دير الزور الأسيرة

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

تتحول محافظة دير الزور إلى رهينة إيرانية ومنصة لميليشياتها، بعد أن كانت منصة لإرهاب نظام الأسد ومن بعده منصة لإرهاب تنظيم “داعش”.

مع القصف شبه اليومي على دير الزور، تتحول المحافظة إلى ساحة حرب، كانت آخر نتائجها القصف الأخير في 26 من آذار الحالي على المدينة وريفها، الذي تسبب بأكثر من 50 قتيلًا وجريحًا من أعوان إيران ورجالاتها، وقد طال القصف أكثر من عشرة مواقع إيرانية تمتد من البوكمال شرقًا حتى منطقة عياش غربًا. وتضاف هذه الهجمات إلى الصراع المندلع في بادية المحافظة، الذي يحصد جامعي الكمأة الفقراء وتستثمره إيران وقوات النظام وروسيا بالمشاركة مع بقايا تنظيم “داعش”.

يقول توماس فريدمان، إن الحرب بين إيران وأمريكا تكاد أن تكون إحدى أكبر الحروب غير المعلنة، في ظل اندلاع حرب إسرائيل بعد 7 من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 على غزة. قال ذلك قبل أيام في مقال له بعد زيارة قاعدة “التنف” في أطراف ريف دير الزور، وبعد اطلاعه على مجريات الحرب غير المعلنة بين القوات الإيرانية والقوات الأمريكية في المنطقة، والتي تشكل دير الزور جزءًا مهمًا من تلك الحرب.

استولت الميليشيات الإيرانية على البوكمال والميادين وأجزاء من مدينة دير الزور، بالمشاركة مع ميليشيات الأسد والميليشيات الروسية، وأهمها “جيش التحرير” الفلسطيني الذي يمر من ريف دير الزور من أجل تحرير القدس! كما مر “حزب الله” من القصير والقلمون وحمص وحلب تائهًا عن طريق القدس هو الآخر!

خلعت الثورة السورية رموز النظام في دير الزور مبكرًا، ومن أهمها تحطيم تمثال باسل الأسد في نيسان عام 2011، الذي تسبب بنزوح آلاف السكان باتجاه الحسكة والرقة وريفهما، وتدريجيًا تم حصر النظام في مربعات أمنية تتصل بالمطار الذي ظلت روسيا تحميه. من بعدها جاءت المذابح الانتقامية وأهمها مجزرة الجورة والقصور 2012 التي قادها عقيد بالحرس الجمهوري اسمه علي خزام، وكان من رجالات الدين الطائفيين الذين ربتهم عائلة الأسد منذ مجازر الثمانينيات الإرهابية.

ووصل تنظيم “داعش” إلى المحافظة في العام 2014 بعد فشل قادة “الجيش الحر” في ضبط الأمن فيها وعدم تعاونهم في بناء إدارة مدنية جديدة ومتماسكة، واستولى التنظيم على البترول وصار مصدر ثراء وقوة له، ما جعله ينمو من مجرد ميليشيا متطرفة، إلى تنظيم منح نفسه صفة الدولة الإسلامية، وتسبب باستكمال تدمير المدن والقرى السنيّة، وأعطى للإيرانيين الأسباب التي دفعتهم لتحشيد ميليشياتهم في المحافظة، ومن أهمها قوات “الحشد الشعبي” العراقية و”حزب الله” وغيرهما من الميليشيات التي تكتظ مدن وقرى دير الزور بها اليوم، ما حوّل تلك المناطق إلى مستوطنات فارسية ترفع شعارات زائفة مثل الحرب على الإرهاب وتحرير القدس.

في زمن حافظ الأسد كان فايز النوري رئيس محكمة أمن الدولة، سيئة السمعة، من أشهر الشخصيات الديرية  في النظام، بعد أن صفى “البعث” الشخصيات العسكرية التي كانت في الجيش، اعتبارًا من تصفية حركة جاسم علوان، وضباط دير الزور الذين تشاركوا مع صلاح جديد وأوصلوا شخصيات مهمة في القيادة من أهمهم رئيس الوزراء السابق يوسف زعيّن، لكن الهندسة الطائفية التي اعتمدها حافظ الأسد لم تُبقِ إلا أمثال فايز النوري كنوع من الشتيمة لأهالي دير الزور، التي كان فرع المخابرات العسكرية فيها من أكثر فروع الأمن إرهابًا للمنطقة الشرقية.

وتعتبر اليوم البوكمال والميادين والمدن التي بينهما مراكز نفوذ إيراني شبه تام، محكومة من قبل الجنرال الإيراني حاج عسكر، الذي تقول بعض الأنباء إنه أصيب، أو ربما قتل، في الغارات الأخيرة على اجتماع لمخابرات “الحرس الثوري الإيراني” من قبل قوات أمريكية أو إسرائيلية.

مقتل أكثر من 20 من قادة إيران وتابعيها، وجرح نحو 30 عنصرًا منهم، في هجوم 26 من آذار، يشير إلى اختراقات كبيرة أدت إلى معرفة مكان وموعد اجتماع القادة وأعوانهم من “حزب الله” و”الحشد الشعبي” العراقي، وهذه الاختراقات تمت حتمًا بسبب كراهية أبناء دير الزور للاستيطان الإيراني، بالإضافة إلى استثمار إيران لأعوان النظام وضمهم إلى صفوفها، وهم الذين تربوا على الوشاية بإشراف الفرق الحزبية البعثية، وفرعي الأمن العسكري والأمن الجوي اللذين كانا يهيمنان على المحافظة منذ أيام الأسد الأب.

استولت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المناصرة لحزب “العمال الكردستاني” على قرى الجزيرة الفراتية، بما فيها مساحات واسعة من محافظة دير الزور بدعم أمريكي، وتم تهجير أكثر من نصف سكان المحافظة خلال السنوات العشر الماضية إلى محافظات الرقة والحسكة والشمال السوري وبلدان أخرى أهمها تركيا، بعد معاناة طويلة من القصف والاعتقال من قبل قوات النظام التي كان من أهم إرهابييها عبود قدح، وجامع جامع، وعصام زهر الدين، وعلي خزام، وغيرهم من كبار وصغار المجرمين المقنّعين.

دير الزور الأسيرة صارت أجزاء كبيرة منها مستوطنة إيرانية، وأجزاء أخرى أسيرة أنصار حزب “العمال الكردستاني”، بعد أن أنهكتها مختلف أنواع القصف والحصار، وبعد أن كسر جناحها هجرة أبنائها الذين كانوا شديدي الانتماء إليها، وأُجبِروا على ترك الفرات و”شراديقه” ومقاهيه، ورحلات الربيع إلى البادية (الجول)، وحملوا معهم روح النخوة وحب العائلة، ونكهة “الكليجة” ووصفات “البامية” الشهيرة التي لا يوجد ألذّ منها في العالم.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة