د. أكرم خولاني
مع انقضاء أكثر من ثلثي شهر رمضان، يلاحظ أن كثيرًا من الصائمين يصابون بالإنهاك والشعور بالإرهاق والنعاس وتشتت الذهن وضعف التركيز، ويعود ذلك إلى اضطرابات النوم التي تحدث نتيجة النشاطات المختلفة، التعبدية والاجتماعية الخاصة بشهر رمضان، ومن المعروف أن النوم الجيد ضروري للحفاظ على صحة نفسية وجسدية جيدة، إذ تشير التوصيات العالمية إلى ضرورة الحصول على 6-8 ساعات من النوم في الليلة الواحدة لاستكمال دورة النوم الفيزيولوجية، وكذلك من المهم في موضوع النوم الجودة وليس كمية الساعات فقط، فقد يستوفي الشخص معظم ساعات نومه خلال النهار، إلا أنه يشكو من أعراض نقص النوم بسبب التغيير المفاجئ في مواعيد النوم والاستيقاظ إضافة إلى تقطع ساعات النوم.
ما أسباب الإصابة باضطراب النوم في رمضان
قد يكون للصيام بحد ذاته تأثير على فيزيولوجيا النوم، فتغير نمط ومواعيد ونوعية الأكل الفجائية من النهار إلى الليل قد تنتج عنه زيادة عمليات الاستقلاب وإنتاج الطاقة خلال الليل، ما قد يؤدي إلى زيادة درجة حرارة الجسم خلال الليل، وهذا يسبب زيادة النشاط وعدم الشعور بالنعاس خلال الليل، بينما تنقص عمليات الاستقلاب خلال ساعات الصيام نهارًا ما ينتج عنه انخفاض درجة حرارة الجسم والشعور بالنعاس، أي أن الصيام يؤدي إلى تغير الساعة البيولوجية في الجسم.
ولكن ليس الصيام وحده يؤثر على الساعة البيولوجية للجسم، وإنما هناك عوامل أخرى مرتبطة بتغير نمط الحياة في رمضان، والتي تتمثل فيما يلي:
- تغير عادات الطعام، كتناول وجبة الإفطار مساء، بالإضافة إلى تناول وجبة السحور ما قبل أذان الفجر ثم النوم بعدها، والإكثار من المأكولات الدسمة والسكريات ثم النوم بعدها مما يسبب التخمة وعسر الهضم والارتجاع المعدي المريئي، وكل ذلك يؤثر سلبًا على جودة النوم.
- زيادة النشاطات ليلًا بين الإفطار والسحور، كأداء الواجبات الاجتماعية ولقاء الأقارب والأصدقاء في فترة المساء ولساعات متأخرة من الليل، ومشاهدة التلفاز بكثرة ومتابعة المسلسلات الرمضانية لساعات متأخرة من الليل، فينتج عن السهر نقص حاد في عدد ساعات النوم خلال الليل مما قد يسبب الخمول والنعاس وتعكر المزاج خلال النهار.
- التعرض للإضاءة القوية في الليل نتيجة السهر أو الجلوس أمام التلفاز والكمبيوتر، يقلل من إفراز هرمون الميلاتونين (الذي يصل إلى قمة إفرازه ليلًا في الأحوال العادية بينما ينخفض كثيرًا نهارًا فيحافظ على الصحو) مما يسبب الأرق.
- النوم بشكل متقطع وغير منتظم في أثناء اليوم الواحد، كالتأخر في الخلود إلى النوم، ثم قطع النوم لتناول وجبة السحور، والتأخر في الاستيقاظ صباحًا، وبدء العمل في وقت متأخر من ساعات الصباح ثم النوم عصرًا بعد العودة من العمل.
ما الآثار السلبية لاضطراب النوم
بشكل عام تؤثر قلة النوم ورداءته على التركيز والتفكير، فتعوق قلة النوم القدرة على الانتباه واليقظة مسببة تشتت الذهن وقلة التركيز، مما يؤدي إلى صعوبات في التعلم، كما تسهم في ارتفاع خطر حدوث الحوادث وخاصة حوادث السير بالنسبة للسائقين الصائمين.
كما أن قلة النوم تجعل القدرة على تذكر الأمور أصعب، فعملية استرجاع المعلومات وتدعيمها تتم خلال النوم في الليل، وبالتالي يصبح الشخص أكثر تعرضًا للنسيان.
كذلك تؤدي قلة النوم إلى اضطراب المزاج، فيعاني الشخص من التوتر والضيق والعصبية وسرعة الغضب.
وتحدث بعض الأعراض الجسدية بسبب قلة النوم أو اضطرابه، مثل فقدان الشهية للطعام، والصداع، واضطراب الهضم.
ومن شان قلة النوم أن تؤدي إلى مضاعفات ومشكلات صحية خطيرة، منها: أمراض القلب، النوبة القلبية، الفشل القلبي، مرض السكري، ارتفاع ضغط الدم والسكتة الدماغية.
أما بعد رمضان فهناك فئة من الناس يمكن أن يصابوا بالأرق واضطرابات مزمنة في الساعة الحيوية، وقد يعانون من نمط نوم عكسي (الاستيقاظ ليلًا والنوم نهارًا) ومن عدم استطاعتهم تعديله بعد انتهاء الشهر، فتصعب عودتهم إلى أوقات العمل والدراسة المعتادة.
كيف يمكن التقليل من الآثار السلبية
- الاعتدال بنظام الطعام، عن طريق عدم الإفراط بتناول الطعام، وتجنب تناول المشروبات المنبهة كالشاي والقهوة والكولا قبل النوم، وعدم تناول الطعام قبل ثلاث ساعات تقريبًا من النوم لتجنب الإصابة بالتخمة والارتداد المعدي المريئي الذي يؤثر على جودة النوم، وتجنب تناول الأطعمة التي من شأنها أن تؤدي إلى الأرق خلال وجبة السحور.
- تنظيم أوقات النوم، من خلال محاولة الخلود إلى النوم في وقت مبكر ليتسنى النوم مدة 3-4 ساعات تقريبًا قبل السحور، ثم العودة للنوم مرة ثانية لمدة 3-4 ساعات أخرى، بحيث لا يقل عدد ساعات النوم عن 7 ساعات، وأخذ قيلولة بعد الرجوع من العمل بما لا يزيد على نصف ساعة أو ساعة واحدة على الأكثر.
- العمل على تنظيم بيئة النوم من سرير وفراش مريح، بالإضافة إلى التأكد من أن تكون الغرفة معتمة، وهادئة، ودرجة حرارتها لطيفة، وعدم ممارسة أي نشاط بدني أو ذهني قبل ساعة من النوم تقريبًا.
- وبعد رمضان، يجب تعديل نظام النوم بصورة تدريجية، عن طريق تغيير وقت النوم والاستيقاظ عدة أيام قبل بداية الدوام، وهنا يجب الاستفادة من الأيام الأخيرة من إجازة العيد في ذلك وخاصة بالنسبة للأطفال قبل عودتهم إلى المدرسة، كذلك يجب تجنب الوجبـات الثقيلة والدسمة في الأيام الأولى من بدء تغيير نظام النوم حتى تتوافق الساعة الحيوية في الجسم مع البرنامج الجديد.