بعد إعلان النتائج النهائية للانتخابات البلدية في تركيا، والتي مالت فيها الكفة لصالح المعارضة، بدأ السوريون يتساءلون عن مدى تأثير تلك الانتخابات على وجودهم في تركيا، ولاسيما أنها المرة الأولى التي تتفوق فيها المعارضة بالانتخابات المحلية على الحزب الحاكم منذ أكثر من 20 عامًا.
وفقًا للنتائج النهائية لفرز الأصوات، فاز حزب “الشعب الجمهوري” بنسبة 37.7% من الأصوات في عموم البلديات التركية، أما حزب “العدالة والتنمية” الحاكم فجمع 35.4%.
وكشف رئيس اللجنة العليا للانتخابات في تركيا، عن فوز “الشعب الجمهوري” (أكبر أحزاب المعارضة التركية) في 35 بلدية بينها إسطنبول وأنقرة وإزمير.
في المقابل فاز “العدالة والتنمية” في 24 بلدية بينها ولايات الأناضول الكبرى، قونيا، قيصري، أرضروم، طرابزون.
في حين أحرز مرشحو حزب “الشعوب الديمقراطي” ذي القاعدة الكردية، فوزًا في كبرى مدن الجنوب الشرقي، وأبرزها ديار بكر.
الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وصف نتائج الانتخابات المحلية بأنها “نقطة تحول”، وبأنه سيقيم بنزاهة ما حدث وسينخرط في النقد الذاتي، وسيسعى نحو التصحيح، وذلك في خطابه أمام الجمهور بالقرب من مقر حزب العدالة والتنمية في أنقرة.
خوف مبرر أم لا؟
تفاعُل السوريين مع نتائج الانتخابات البلدية في تركيا، كان متباينًا بين منزعج ومتخوف من تلك النتائج، ولاسيما أن حزب “الشعب الجمهوري” ينتهج سياسة معادية للاجئين السوريين، وبين من قلّل من أهميتها، معتبرًا أن هذه الانتخابات قد لا تحمل الوزن السياسي كالانتخابات الرئاسية.
أحمد عبود (37 عامًا) لاجئ سوري مقيم في حي بيرم باشا بإسطنبول، عبّر عن قلقه بعد فوز المعارضة بالانتخابات المحلية، إذ قال لعنب بلدي، “منطقتي التي أسكن فيها كانت تابعة للعدالة والتنمية، أما الآن أصبحت بيد المعارضة، لذا أخشى أن يزيد التضييق على السوريين أكثر، ولاسيما أني صاحب محل للمواد الغذائية، ومن الممكن أن نتعرض لمضايقات كثيرة من البلدية، كأن تفرض علينا شروطًا تعجيزية في محاولة لجعلنا نغلق المحلات ونعود لبلدنا”.
وكانت البلديات بدأت التضييق على المحلات العربية في تركيا منذ 2017، حيث قامت حينها بتغيير يافطات المحلات التجارية المكتوبة باللغتين العربية والتركية، واستبدالها بأخرى تحمل الأحرف التركية فقط، ما جعل المحلات تخسر نسبة كبيرة من زبائنها القادمين من الدول العربية؛ لكونهم لا يتقنون اللغة التركية.
ويتخوف أصحاب المحلات من أن يزيد التضييق عليهم أكثر من البلديات التي تديرها أحزاب المعارضة، وقال أحمد عبود، “تعرضنا لبعض التضييق سابقًا من البلديات التي يديرها حزب العدالة والتنمية، فكيف سيكون الحال مع استلام المعارضة لمعظم البلديات، وعلى رأسها إسطنبول التي تضم أكبر عدد من السوريين؟”.
بينما يرى الصحفي السوري محمد فراس منصور يرى أنه ليس هناك مبرر لخوف السوريين بعد فوز المعارضة بالأغلبية في البلديات، فـ”نتائج الانتخابات المحلية لن تؤثر على غير المخالفين، ومهمة البلديات هي مهمة خدمية بالمطلق، والقرارات الحساسة بيد السلطة الحاكمة”.
وأضاف منصور لعنب بلدي، “المطلوب من السوريين في تركيا هو الالتزام بالآداب العامة والقواعد القانونية، والابتعاد عن أي مخالفة بغض النظر عن أي تيار سياسي أو حزب، وبالنسبة للشركات والمحلات السورية التي تلتزم بالقانون وتدفع الضرائب ولديها رخص، وموظفوها لديهم إذن عمل ولا ترتكب مخالفات، فلا يستطيع أحد فرض أجندته السياسية عليها”، على حد قوله.
في المقابل، لم يكترث كثير من السوريين بالانتخابات البلدية في تركيا، عكس ما كان عليه الحال قبل عام تقريبًا، حين كانوا يراقبون بقلق نتائج الانتخابات الرئاسية.
“أبو نديم”، لاجئ سوري مقيم في منطقة إسنيورت باسطنبول، أرجع سبب عدم اهتمام كثير من السوريين بالانتخابات البلدية لسببين، الأول أن صلاحيات تلك البلديات لا تتيح لها التدخل في عمليات ترحيل السوريين أو عرقلة وجودهم القانوني في البلاد.
