“نقطة انتهى”.. هل “التسوية” نعيم السوريين المنشود؟

  • 2024/04/01
  • 12:19 م

يتواصل عرض المسلسل المشترك (سوري- لبناني) “نقطة انتهى” خلال الموسم الدرامي الحالي، بحبكة مشوقة، دون أن يغيب ملف وجود السوريين في لبنان عن الطرح، مع تفاصيل مغايرة عن السابق.

بعد سنوات من تحاشي التطرق دراميًا، بوضوح، لمسببات اللجوء إلى البلد الجار، والاكتفاء بالإشارة إلى الحرب وويلاتها أو تحميل المعارضة مسؤولية هذا اللجوء بطريقة انتقائية لا تعكس الحقيقة، أو على الأقل لا تعكسها كاملة، يظهر بطل “نقطة انتهى”، الصيدلاني فارس، هاربًا من بطش النظام السوري، كونه مطلوبًا أمنيًا، ومعارضًا.

الأسباب التي وضعت فارس على قائمة المطلوبين الطويلة لدى فروع الأمن السورية، تتجلى بمساعدته وتهريبه الدواء لسكان محاصرين في إحدى المناطق بسوريا.

وما يتبع الكشف عن هذا التفصيل، عرض قدمه المحامي سامي شرف الدين، وهو محامٍ متنفذ مقرّب من سياسي كبير من “أمراء الحرب” في لبنان، وفحوى العرض مساعدة فارس على العودة إلى سوريا وإجراء “تسوية” يضمن بعدها المحامي عدم تعرض الصيدلاني للأذى.

هروب البطل من النقاش السياسي، والمفاوضة على “العودة مقابل التسوية”، يعكس حالة الفهم للواقع السوري، الذي دفع بالرجل للمغادرة أصلًا، فالترويج لـ”التسويات” من قبل النظام لا ينقطع، لكن الدعوة لعودة السوريين، التي كانت نشطة قبل سنوات، تراجعت حدتها مؤخرًا، فالنظام السوري يربط هذه العودة بالإعمار والتعافي المبكر، ما يعني طلب الدعم الأممي لبناء ما دمرته البراميل.

دعوة المحامي لفارس للعودة لا تشكل مجمل المشهد الدرامي حول الوجود السوري، فهناك أيضًا من يتأفف من وجودهم بالمجمل، ويظهر ذلك على لسان شاب فاشل انتهازي، يتسلّى بـ”التشبيح” على السوريين، دون أن يعكس كل ذلك المشهد خارج إطار الدراما، فمن يطالب بخروج السوريين بصرف النظر عن الوضع في سوريا والحالة الأمنية والاقتصادية وغيرها، ليس فقط شابًا على هامش القرار، فهناك أصوات سياسية وأخرى نخبوية تتبنى وجهة النظر ذاتها، تجاهلها أو برّأها أو أغفلها العمل.

الأمم المتحدة تقول العكس

التقارير الدولية والأممية لا تشجع فارس على قبول عرض المحامي، إذ ذكر مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أن العديد من السوريين الذين فروا من الحرب يواجهون انتهاكات وتجاوزات جسيمة لحقوق الإنسان عند عودتهم إلى سوريا.

وبحسب التقرير، الصادر في 13 من شباط الماضي، فالانتهاكات والتجاوزات الموثقة ارتكبتها الحكومة وسلطات الأمر الواقع والجماعات المسلحة الأخرى في جميع أنحاء سوريا، ومنها الاحتجاز التعسفي، والتعذيب، وسوء المعاملة، والعنف الجنسي والمبنى على النوع الاجتماعي، والإخفاء القسري، والاختطاف.

كما تعرّض أشخاص لانتزاع أموالهم ومصادرة أملاكهم، وحرمانهم من بطاقات الهوية وغيرها من الوثائق، بينما يواجه السكان السوريون بمجملهم مثل هذه الانتهاكات والتجاوزات لحقوق الإنسان، في الوقت الذي يبدو به أن العائدين معرضون لهذه المخاطر أكثر من غيرهم.

وشنت قوات الأمن اللبنانية أكثر من 70 مداهمة استهدفت اللاجئين السوريين في المخيمات والمناطق السكنية في جميع أنحاء البلاد، في ربيع 2023، وما لا يقل عن 1455 سوريًا جرى اعتقالهم، مع ترحيل 712 منهم.

سوء المعاملة للعائدين

وثقت لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا، في أيلول 2023، حالات للاجئين سوريين عائدين من دول الجوار، تعرضوا لسوء المعاملة من طرف أجهزة الأمن التابعة للنظام السوري، وتعرض بعضهم للابتزاز مقابل إطلاق سراحهم، بينما تعرض بعضهم الآخر للاعتقال من طرف هذه الأجهزة، وما زال عديد منهم، بينهم أطفال، في عداد المفقودين حتى الآن.

وخلال كلمة ألقاها السفير البريطاني في الأمم المتحدة، سيمون مانلي، في 22 من أيلول 2023، خلال اجتماع الدورة الـ54 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، لفت إلى الابتزاز الذي يواجهه اللاجئون العائدون إلى سوريا، والاعتقال التعسفي وسوء المعاملة على أيدي قوات الأمن السورية، مؤكدًا أن العديد منهم قد اختفى بمن فيهم الأطفال، خلال عودتهم، مشيرًا إلى أن النظام السوري يرحب بعودة اللاجئين من الدول المجاورة “لكن على أساس أدلة تلك الانتهاكات فلا يمكن الوثوق به”.

“الوفيات بين المدنيين، والقيود على المساعدات، والاعتقال التعسفي، تؤكد أن بشار الأسد لا يبالي بحياة الشعب السوري، ويجب ألا نتخلى عنهم”، بحسب ما قاله السفير البريطاني، داعيًا أعضاء مجلس حقوق الإنسان إلى توحيد الجهود لضمان المساءلة عن هذه الجرائم.

المشكلة باللجوء؟

رغم مأساوية الأوضاع في لبنان، لا يبدو اللاجئ السوري مسببًا لمشكلات جوهرية تعيشها البلاد منذ سنوات، يتصدرها فراغ رئاسي وعدم التوافق على رئيس تمهيدًا لتشكيل حكومة تزيح الحالية التي تصرّف الأعمال.

كما أن أزمة المصارف والبنوك التي أفقدت المودع القدرة على التحكم بحسابه ورصيده المالي، وانفجار مرفأ بيروت، والثورة التي خرجت لتغيير الطبقة السياسية الحاكمة منذ زمن الحرب الأهلية، ولم تبلغ مُناها، كلّها ملفات يتطلب البت بها جهدًا دوليًا يتعامل مع المشكلة فعلًا دون استعمال اللاجئين كورقة سياسية، في الوقت الذي يساعد وجودهم على إدخال مساعدات مالية أممية وإنفاقها في لبنان نفسه.

هذه المعطيات أهملتها جهات ومؤسسات ومحطات تلفزيوينة شاركت في تقديم خطاب ودعاية طاردة للاجئين، تكرس حالة كراهية ضدهم، دون أن تخلو من التضليل والتلفيق، إذ تنتشر في شوارع لبنان لوحات إعلانية تروج لحملة تحت شعار “UNDO The Damage Before It’s Too Late”، وتعني “تراجعوا عن الضرر قبل فوات الأوان”، وأخرى بشعار “تراجعوا عن الدمج”.

ملصقات على لوحات إعلانية في شوارع لبنان توجه خطابها ضد وجود اللاجئين السوريين في لبنان- 4 من آذار 2024 (شركة Phenomena المطورة للحملة/ فيس بوك)

طورت الحملة شركة “Phenomena” للخدمات التسويقية، ومولتها قناة “MTV”، وغرف الصناعة والتجارة والزراعة اللبنانية، ومنظمة “بيت لبنان العالم” غير الحكومية، كما أطلقت الشركة نسخة مصورة من حملتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أطّرت اللاجئين بتوجهات سياسية تجردهم من رأيهم، واستعانت بصور وأسماء ومعلومات وأرقام، دحضها تقرير صادر عبر موقع “مسبار“، وأثبت عدم مصداقيتها، مطلع آذار الحالي.

قواسم مشتركة

لا يعتبر حضور “MTV” الأول من نوعه في هذا الإطار، فالمحطة التلفزيونية التي تحتفي باستضافة الممثلين السوريين، وعرض الأعمال الدرامية المشتركة، تقدم باستمرار تقارير مصورة بلغة ترسّخ الكراهية ضد اللاجئ، ومنها تقرير بعنوان “لبنان تحت وصاية غازي كنعان جديد”، في إشارة إلى اللاجئين السوريين الذين شبهتهم بغازي كنعان، أبرز أعمدة النظام السوري في لبنان، قبل الانسحاب في 2005.

ينشد مسلسل “نقطة انتهى” الواقعية في تفاصيل الحياة اليومية التي يعرضها، وأنسنة شخوصه وأبطاله، وبناء عليه يمكن لمحامٍ مقرّب من سياسي لم يمتثل لإرادة شعبه أن يلعب دور الوساطة في بلد جار لا يختلف واقعه السياسي، على مستوى الاستئثار بالسلطة من جهة، وتجاهل رفض الشارع من جهة أخرى، في الوقت الذي يعبر به وجود فارس في لبنان بسبب موقفه السياسي عن استمرار المشكلة في سوريا، وعدم وضع النقطة على آخر السطر لمعاناة بطول 13 عامًا.

“نقطة انتهى” من تأليف فادي حسين، وإخراج محمد عبد العزيز، وبطولة عابد فهد وعادل كرم، وندى أبو فرحات.

اقرأ المزيد: مسلسل “تاج”.. سوريا الجميلة قبل “التطوير والتحديث”

مقالات متعلقة

فن وثقافة

المزيد من فن وثقافة