علي عيد
مع التطور التكنولوجي الهائل، اتجهت كثير من وسائل الإعلام إلى اعتماد أسلوب العمل عن بعد “أونلاين” (Online)، دون تجميع كوادرها في مقر واحد، والتركيز على التواصل عبر تطبيقات ذكية مدفوعة الثمن لكن تكاليفها أقل بكثير من استئجار أو تملك بناء أو مساحة تضم مكاتب وقاعات تحرير.
وفي حالات خاصة، كان العمل عن بعد خيارًا بالغ الأهمية، خصوصًا بالنسبة لدول تعصف بها الحروب والصراعات، وتخضع فيها الصحافة لرقابة السلطة والمنع، كما هو الحال في سوريا.
ونشأت الصحافة المهاجرة التي أسسها أبناء تلك البلدان لمواكبة الأحداث فيها، إذ يتعذر في كثير من الحالات تجميع شتات الصحفيين، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فشتات الصحفيين جغرافيًا كان جزءًا من شتات الجمهور.
في حالة فريدة مثل سوريا، اضطر نحو 13 مليون شخص للهروب إلى الخارج، ولجأ معظمهم إلى الدول المجاورة وأوروبا، كما أن هناك نحو ستة ملايين نازح داخليًا، تركوا منازلهم ومدنهم وقراهم بحثًا عن مكان أكثر أمنًا، ومعظمهم نزح وانتقل مرات عديدة داخل البلاد.
وعلى الرغم من أن بلاد اللجوء وفرت فرصة لتجميع الكوادر الصحفية في الحالة السورية، تعرضت هذه الكوادر للضغط في كثير من تلك الدول ولا سيما الجوار، ففي الأردن ولبنان لم تعد البيئة السياسية، منذ سنوات، ملائمة لعمل مؤسسات إعلامية سورية تقدم رواية مختلفة عن رواية السلطة في دمشق، وانسحب الأمر على البيئة السياسية في تركيا خلال السنوات التالية وحتى الآن، مع حالة المدّ والجزر في العلاقات بين الحكومات ومتطلباتها، فما حصل مع الصحافة المصرية المهاجرة إلى تركيا بعد تقارب القاهرة وأنقرة، مرشح لأن يتكرر مع الصحافة السورية، لكنه بدا ملموسًا وإن بشكل أقل، والدليل أن أول مطلب لبناء الثقة من جانب دمشق، كما صرح عنه السفير السوري السابق في أنقرة، نضال قبلان، في أيلول 2022، هو وقف السلطات التركية لعمل الصحافة “المعارضة”.
ما سبق، يضطر المؤسسات الصحفية الناشئة إلى إعادة التموضع (Repositioning)، أو اعتماد العمل عن بعد، وهو ليس خيارًا اقتصاديًا بالدرجة الأولى، بل خيار أمني.
العمل عن بعد في الصحافة السورية المستقلة أو المهاجرة فرصة لتغطية الجانب المعتم لحياة الملايين داخل البلاد، والجانب المشتت لحياة الملايين خارجها، لكن تبقى لها بالمقابل مخاطر أو متطلبات.
تحديات العمل عن بعد في الصحافة تشمل المؤسسة كما الكادر.
تحديات المؤسسة:
- صعوبة تأمين كادر مدرّب ومؤهل.
- صعوبة تأهيل كادر مشتت جغرافيًا ويعمل في ظروف أمنية بالغة الحساسية.
- صعوبة ضبط دورة العمل والالتزام.
- صعوبة حماية الكادر قانونيًا وأمنيًا والتواجد معه وإسناده على الأرض في الحالات الطارئة.
تحديات الكادر:
- صعوبة الوصول إلى المصادر أو معايشة الأحداث.
- عدم وجود بيئة عمل اجتماعية يتسبب بضعف في تكامل عمل الفريق، والحرمان من فرصة تبادل الأفكار والخبرات والتعلم.
- الشعور بالعزلة وعدم الاندماج.
- مخاطر التشوش بسبب تعذّر فصل الحياة الشخصية عن العمل.
- مخاطر سوء الفهم بسبب عدم التواصل الفيزيائي.
- الشعور بعدم الثقة تجاه مؤسسة أو وسيلة إعلامية تعمل كلّها بشكل افتراضي.
- الخوف والقلق الأمني من مخاطر العمل مع المؤسسة.
يمكن توجيه نصائح للمؤسسات والصحفيين العاملين عن بعد لتحسين التواصل والإنتاج وبناء الثقة.
نصائح للمؤسسة:
- التواصل اليومي والمستمر مع الفريق بشكل فردي وجماعي.
- تشجيع التواصل بين أعضاء الفريق ضمن مجموعات عمل، بما يعزز التآلف ويشجع على التعاون فيما بينهم.
- توزيع أدوار الإدارة بشكل منضبط وغير متداخل، وتزويد الكوادر والمراسلين بمخطط هيكلة الإدارة والأقسام وأخلاقيات وقواعد التواصل أو التظلّم أو طلب التدريب أو المعونة أو الاستشارة الوظيفية، ولوائح المكافآت والعقوبات التي تعتمدها المؤسسة.
- استخدام برامج مؤهلة للتواصل، وعدم الركون إلى برنامج واحد، مع ضمان أن تكون تلك البرامج عبر اشتراكات خاصة بالمؤسسة، وأن تكون آمنة.
- تحديد المهمات والأهداف بشكل واضح وقابل للقياس، لكل فرد من الفريق.
- التقييم المستمر للمهام، واستخدام جداول زمنية وجداول تقييم واضحة وبسيطة، وقراءة جداول الإنتاج ومراجعتها باستمرار.
- استخدام أدوات تحفيز مبتكرة تنشط الإحساس بالانتماء، ورفع المعنويات، وإجراء تقييم للإنجازات بشكل دوري (أسبوعي، شهري، سنوي).
- تأهيل وتوعية الكوادر حول الحماية والأمن الرقمي، وتعزيز ثقتهم بأن المؤسسة تحافظ على أمنهم وسلامتهم.
- التدريب المستمر على أحدث أدوات العمل عن بعد.
- منح الفرصة للفريق بإبداء الرأي والمشاركة في صنع القرار، والاطلاع على المشكلات التي تواجهه بشكل مستمر.
نصائح للكوادر:
- وضع خطة واضحة للعمل اليومي أو الشهري، ومراجعة الجهة المسؤولة (إدارة التحرير)، لضمان عدم الخروج عن سياسات المؤسسة أو تنفيذ مهام غير مطلوبة أو غير مرغوب بها.
- المواكبة والاطلاع على أحدث البرامج المستخدمة في العمل عن بعد، وعدم التردد في طلب المعونة والتدريب من الإدارة.
- الحفاظ على الأمن والسلامة الرقمية، والتنبه لإمكانية اختراق البريد أو المعرفات المستخدمة في العمل، والمحافظة على أمن البيانات.
- بناء علاقة جيدة مع الزملاء، وتفهم أن التواصل عن بعد قد لا يحقق فهمًا سليمًا لنيات الزملاء أو أنه يتسبب في سوء فهم بغياب التواصل الفيزيائي والتواجد في مكان واحد.
- فصل الحياة الخاصة عن العمل، وتحديد مكان داخل المنزل أو المكتب أو أي مكان تفضّل العمل منه، وإشعار المحيط (أسرة، أصدقاء) بضرورة تفهم انشغالك والتزامك بمهام يجب تنفيذها.
- عدم استغلال العمل عن بعد وضعف الرقابة الإدارية في إضاعة الوقت، والالتزام بمنح الوقت اللازم للعمل، وعدم التهرب من المسؤوليات.
- الالتزام بالمعايير المهنية والأخلاقية، وعدم تمرير معلومات غير صحيحة تتسبب بضعف الثقة مع الإدارة.
تختلف التحديات والمتطلبات حسب نوع الوسيلة الإعلامية، والهيكلية والمسمى المهني، إذ يصعب الاستمرار في عمل التلفزيون بطريقة العمل عن بعد لجميع الكوادر، فهو يتطلب توفر الأجهزة والتقنيات والاستوديوهات وموقع وأدوات البث، وتبقى الصحافة الإلكترونية أكثر مرونة لأنها تستغني عن كثير من اللوجستيات، وينطبق الأمر على إعلام “البودكاست” أو منصات التواصل، وحتى المطبوع مع تراجعه إلى الحد الأدنى.. وللحديث بقية.