إبراهيم العلوش
يشكو السوريون من تجاهل معاناتهم من وراء قصف المواقع الإيرانية، وآخرها قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، الذي كان قريبًا من أحد قصور الأسد، فهل أصابت شظايا القصف قصر الأسد المطل على المكان؟
في 1 من نيسان الحالي، قصفت طائرة “F35” مبنى ملاصقًا للسفارة الإيرانية على أوتوستراد المزة بدمشق، وقتلت نحو 15 شخصًا، أبرزهم الجنرال محمد رضا زاهدي وعدد من معاونيه، ويعتبر زاهدي بمنزلة المندوب السامي الإيراني في سوريا ولبنان. وتم القصف في غفلة من رادارات نظام الأسد وأعوانه الروس.
يتجاهل نظام الأسد القصف شبه اليومي على مواقع في دمشق وغيرها من المدن السورية، ولم يخرج الأسد إلى العلن، ولم يستنفر بقايا جيشه من أجل الرد على انتهاك السيادة السورية، كما تردد وسائل إعلام النظام، بينما كنا نجده يخرج بشكل شبه يومي عندما خرج السوريون للتظاهر مطالبين بالإصلاح، وكان يتمرجل على المتظاهرين بإطلاق النار عليهم وإلقاء الخطابات وتحشيد “الشبيحة” وعناصر المخابرات والجيش ضد المتظاهرين السلميين.
وابتكر في أثناء مقابلاته المطولة تلك تعابير مثل “المؤامرة الكونية”، و”البكتيريا”، و”الإرهاب”، و”سندويش بندر”، حتى وصل إلى مصطلح “هندسة السكان” (الطائفية)، وما إلى ذلك مما كان يردده مع أعوانه الإيرانيين وجماعة “حزب الله” والقاعدة الاستعمارية الروسية في حميميم.
إذًا، لم يخرج بشار الأسد للدفاع عن الإيرانيين، ولم يلقِ خطابًا تاريخيًا في رثاء المندوب السامي الإيراني الذي قتل في أوتوستراد المزة، وعلى بعد عدة مئات من الأمتار عن قصر “الشعب”، أو عدة كيلومترات عن أبعد مقر له في دمشق. هل نتوقع أن الشظايا المتطايرة من مقر المندوب السامي الإيراني لسوريا ولبنان الجنرال محمد رضا زاهدي قد طالت بشار الأسد؟
الإصابات الدقيقة في القصف تدل على وجود مصادر مخابراتية متعددة ومن قلب المكان، وهذا ما تصرح به بعض القيادات الإيرانية، في تلميح صار شبه علني إلى ضلوع نظام بشار الأسد في تسريب معلومات الاجتماعات ومواعيدها وتحرك الشخصيات الإيرانية، خاصة أن المنطقة المقصوفة تعج بفروع المخابرات المدججة بكل أنواع أجهزة التنصت والمراقبة.
استعان بشار الأسد بالإيرانيين من أجل استكمال مشروع الهندسة السكانية في سوريا والتخلص من “الخونة والعملاء”، الذين وصل عددهم إلى نصف عدد السوريين، بحسب ما تبرزه إحصاءات اللاجئين والمهجرين في المدن والبلدان المختلفة، عدا عن القتلى والمختفين في سجون المخابرات الذين وصل عددهم إلى مليون سوري.
شهدت منطقة بلاد الشام والعراق صراعًا طويلًا بين عرب الغساسنة الذين كانوا يحاربون لمصلحة الرومان، وعرب المناذرة الذين كانوا يحاربون لمصلحة الفرس، وكانت الحروب لا تنتهي بينهما قبل الإسلام، ولكن الاجتياح الإيراني لبلاد الشام الذي تسبب به نظام الأسد لم يحصل تاريخيًا مثله منذ انتصار المناذرة على الغساسنة قبل نحو قرن من ظهور الإسلام، وقد اجتاحوا بلاد الشام لمصلحة الفرس في “يوم حليمة” حيث وصلوا إلى بصرى الشام، والمناذرة كانوا أشبه بـ”الحشد الشعبي العراقي” والميليشيات الإيرانية التي تهيمن على العراق، وتجتاح سوريا لمصلحة الدولة الفارسية.
وهذا ما دفع المرشد الإيراني خامنئي إلى تقليد قاسم سليماني وسام “ذو الفقار” وتم تلقيبه بـ”داريوس الصغير”، لأنه استعاد الأمجاد الفارسية في العراق والشام وبلدان أخرى. رغم أن مجيء الإسلام قوض النفوذ الفارسي والنفوذ الروماني، وذابت حروب الوكالة بين الغساسنة والمناذرة، ولكنها اليوم تتجدد مع الميليشيات الإيرانية، ويتسع نفوذها إلى أبعد من انتصارات “يوم حليمة” ليصل إلى بيروت، وكما قالت العرب، “ليس يوم حليمة بسر”، كذلك فإن النفوذ الفارسي لم يعد سرًا.
صحيفة “الجريدة” الكويتية نقلت، في 4 من نيسان الحالي، عن مصدر في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، أن نظام الأسد متواطئ في قتل المسؤولين الإيرانيين، وقد قام سابقًا بعرقلة التحقيق المشترك حول مقتل الجنرال رضا موسوي خلال العام الماضي، ورجحت المصادر أن يكون الأسد شخصيًا متورطًا في هذا التسريب، سواء كان عن طريق أجهزة مخابراته، أو عن طريق العسكريين السوريين العاملين مع روسيا.
شظايا القصف على القنصلية الإيرانية أصابت السوريين الذين لا يتفقد أحوالهم أحد، لأن نظام الأسد ضحى بمصيرهم وبمصير كل السوريين باستقدام الإيرانيين لحماية كرسيه، ولكن الشظايا هذه المرة ربما أصابت الأسد أيضًا، فالاتهامات بالتواطؤ لا تغيب عن الإيرانيين ولا عن المحللين.
نظام الأسد مستفيد من طرد الإيرانيين وميليشياتهم إذا ضمن الولاء الإسرائيلي والعربي له، وإذا تمت عملية إعادة تدوير نظامه، خاصة أنه رجع إلى الجامعة العربية بتعهدات سرية ليست لمصلحة الإيرانيين حتمًا، فهل آن أوان دفع ثمن التطبيع العربي مع نظامه بالتواطؤ على الإيرانيين الذين أنقذوا نظامه مع الروس؟