رغم ضيق الحال.. سوريون يحافظون على سكبة رمضان
“أمي بتسلّم عليكن وبتقلكن اشتهتلكن هالسكبة”، جملة يألفها السوريون ويعرفون معانيها، بسيطة لكنها تحمل في طياتها كثيرًا من المحبة والبركة والكرم، فرغم الفقر وضيق الحال، ما زال كثير من السوريين يحافظون على عادة سكبة رمضان، كطقس اجتماعي جميل متوارث عبر عقود من الزمن.
قبيل موعد الإفطار بدقائق، تسارع ربات المنازل لإرسال أطباق من الطبخات التي قمن بتحضيرها إلى الجيران والأقارب، إذ تضج مداخل الابنية والادراج بأصوات الأطفال وهم يحملون الأطباق لتوزيعها، بعضهم يعود فارغ اليدين، وبعضهم الآخر يعود بطبق آخر إلى بيته.
“الجود بالموجود”
حرص سوريون على الحفاظ على عادة سكبة رمضان، حتى لو كان مكونات الطبق سلطة أو شوربة فقط، المهم بالنسبة لهم أن يتذكروا الآخرين بشيء في هذا الشهر الكريم، فرغم الظروف الصعبة التي يعيشها النازحون في المخيمات، مازال كثيرون يحافظون على هذه العادة الرمضانية.
أم ياسر السيد، نازحة في مخيم عائدون بريف إدلب، طبخت سلق مع البصل والزيت، ونادت على ابنتها لتوزع بعض الصحون من الطبخة على الخيم المجاورة.
تقول أم ياسر لعنب بلدي، “الجود بالموجود، فليس شرطًا أن تضم السكبة طعامًا فاخرًا، بل المهم أن تتذكر جارك بطعام مهما كان بسيطًا، فهذا الشعور يجعلك تأكل وأنت سعيد، لأنك تعلم حينها أن جارك يأكل نفس طعامك وليس جالسًا بلا أكل”.
بعض الأشخاص لا تكون سكبة رمضان بالنسبة لهم على شكل طبخة، بل يرسلون خلال رمضان شيئًا من انتاج محصولهم، كما فعل أبو غياث مزارع في الغوطة الشرقية، إذ أرسل لجيرانه حبات من القرنبيط التي يجنيها من محصوله.
يقول أبو غياث، “زوجتي مريضة ولا تستطيع أن تطبخ وتهدي الناس سكبات رمضان، لذا خطرت ببالي فكرة توزيع خضروات من محصولي الزراعي، يستعملها الفقراء في أطباقهم على الإفطار”.
رد السكبة بسكبة
من العادات التي كانت سائدة سابقًا، أنه يفضّل ألا يتم إرجاع طبق سكبة رمضان لأصحابه فارغًا، بل يجب أن يُملأ بالطعام من جديد، لكن مع تدهور الواقع المعيشي، لم يعد الناس يهتمون لهذا الأمر، فمن يريد أن يسكب طبخة لجاره لا ينتظر منه أن يردّ له الطبق مملوءًا، بل كل همه أن ينال أجر إطعام صائم، ويكسب محبة الناس وجبر خاطرهم.
أم طاهر شيخ تلت، سيدة من سكان إدلب، وصفت لعنب بلدي خجلها من أن تأخذ سكبة رمضان من جيرانها أو أقاربها، وترد لهم الصحن فارغًا.
ترفض أم طاهر أطباق السكبة أحيانًا لأنها غير قادرة على “الرد لا بمثله ولا أقل منه”، حسب قولها.
في المقابل، ترى هبة ربة منزل من أهالي حلب، أنه من الواجب أن يرد الشخص السكبة للآخرين، كنوع من تبادل المحبة والشكر لكرمهم، لكن “ليس من الضروري إذا كانت السكبة المرسلة فاخرة أن أرسل مثلها، فمثلًا الأسبوع الماضي أرسلت لي جارتي طبخة يبرق مع العصاعيص، بينما كنت قد حضرت المجدرة بالزيت، ورغم ذلك لم أخجل من طبختي وأرسلت لها طبقًا صغيرًا مع المخلل واللبن”.
