اللاذقية – ليندا علي
كثيرًا ما يصادف أهالي اللاذقية مشاهد مؤلمة لمسنين ومسنات بالكاد يستطيعون المشي، وهم يحاولون النزول من الحافلة (الميكروباص) أمام أحد المستشفيات الحكومية، نتيجة ارتفاع أجور السيارات الخاصة (التكاسي)، وتنطبق الحال على معظم أهالي المدينة وأريافها.
ويبدأ الحد الأدنى لأجرة “التاكسي” داخل المدينة من 10 آلاف ليرة للمسافات التي لا تتجاوز الثلاثة كيلومترات، وترتفع بحسب المسافة وقدرة الراكب على “مفاصلة سائق التاكسي”.
وعلى سبيل المثال، تصل أجرة “التاكسي” من حي الزقزقانية في مدخل المدينة وحتى المستشفى “الوطني” بالقرب من المرفأ إلى 25 ألف ليرة صباحًا، وترتفع إلى 40 ألف ليرة في المساء.
وتعد أجور السيارات مرتفعة بالنسبة للأهالي، إذ يبلغ الحد الأدنى للرواتب الحكومية في مناطق سيطرة النظام السوري نحو 279 ألف ليرة (الدولار يقابل 14000 ليرة سورية)، ولا يسد هذا المبلغ أبسط الاحتياجات.
“التاكسي” لم تعد خيارًا
أحدث مرة استخدمت فيها حنان (32 عامًا) “تاكسي”، وهي ربة منزل تعيش في ضاحية بسنادا، كان قبل عام تقريبًا، حينها تتذكر أنها دفعت 4000 ليرة لمسافة لا تتجاوز الخمسة كيلومترات، لأن الجو كان ماطرًا وكانت مضطرة لأخذ طفلها الرضيع إلى الطبيب.
وقالت السيدة، إنها لا تجرؤ اليوم على استئجار “التاكسي”، ومهما كان الجو عاصفًا فإنها تستخدم “الباصات” التي لا تزيد أجرتها على 1000 ليرة سورية داخل المدينة.
أما هناء (28 عامًا)، وتعمل في أحد المكاتب بالقرب من مديرية المالية، فإنها لا تفكر على الإطلاق باستخدام “التاكسي” ولا لأي غرض، لدرجة أنها اضطرت للمشي أكثر من مرة كي تصل إلى منزلها في حي الرمل الشمالي بمسافة تقدرها بنحو أربعة كيلومترات.
وذكرت أن راتبها الذي لا يتجاوز الـ200 ألف ليرة سورية، لا يمكنها من التنقل عبر “تاكسي”، حتى ولو لمرة واحدة شهريًا.
محروقات وصيانة
يبلغ سعر ليتر البنزين العادي 10500 ليرة، ويحصل أصحاب السيارات العامة على 25 ليترًا كل عشرة أيام، أي 75 ليترًا شهريًا، وهي كمية لا تكفيهم للعمل، فيضطرون لشراء البنزين من “السوق السوداء” بسعر ما بين 14 ألفًا و17 ألف ليرة، وهو ما يسبب ارتفاع الأجرة بحسب ما يقولون.
“أبو أحمد”، سائق “تاكسي” يبلغ من العمر 45 عامًا، ويعمل داخل المدينة منذ أكثر من ثماني سنوات، قال إنه لم يعش سابقًا فترة ركود كهذه، إذ يمتنع الغالبية عن استخدام “التكاسي”، وغالبًا ما يلجؤون لمفاصلة السائق على الأجرة قبل الصعود إلى السيارة.
وأضاف أنه قد يمضي يومه بصرف البنزين والتنقل من مكان لآخر دون أن يظفر بزبون، فيما يزداد العمل قليلًا بفترة الأعياد والأمطار الغزيرة، حيث لا يجد الناس مفرًا من استخدام “التكاسي”.
وذكر أن الأشخاص يعتقدون أن مستلزمات “التاكسي” تقتصر على البنزين فقط، لكن إصلاح أقل عطل في السيارة حاليًا يكلف مئات آلاف الليرات، بينما لا تتعدى يومية السائق الـ70 ألف ليرة بأحسن الأحوال بعد حساب ثمن البنزين، وعليه أن يوفر من الـ70 ألفًا نحو 20 ألف ليرة للإصلاحات الطارئة وغيار الزيت، ليتبقى له 50 ألف ليرة، وفق السائق الذي تساءل “ماذا يكفي هذا المبلغ اليوم؟”.
ويعيش الأهالي باللاذقية وفي عموم سوريا واقعًا اقتصاديًا ومعيشيًا مترديًا، ويبلغ متوسط تكاليف المعيشة في مناطق سيطرة النظام أكثر من 10.3 مليون ليرة سورية، والحد الأدنى لتكلفة المعيشة 6.5 مليون ليرة. (الحد الأدنى للرواتب نحو 279 ألف ليرة).
ويعد سكان الضواحي والأرياف هم الأكثر تأثرًا من ارتفاع أجور “التكاسي”، فعلى سبيل المثال، تبلغ أجرة “التاكسي” من جامعة “تشرين” في مدخل مدينة اللاذقية وحتى سقوبين التي تعتبر إحدى ضواحي اللاذقية نحو 50 ألف ليرة بالمتوسط، والحال تنطبق على مناطق أخرى مثل سنجوان وبكسا وغيرها.
ولا تقل أجور “التكاسي” إلى الأرياف عن 150 ألف ليرة للريف القريب الذي لا يبعد عن المدينة أكثر من ثمانية كيلومترات، وترتفع لتسجل نحو 500 ألف ليرة للريف البعيد مثل صلنفة أو كسب وغيرهما من الأرياف الأخرى.
ورغم انخفاض الأجور في حافلات النقل العام مقارنة بالسيارات الخاصة، فإنها لا تعد خيارًا جيدًا، إذ يستغل كثير من سائقي “الباصات” فترة الذروة والازدحام ليطلبوا أجورًا أكبر، كما تكثر حوادث السرقة (النشل) داخل الحافلات، نتيجة الازدحام الشديد.