تصدرت حادثة استهداف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في سوريا ومقتل عدد من كبار قيادات “الحرس الثوري” المشهد الإعلامي والسياسي، وأنذرت ببدء مرحلة جديدة من الصراع الإيراني الإسرائيلي، وسط توعدات من طهران بالرد، سبقه تلويح من إسرائيل بتوسيع عمليات الاغتيال في سوريا ولبنان.
ووصلت حصيلة القتلى إثر الهجوم الإسرائيلي في دمشق إلى 13 شخصًا، منهم سبعة عسكريين إيرانيين، وستة مدنيين سوريين، وفق وكالة “الطلبة الإيرانية” (إيسنا)، وأعلن “الحرس الثوري” مقتل الجنرالين “المستشارين”، محمد رضا زاهدي، ومحمد هادي حاجي رحيمي، وخمسة من رفاقهما.
وتوعدت إيران على لسان مسؤولين فيها بالرد بشكل “حازم” على الغارة الإسرائيلية وقال قائد قاعدة “كربلاء” لـ”الحرس الثوري”، العميد أحمد خادم سيد الشهداء، إن إسرائيل ستتلقى قريبًا “ردًا ساحقًا وغير مسبوق”، بينما أدان الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، الهجوم، وقال إن بلاده ستعاقب إسرائيل.
كما قال المرشد الأعلى في إيران، آية الله السيد علي خامنئي، عبر تطبيق “X” (تويتر سابقًا)، “بعون الله سنجعل الصهاينة يتوبون عن جريمتهم العدوانية على القنصلية الإيرانية في دمشق”.
من جانبه، قال المتحدث العسكري باسم الجيش الإسرائيلي، دانييل هاغاري، إن الهدف الذي ضربته إسرائيل في دمشق كان “مبنى عسكريًا، وليس قنصلية ولا سفارة” ويتبع لـ”قوات القدس” وهي وحدة تابعة لـ”الحرس الثوري” ومسؤولة عن العمليات الخارجية.
ونقل موقع “Axios” عن مسؤول إسرائيلي “كبير” لم يسمّه، أن الجيش الإسرائيلي في حالة “تأهب قصوى” تحسبًا لهجمات انتقامية من الميليشيات المتحالفة مع إيران في سوريا.
ثلاثة خيارات
وضع تقرير لمركز “المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة” أعدّه الباحث في الشأن الإيراني شريف هريدي، ثلاثة سيناريوهات قد تترتب على استهداف مقر القنصلية الإيرانية في دمشق، وهي:
الرد المباشر، لأنه استهداف مباشر للقنصلية ومنزل السفير الإيراني في سوريا، وهذا الحادث يضع طهران في موقف محرج ويمثل انتهاكًا لسيادتها، وليس بالضرورة أن يكون الرد داخل إسرائيل، لأنه احتمالاً غير مرجح، لأن إيران حريصة على عدم الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع الجانب الإسرائيلي، خاصة أن الأخير يثبت أنه لا يضع في الحسبان خطوطًا حمراء، وعلى استعداد للانخراط في أي مواجهة، وعلى أي جبهة من الجبهات والرد خارج حدوده.
وبحسب التقرير، فإن الرد الإيراني المباشر قد يكون من خلال استهداف سفن تابعة لإسرائيل في الخليج أو البحر الأحمر، أو استهداف مقار دبلوماسية أو مراكز دينية كما حدث من قبل في بعض دول أمريكا اللاتينية، أو استهداف مقرات تتبع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وفق المنظور الإيراني، كما فعلت من قبل باستهداف مقرات في كردستان العراق.
تأجيل الرد، لأن التهديدات الإيرانية يدور أغلبها في التهديد بـ”الرد في الوقت والزمان المناسبين”، وهي صيغة قد تحمل في مضمونها تعليق الرد في الوقت الحالي، وإمكانية الرد مستقبلًا.
وبالنظر إلى حوادث سابقة ، فإن طهران ترجح هذا السيناريو، إلا أن تكلفته سواء الداخلية (سخط محلي) أو الخارجية ربما تكون مرتفعة، وقد يصوّر إيران على أنها “دولة ضعيفة” لا تستطيع حماية مصالحها.
التصعيد من خلال الوكلاء، وربما يكون هذا هو السيناريو المفضل لدى إيران، على الأقل في الوقت الحالي، فقد تدفع “حزب الله” اللبناني إلى إطلاق مزيد من الصواريخ على أهداف إسرائيلية، وتشجع الحوثيين على المضي في استهداف السفن الإسرائيلية والأمريكية، إلى جانب حث وكلائها في العراق وسوريا على مهاجمة الأهداف الإسرائيلية والأمريكية.
وأصدرت “المقاومة الإسلامية في العراق” اليوم، الخميس 4 من نيسان، بيانين قالت في الأول إنها استهدفت قاعدة “رامات ديفيد” الجوية الإسرائيلية، بالطيران المسيّر، مشيرة إلى أنها مستمرة بتنفيذ هجمات من هذا النوع، وأرفقت بيانها بتسجيل مصور يظهر لحظة إطلاق الطائرة المسيرة، دون تحديد المنطقة الجغرافية التي أطلقت منها.
وعقب ساعات، نشرت بيانًا آخرًا، قالت فيه إنها استهدفت بواسطة الطيران المسيّر، هدفًا حيويًا في إسدود، استكمالًا لما أسمته “المرحلة الثانية لعمليات مقاومة الاحتلال”.
على أعتاب الانفجار
الباحث في معهد “الشرق الأوسط”، تشارلز ليستر، قال في تقرير له عبر مجلة “المجلة” إن حجم الضربات الإسرائيلية على الأراضي السورية (مناطق متفرقة من دمشق وحلب، والقنصلية)، سيستوجب دون شك ردًا إيرانيًا مماثلًا، وأن الأخطار الأخطار المرتبطة بسوء التقدير ستكون مرتفعة للغاية، لأن المنطقة باتت الآن برميلًا من البارود.
وأضاف أن إيران كانت تاريخيًا تستخدم وكلاءها للرد على الضربات الإسرائيلية، ورغم التجميد الذي فرضه “الحرس الثوري” على الهجمات بالوكالة ضد القوات الأمريكية في سوريا والعراق منذ أوائل شباط الماضي، فإن المرجح الآن أن ترفع طهران هذا التجميد في سوريا (وربما العراق) في الأيام المقبلة.
ويرى ليستر بأن هناك احتمالًا بأن تشن إيران ضربة صاروخية انتقامية ضد إسرائيل، لكنها ستكون على الأرجح مصممة بحيث يمكن اعتراضها، حتى لا تخرج الأمور عن نطاق السيطرة.
ومن غير المرجح أن تكون الجبهة اللبنانية هي الخيار المفضل لإيران للرد، لأنها تشهد توازنًا على الجانبين، وهو الأمر الذي نجح في تجنب حرب شاملة في الأشهر الماضية، كما أن “حزب الله”، و بشكل غير مباشر إيران، لا يريدان تدمير مصالحهما الكبيرة في لبنان.