يتابع “أبو نديم” حديثه لعنب بلدي قائلًا، “السبب الثاني والأهم لعدم اهتمام كثير من السوريين بالانتخابات المحلية، أنهم يجدون أن واقع السوريين صار واحدًا، سواء تحت إدارة المعارضة أو العدالة والتنمية، ولاسيما أن السوريين خاب ظنهم بأردوغان بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية في أيار 2023، إذ أطلق بعد فوزه حملة ترحيل واسعة طالت المخالفين من السوريين في جميع الولايات التركية”.
تأثير محتمل على الحياة اليومية
الباحث المتخصص بالشأن التركي محمود علوش، قال لعنب بلدي، إن البيئة التي سيتعامل معها السوريون في تركيا ستكون أكثر صعوبة بعد فوز حزب “الشعب الجمهوري”، وإن كان هذا الفوز لن يؤدي إلى تغيير في السياسات العامة، بل سيكون له تداعيات على الوجود السوري، إذ ستحاول البلديات التي سيطرت عليها المعارضة استثمار كل الصلاحيات الممنوحة لها، لزيادة الضغط على الوجود السوري في تركيا”.
بدوره، قال الكاتب المختص في الشأن التركي، سعيد الحاج، أنه “بعد تفوق المعارضة بالانتخابات البلدية، يمكن النظر إلى ثلاثة أمور أساسية، الأمر الأول أنها انتخابات بلدية وليست مؤثرة بشكل مباشر وسريع على الحالة السياسية في البلاد، بمعنى أن الرئاسة والحكومة لن تتغير حاليًا والأغلبية ما زالت بيد التحالف الحاكم”.
أما الأمر الثاني أن فوز المعارضة بكثير من البلديات أعطاها أمل بالفوز بالرئاسة والبرلمان لاحقًا، بحسب ما قاله الحاج لعنب بلدي، وبالتالي ستركز أكثر على السياسة والملفات الاقتصادية التي تهم الشعب التركي، أكثر من الانشغال بملفات المناكفة مع الحزب الحاكم والضغط عليه بملف اللاجئين.
والأمر الثالث، بحسب الحاج، هو أن أحزاب المعارضة لم تركز كثيرًا في حملتها الانتخابية الأخيرة على السوريين، ولاسيما أنها وجدت أن اللعب على ورقة اللاجئين لم ينفعها في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وبالتالي لن ينصب جلّ تركيزها بعد الفوز بمعظم البلديات، على الضغط الكبير على السوريين، بل ستركز أكثر على الموضوع الخدمي.
وبعد فشل حزبه في الفوز برئاسة أي بلدية تركية، أفاد رئيس حزب “النصر” التركي المعارض أوميت أوزداغ، أن نتائج الانتخابات المحلية في تركيا، تظهر بأن الشعب التركي لا يرى بأن رحيل اللاجئين، الذين يشكل السوريون معظمهم، قضية ذات أولوية بالنسبة إليه.
ويتوقع الحاج أن البلديات التي ستديرها المعارضة، يمكن أن تؤثر على موضوع التعامل اليومي مع السوريين، من حيث التضييق على موضوع السكن والمحلات ومراكز العمل، أما الوضع القانوني للسوريين وضبط الهجرة غير الشرعية، لن يتأثر وستستمر السياسة التي انتهجتها الحكومة التركية تجاه اللاجئين في السنوات الأخيرة.
فرصة للمعارضة للوصول إلى السلطة
بالنظر إلى الأرقام وبمقارنة انتخابات البلديات عام 2019 والحالية في 2024، يتضح حجم الخسارة التي مني بها التحالف الحاكم الذي يضم “العدالة والتنمية” وحليفه “الحركة القومية”.
فقبل خمس سنوات كان رصيد الحزب الحاكم في رئاسة البلديات 39 بلدية، واليوم انخفض إلى 24 بلدية، أي أن العدالة والتنمية خسرت 15 بلدية في الانتخابات الأخيرة، ما أثار حالة من التخوف لدى السوريين حول مدى انعكاس نتائج الانتخابات على مستقبلهم.
الفارق الكبير في نتائج الانتخابات، جعل كثيرين يرون أن الانتخابات المحلية في تركيا، يمكن أن تكون خطوة أولية للمعارضة نحو الفوز بالانتخابات الرئاسية المنتظرة في عام 2028، ما يؤثر بشكل مباشر على الوجود السوري في تركيا.
ويرى الكاتب التركي محمود علوش، أن “المعارضة التركية إذا استطاعت في السنوات المتبقية أن تستفيد من الفرصة التي حصلت عليها اليوم، يمكن أن تصل إلى السلطة في عام 2028، وإن حصل ذلك سيكون له تداعيات كبيرة جدًا على السوريين في تركيا”.
وكان وزير الداخلية التركي أعلن نهاية العام الماضي، عودة 604 آلاف و277 شخصًا “طوعيًا” إلى سوريا، خلال 11 شهرًا، لينخفض عدد اللاجئين السوريين هناك إلى ثلاثة ملايين و152 ألفًا.