“الاستراتيجية السورية”.. محاولة لرسم خريطة طريق لحل سياسي
عنب بلدي – ريم حمود
أطلقت مؤسسات بحثية ومدنية سورية وغربية مشروع “الاستراتيجية السورية”، وذلك بعد 13 عامًا على بدء الثورة السورية، غابت فيها الاستراتيجية السياسية الشاملة، وسط تحولات جذرية في الملف السوري دون الوصول إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع في العملية السياسية.
ويجمع المشروع المجلس الأطلسي (AC) بالتعاون مع معهد الشرق الأوسط (MEI) والمعهد الأوروبي للسلام (EIP) بدفع من مبادرة “مدنية” التي يترأسها رجل الأعمال السوري أيمن أصفري، وأطلق خلال ندوة عقدها المجلس الأطلسي، في 18 من آذار الحالي.
ويهدف المشروع إلى طرح استراتيجيات للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وتطوير استراتيجية شاملة لصياغة مسار مستدام لحل الأزمة السورية، ضمن ست مجموعات عمل على مدى الـ12 شهرًا المقبلة.
غياب الحل السياسي
غياب الاستراتيجية السياسية الخاصة بسوريا أدى إلى تعاون مع باحثين وخبراء سوريين وغربيين وصانعي قرار لسد هذه الفجوة، وتشكيل خريطة طريق تقوم على قرار مجلس الأمن الدولي “2254”، والمساهمة في إطلاق حل سياسي بقيادة السوريين أنفسهم، وفق مدير مبادرة “مدنية”، أيمن أصفري.
أيمن أصفري قال خلال الكلمة الافتتاحية في الندوة التي عقدها المجلس الأطلسي في مقره بالعاصمة الأمريكية واشنطن، إن الأزمة السورية لا تزال مستمرة في ظل غياب الحل السياسي في سوريا، لكنها لم تعد في الواجهة.
ويرى أصفري أن من الضروري تخصيص استراتيجية ليس فقط للحل بل للمحاسبة أيضًا، ويجب أن تكون جزءًا من اتخاذ القرار على المستويين المحلي والعالمي.
مساعدة وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، أوضحت أن الوضع في سوريا كارثي ومعقد، والوضع السياسي وصل إلى طريق مسدود، ولكن “موقفنا واضح، ولن نطبع العلاقات مع النظام السوري، دون رؤية جهد حقيقي نحو التقدم لحل في العملية السياسية بسوريا، إضافة إلى الرغبة برؤية خطط واضحة لتحسين حياة السوريين”.
وشددت ليف، في كلمتها المسجلة، على أن الوضع الإنساني في سوريا مستمر بالتدهور، إذ تستمر عمليات القصف في شمال غربي وشمال شرقي سوريا، وأطراف مختلفة من القوى المسيطرة لا تزال مستمرة بانتهاك حقوق الإنسان.
واتفق المبعوث الألماني إلى سوريا، ستيفان شنيك، مع حديث باربرا ليف، معبرًا عن أسفه للوضع الحالي بسوريا، ومؤكدًا أن بلاده وحلفاءها يريدون أن يروا تحولًا ديمقراطيًا في سوريا، عبر حل سياسي واضح.
وأوضح المبعوث الألماني إلى سوريا أن سوء الوضع الراهن لا يعني فقدان الأمل، وذلك لأن النظام السوري ليس بالقوة التي يدّعي بأنه يملكها، وفق قوله.
زيادة تفاعل مع الملف السوري
الاستراتيجية ستقدم بشكل أساسي للوكالات الأمريكية العاملة في الشأن السوري والشركاء الإقليميين والدوليين، وهدفها يتركز حول تقديم مشروع عملي للإدارة الأمريكية، ما يدفع إلى زيادة التفاعل والاهتمام بالملف السوري ما يؤدي لحل الأزمة السورية، وفق ما قاله مدير مشروع “استراتيجية سوريا”، قتيبة إدلبي.