سكبة عن بعد
هذا الطقس الجميل رغم أنه تراجع قليلًا مع ضيق الحال لمعظم السوريين، لكنه ظل حاضرًا بشكله المألوف، بينما حاول آخرون الحفاظ على سكبة رمضان بأشكال جديدة وغير معتادة.
“ما عنا شي ناكلوا”، عبارة سبّبت غصة كبيرة في قلب أم زياد التي تقيم في ألمانيا، حين سألت أختها أم وليد المقيمة في دمشق، ماذا ستطبخ على الإفطار، ما جعلها تفكر بطريقة تُدخل بها الفرح إلى قلب أختها وتجبر خاطرها في رمضان.
أم زياد، التي تحفظت عن ذكر اسمها واسم اختها لأسباب اجتماعية، فكرت في البداية أن ترسل لأختها مبلغًا ماليًا تشتري به مكونات الطبخة التي ستحضرها، لكنها تذكرت أن أختها أخبرتها مرارًا أن زوجها لا يسمح لها بتلقي أي مساعدة مالية من أحد.
بينما كانت أم زياد تتصفح على الإنترنت، شاهدت منشورًا على الفيسبوك لـ موقع تسوق إلكتروني في سوريا، يتيح للزبون انتقاء المطعم الذي يريد الطلب منه، والأصناف والمقبلات والمشروبات التي يرغبها، وتسديد ثمنها عن بعد، ومن ثم يتكفل الموقع بإرسال الطعام إلى العنوان المطلوب.
قررت أم زياد شراء فطور لعائلة أختها، واختارت طبق كبسة بالدجاج (4 أشخاص) بـ 56 دولارًا أمريكيًا، ورز مع بازلاء بلحم الموزات (4 أشخاص) بـ 77 دولارًا.
إلى جانب الطبقين الرئيسيين، اختارت أم زياد بعض المقبلات، وهي 4 قطع كبة بـ 8 دولارات، وصحن يالنجي (3 أشخاص) بـ 17.5 دولار، ولبن بخيار (5 أشخاص) بـ 8 دولارات، وتبولة (8 أشخاص) بـ 27 دولارًا، ومتبل (8 أشخاص) بـ 25 دولارًا، وليتر عصير برتقال بـ 3 دولار.
تقول أم زياد إنها صدمت بعد انتقاء الطلب بتكلفته والتي تبلغ حوالي 220 دولارًا (3 ملايين ليرة سورية)، ما يعني أن شراء وجبة فطور رمضاني تعادل راتب موظف لـ 10 أشهر، مضيفة، “حزنت جدًا للواقع الذي يعيشه السوريون في الداخل، لذا قررت إسعاد أختي وعائلتها بسكبة رمضان حتى لو كانت عن بعد”.
تفاجأت أم وليد قبل الإفطار بنصف ساعة، بشخص يطرق الباب ويخبرها أنه يحمل وجبات طعام لتسليمها لهم، فاستغربت الأمر وسألت عن مصدرها، فأخبرها أن أختها اشترت الطلب ودفعت ثمنه، بكت أم وليد من شدة الفرح، لاسيما أن الفطور الذي حضّرته في ذلك اليوم، كان فول بالزيت مع اللبن.
وتسبب غلاء أسعار السلع الغذائية، في ارتفاع تكلفة تحضير وجبة الإفطار في رمضان، حيث أكد الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، الدكتور شفيق عربش، لصحيفة الوطن المحلية، أن وجبة الإفطار لأسرة مكونة من 5 أشخاص أصبحت تكلفتها تصل إلى 300 ألف ليرة بالحد الأدنى، أي أن ذلك أصبح يكلف نحو 9 ملايين ليرة شهريًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :