستعراضية مع ملابس داخلية نسائية لفلسطينيات تم قتلهن أو تهجيرهن من بيوتهن خزان دلالات إلى حجم الانحطاط الأخلاقي والإنساني الذي يتمتعون به، وجنسنة للإبادة والتطهير العرقي تضاف إلى انتهاكاتهم وجرائمهم، وتندرج تحت عنوان الاستقواء وانتهاك الحميمية، كما تعكس الروابط بين النزعة العسكرية والذكورية والعنف الجنسي والجنساني لمجتمع عنيف يحتفل بالمذابح ضد الفلسطينيين والفلسطينيات، وعنيف مع أبناء جلدته من النساء والأطفال والطفلات.
إن تسويق السياسيين والمؤثرين إعلاميًا، رجالًا ونساء، في الشمال العالمي وبعض الدول والمجتمعات المطبعة مع الاحتلال، وإصرارهم على تغليف عنف قوات الاحتلال ومجتمعه الاستيطاني بشعارات ليبرالية من ديمقراطية وغسيل سياسي بجميع ألوانه، هي ليست سوى سياسات تمكين وضمان لاستمرارية الاحتلال، وشراكة علنية في الإبادة والإجرام، وطمس للحقائق وتضليل، وتشويه للمبادئ والمصالح.