وأشار قتيبة إدلبي، في حديث إلى عنب بلدي، إلى أن الخبراء العاملين على المشروع يؤمنون بأنه في حال وجد استثمار أمريكي في خطة للحل بسوريا، فإن ذلك سيدفع تفاعلًا دوليًا وإقليميًا وسوريًا مع الخطة.
هدف الوصول إلى استراتيجية شاملة يعني التعامل مع جميع المشكلات السورية التي نتجت خلال فترة الـ13 عامًا الماضية في ملفات سورية مختلفة مع ضمان العمل على هذه الحلول ضمن استراتيجية شاملة، إضافة إلى رسم خطة أكبر لتطبيق الحل في سوريا وفق القرار الأممي “2254”، بحسب مدير مشروع “استراتيجية سوريا”، قتيبة إدلبي.
وتشمل الاستراتيجية ست مجموعات تخصص عملية هي: الحماية، الانتعاش الاقتصادي، الحكم، المساعدات الإنسانية، العملية السياسية، المساءلة وإصلاح قطاع الأمن، وفق المعلن في موقع “المجلس الأطلسي“.
مدير مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، عمار قحف، وهو عضو خبير في المجموعة الاستشارية بالمشروع، أوضح لعنب بلدي، أنه بحسب فهمه لهدف المشروع، فإنه يعمل لتطوير استراتيجية لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه القضية السورية، وتخدم صانع القرار الأمريكي لتكون لديه خارطة طريق أوضح مبينة على بيانات ووقائع حقيقية من الأرض، ما يعني مراجعة شاملة للتصور الأمريكي تجاه القضية السورية.
وبحسب عمار قحف، من واجب جميع الخبراء دفع الإدارة الأمريكية لتعديل وتحسين وتطوير محدداتها ومواقفها وتحركاتها ضمن إطار أكثر شمولية، ولذلك طرحت ستة مجالات للعمل عليها بفعالية أكبر، كونها مداخل لتحريك الملف السوري.
ضمان إيصال الصوت السوري
المديرة التنفيذية لمبادرة “مدنية”، سوسن أبو زين الدين، قالت لعنب بلدي، إن السوريين مدركون لتحول الصراع السوري إلى أزمة طويلة الأمد وخاصة بعد ازدياد المخاوف الإنسانية المتعلقة بحقوق الإنسان في ظل حالة ركود العملية السياسية.
وتابعت سوسن أبو زين الدين أن إدراك “مدنية” لفراغ الاستراتيجيات الملموسة لصياغة وتنفيذ حل سياسي مبدئي لا تزال بعيدة المنال، ولهذا السبب سيبدأ الشركاء عملية مكثفة مع الخبراء التقنيين وصناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والشرق الأوسط لصياغة استراتيجية شاملة لحل مستدام للأزمة السورية، كما ستشمل خبراء سوريين والمجتمع المدني وأصحاب المصلحة في كل مرحلة.
وتتعهد مبادرة “مدنية”، بحسب أبو زين الدين، بدعم إشراك السوريين في الحوارات الجارية في إطار مشروع “الاستراتيجية السورية” عبر طريقتين، إما بشكل مباشر وإما من خلال مشاريع متقاطعة، ما يضمن وصول المجتمع المدني إلى نتائج الحوار في كل مرحلة.
وعن ضمان وصول أصوات الأشخاص الأكثر تضررًا من النزاع، قالت إنه سيتم الاعتراف بمقترحات وتجارب السوريين وأخذها بعين الاعتبار في طليعة المحادثات.
ما الضمانات؟
اتفق كل من العضو الخبير في المجموعة الاستشارية بالمشروع، عمار قحف، والعضو الخبير في مجموعة إصلاح القطاع الأمني والمؤسساتي بالمشروع، بسام الأحمد، على غياب ضمانات مؤكدة لتنفيذ الاستراتيجية.
وأشار عمار قحف إلى أن الاستراتيجية تختلف عن المبادرات السابقة، كونها تقوم على إشراك عدد متنوع بشكل أساسي من خبرات سورية وأمريكية من صناع القرار، ومنهم أعضاء سابقون في الكونجرس واستشاريون لوزراء، ما جعل احتمالية تنفيذها أكثر من وجهة نظر أمريكية.
ومن جانبه، يرى مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” والعضو الخبير في مجموعة إصلاح القطاع الأمني والمؤسساتي بالمشروع، بسام الأحمد، أنه بحالة نزاع مثل سوريا تشمل عدة أطراف وجهات محلية وخارجية متدخلة، فإن الضمانات تصبح أكثر فعالية في حال الأخذ بعين الاعتبار في أثناء كتابة كل مرحلة بالاستراتيجية احتمالية تطبيقها على الأرض.
وأوضح بسام الأحمد، لعنب بلدي، أن التدخلات في سوريا أصبحت مرعبة، وتطبيق استراتيجية خاصة بسوريا ولمصلحة السوريين لا العكس دون معاداة دول الجوار والدول الإقليمية من أكبر التحديات المهمة خلال إعداد المشروع.
الحل السياسي مرتبط بالمساءلة
تطرق الخبراء المنضمون للمشروع إلى ارتباط المعاقبة بالمساءلة وتحقيق العدالة، إذ قال نائب مساعدة وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى، إيثان غولدريتش، إنه “لا يمكن أن يوجد حل سياسي دائم في سوريا دون المساءلة والعدالة عن الفظائع والانتهاكات والتجاوزات التي مورست ضد السوريين، بالإشارة إلى عدم الوصول إلى تقدم كبير على الإطلاق”، لافتًا إلى اعتقاده بأن النظام السوري “يلعب لكسب الوقت، بدلًا من التوجه والانخراط فعليًا للمحاولة بحل المشكلات”.
المبعوثة الفرنسية الخاصة لسوريا، بريجيت كورمي، لفتت من ناحيتها إلى أنه بعد مرور 13 عامًا على الحرب في سوريا، يمكن القول إن هذا الوقت هو المناسب لتغيير السياسة، فبينما يبقى الرئيس السوري، بشار الأسد، في السلطة، وصلت العملية السياسية لطريق مسدود.
وأوضحت كورمي أن الفرنسيين أخبروا الدول التي طبعت مع النظام السوري أن التحرك نحو دمشق دون شرط لن يأتي بنتائج، لكنهم لم يطلبوا منها عدم التطبيع كونهم ليسوا في وضع يستطيعون ذلك.
ودعت بريجيت كورمي إلى تجديد المشاركة الدولية بشأن سوريا على أساس القرار الأممي “2254”، موضحة أن التطبيع مع النظام السوري دون شروط ليس خيارًا، ولن يكسب منه دون تنازلات.
في 18 من كانون الأول عام 2015، وضع قرار مجلس الأمن الدولي “2254” حول سوريا المتمثل بـ16 بندًا، خارطة طريق لعملية الانتقال السياسي في سوريا، وذلك وفق آليات وتوقيت زمني محدد، الأمر الذي لم يطبق حتى الآن.
تضمنت أبرز بنوده وقفًا دائمًا لإطلاق النار من خلال جهود الدول صاحبة التأثير على النظام السوري والمعارضة، ضمن خطة تنفيذ لعملية سلام وفق أسس سياسية تضم تشكيل هيئة حكم انتقالية جامعة في غضون ستة أشهر، كما ضم القرار إجراءات بناء ثقة بين الأطراف المتنازعة، مثل فتح ممرات إنسانية، والسماح للمنظمات الإنسانية بالوصول السريع والآمن إلى جميع أنحاء سوريا، والإفراج عن المعتقلين بشكل تعسفي، وخاصة النساء والأطفال منهم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :