حق الكدّ والسعاية.. خطوة نحو إنصاف المرأة

  • 2024/03/31
  • 12:00 م
غزوان قرنفل

غزوان قرنفل

غزوان قرنفل

تعاني المرأة العربية عمومًا من تمييز قانوني في العديد من القوانين المعمول بها في الدول العربية، بسبب اختلاف المراكز القانونية وعدم المساواة بينها وبين الرجل حتى في النصوص الدستورية، فيما يفترض أن الدستور هو القانون الأسمى في البلاد ومصدر مشروعية أي قانون لاحق بعده.

في هذا الحيز المحدود لا يمكننا بالطبع الإحاطة الكاملة بأوجه التمييز تلك وتفنيدها، وهو ما يحتاج إلى سلسلة من المقالات في هذا السياق يتناول كل منها جانبًا من تلك القوانين، لذلك نكتفي بالإضاءة على نقطة واحدة منها، وهي تلك المتعلقة بحقوق المرأة العاملة المنتهكة في ظل الرابطة الزوجية المتأسسة على قوانين الأحوال الشخصية المستمدة من الفقه الإسلامي.

كثير من النساء يعملن وينفقن أجورهن ومواردهن المالية ضمن أسرهن بعد الزواج، بغرض مساعدة الزوج على النهوض بمسؤولياته تجاه الأسرة والأولاد، وكثير منهن أيضًا يواجهن مصيرًا غير محمود العواقب، ويفقدن ما كان يمكن لهن ادخاره واستثماره خارج نطاق مسؤوليات الأسرة المنوطة بالزوج حصرًا ضمن منظومة قوانين الأسرة والعائلة المعمول بها، وذلك إذا ما وقع الطلاق بين الزوجين لأي سبب كان، أو إذا ما توفي الزوج وقسمت أمواله بين الورثة، فتجد نفسها خالية الوفاض تقريبًا رغم كل ما جدّت به وبذلته وما جادت به وأنفقته من مال، كان يخصها وحدها، طوال حياتها.

في الدول العربية ومعظم الدول الإسلامية، تتأسس الرابطة الزوجية على القوانين المستمدة من الفقه الإسلامي، كما أسلفنا، ولذلك ينحصر حق الزوجة عند الزواج في تلقي المهر المتفق عليه والنفقة طوال ديمومة الرابطة الزوجية، مضافًا إليها نفقة العدة من الطلاق. أما عند الوفاة فيقتصر حقها على حصتها الإرثية، وهي ثمن مال التركة إذا ما كان هناك أولاد، وربعه عند عدم وجود الأولاد، وقد تشاركها في تلك النسبة (الربع أو الثمن) زوجة أو زوجات أخريات إن كان الزوج المورث متزوجًا بأكثر من واحدة، وقد تكون تلك الزوجة ثرية لديها تجارة أو مال أو حتى دخل متواضع من عمل وظيفي، أنفقته على أسرتها أو ساعدت به زوجها ليطور مصدر رزقه وينمي ثروته، فهل من العدل أو الإنصاف بعد ذلك أن تحصل على ما تحصل عليه في تلك القوانين الشرعية؟

في المقابل، نسمع عن قسمة أموال الزوجين المكتسبة بعد الزواج في حال حصول طلاق وانفصال بينهما، وهو مذهب متبع في معظم الدول التي تؤسس الرابطة الزوجية على القانون الوضعي ضمن مفهوم “الزواج المدني” إن لم يكن هناك اتفاق مالي بين الزوجين سابق على عقد الزواج، وهو ما يعرف باتفاقية ما قبل الزواج، وهو مذهب لا يخلو من عيوب كثيرة رغم ما يبدو عليه من إنصاف.

لكن ما بين هذين الحدين المغرقين في الإفراط والتفريط، هناك حد ثالث ينسجم أكثر مع مقاصد الشريعة ومع الحقوق وقيم العدل والإنصاف، هذا الخيار هو “حق الكدّ والسعاية”، فما هذا الحق وأين نشأ ومن أين يستمد مشروعيته؟

الحقوقي والمحامي المغربي الحسين الملكي، وهو صاحب نظرية في هذا المجال، يعرّفه بأنه: “حق المرأة في الثروة التي تنشئها وتكونها مع زوجها خلال فترة الحياة الزوجية، وهذا الحق يضمن للزوجة إذا انتهت العلاقة الزوجية بينها وبين زوجها إما بالطلاق أو الوفاة بأن يتم تحديد وحساب مجموع الثروة التي تم تكوينها خلال فترة الحياة الزوجية، فتحصل على جزء منها مقابل ما بذلته من مجهودات مادية ومعنوية إلى جانب زوجها”.

ويمكنني شخصيًا إيجاز ذلك بالقول، إنه “الحق في الحصول على جزء من الثروة التي أسهم المطالب بهذا الحق في خلقها أو نمائها، سواء أكان زوجًا أو زوجة أو ابنًا أو بنتًا”، ويتم تحديد مقدار هذا الحق بالقدر الذي أسهم فيه في خلق ونماء تلك الثروة.

ولهذا الحق نطاق زمني، وهو تحديدًا المال المكتسب بعد الزواج بالنسبة للزوجين، أو بعد انخراط الشخص المساهم في هذا النماء بالعمل ومردود عوائد هذا العمل على الثروة نفسها، وبالتالي لا تكون الأموال الموجودة قبل ذلك جزءًا من هذا الحق أو تلك المطالبة، وكذلك الأموال التي تؤول إرثًا أو وصية لصاحب الثروة بعد الزواج، لا يجوز تشميلها بتلك المطالبة لأن المطالب هنا لا دخل لجهده وعمله في ذلك الجزء من المال.

هذا الحق لم يسمع به أحد إلا في عهد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، عندما قضى لحبيبة بنت زريق بنصف مال زوجها المتوفى وبنصيبها من الإرث من نصفه الثاني، إذ كانت حبيبة نسّاجة وطرّازة وكان زوجها عمر بن الحارث يتاجر فيما تنتجه فاكتسبوا من ذلك مالًا وفيرًا، ولما مات الزوج وضع أهله يدهم على ماله فنازعتهم حبيبة في ذلك واختصموا أمام عمر بن الخطاب فقضى لها بنصف المال، ثم بنصيبها من النصف الثاني لكونه تركة وهي منه وارثة.

كما تبنى بعض فقهاء المذهب المالكي هذا المفهوم وأفتوا فيه، وعلى رأسهم الفقيه ابن عرضون الذي سبق عصره وأفتى بقسمة أموال الزوجين وفقًا لمبدأ الكدّ والسعاية، وكان هذا القول في القرن العاشر الهجري أي قبل الزواج المدني الأوروبي ومترتباته المالية بقرون.

وكذلك دعا الأزهر العام الماضي لإحياء فتوى الكدّ والسعاية والعمل بها، حفاظًا على حقوق المرأة المساهمة في نماء ثروة العائلة أو أي فرد من العائلة أسهم في ذلك.

صحيح أننا نحتاج في بلادنا إلى مراجعات قانونية بالعمق فيما يتعلق بعموم القوانين، وخصوصًا بقوانين الأسرة أو الأحوال الشخصية لما تنطوي عليه من ظلم وتمييز ضد النساء، لكن لا بأس من أن يكون تبني مبدأ حق الكدّ والسعاية خطوة أولى في ذلك الطريق.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي