الكلب زركان ووسائل التواصل الاجتماعي

  • 2024/03/24
  • 4:05 م
خطيب بدلة

خطيب بدلة

الكلب متغلغل في حياة العرب اليومية، ولغتهم، وقصصهم، وحكاياتهم. نظرات الناس إلى الكلب متضاربة، ففي السابق، كانوا يقيمون له وزنًا واعتبارًا، ويسمون أبناءهم باسمه: كلب، وكليب، وجرو، ومعاوية، وهناك قبيلة “كلاب”، ذات النسب العريق، بدليل هجاء الشاعر جرير خصمَه “النميري” بقوله:

فغض الطرفَ إنك من نمير- فلا كعبًا بلغتَ ولا كلابا

وكانوا يشبهون الإنسان بالكلب للمديح، كما في قول علي بن الجهم للخليفة “المتوكل”: أنت كالكلبِ في حفاظكَ للود- وكالتيس في مقارعة الخطوبِ، وهذا البيت يمكن اعتباره “حزورة رمضانية”، تسأل من خلالها المتابعين: يا حزركم، هل هذا مديح أم هجاء؟ ويعتبر الكلب مادة أساسية في لغة الشتائم، فيقال للرجل: اسكت يا كلب، أو: يا ابن 60 كلب. ومما يروى عن كبير تنويريي العرب، أبي العلاء المعري، أنه كان في مجلس “الشريف المرتضى” ببغداد، وسمعه يشتم المتنبي، فقال: يكفي المتنبي قصيدته (لكِ يا منازلُ) ففهم الشريف أن المقصود: وإذا أتتكَ مذمتي من ناقصٍ، فقال لرجاله: أخرجوا هذا الكلب من مجلسي، إنه يشتمني! فخرج المعري وهو يقول: كلب مَن لا يعرف للكلب 77 اسمًا! وقد قيل، بعد هذه الحادثة، إن علماء اللغة أحصوا أسماء الكلب في اللغة العربية، فوجدوها 77، وهذا يدفعنا للزعم بأن مساحة التخزين في ذاكرة أجدادنا كان تعبأ بأشياء زائدة على اللزوم، فما الفائدة من حفظ كل هذه الأسماء للكلب وهو، في المحصلة، مجرد كلب؟

صديقنا، الأديب الراحل تاج الدين الموسى، كتب قصة قصيرة بعنوان “الكلاب”، بطريقة توحي لمن يقرؤها بأنه يقصد بالكلاب عناصر الأمن، جريًا على طريقة الشاعر العبقري أحمد فؤاد نجم، الذي خاطب الحاكم بقوله: اطلقْ كلابك في الشوارع، واقفل زنازينك علينا.. ولم يكن عناصر الأمن يعرفون مقصد الكاتب تاج، لولا همة المخبر اللورد “أبو فستوك” الذي “نفضه” بتقرير من كعب الدست، فصار يُستدعى إلى فروع الأمن في مدينة إدلب، ويتعرض لـ سين وجيم حول القصة الكلابية المذكورة.

لا تزال صورة الكلب زركان منطبعة في ذاكرتي منذ أيام الطفولة والصبا. كان والدي، رحمه الله، متزوجًا بامرأتين، والدتي، من بلدة معرة مصرين، وخالتي أم طلال من قرية حزانو، وكان يصحبنا معه، في الصيف، لزيارة إخوتنا في القرية، وكنا نقيم بينهم أيامًا طويلة، حتى اعتدنا العيش في القرية وكأننا من أبنائها الأصليين. وكان في الطرف الجنوبي من الدار ساحة ترابية، فيها جب ماء، مغطى بحلّاية حجرية.. وكان الكلب زركان يجلس فوق الحلاية، ويجيل بصره في كل الاتجاهات، فإذا رأى سيارة قادمة من إحدى الجهات، ينطلق نحوها بسرعة البرق وهو يعوي، حتى يصل إليها، فيدور، ويعود راكضًا بمحاذاتها وهو يعوي، حتى يصلا، كلاهما، إلى الطريق العام، وهنالك تزداد سرعة السيارة، ويدرك زركان أنها ستسبقه، فيعود أدراجه، ويحتل مكانه فوق الحلاية.

سمع أحد أصدقائي هذه الحكاية، فقال: لو كانت وسائل التواصل الاجتماعي موجودة على أيام الكلب زركان، لما اضطر لكل ذلك الركض، يستطيع أن يعوي، وهو جالس!

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي