“BFM”.. الصفقات الكبرى في عالم الإعلام

  • 2024/03/24
  • 2:05 م
الصحفي السوري علي عيد

الصحفي السوري علي عيد

علي عيد

أشهر قليلة ويكون الجمهور الفرنسي على موعد مع مالك جديد لمجموعة “ألتيس ميديا” ((Altice الفرنسية التي أُسست عام 2001، وتملك مجموعة من القنوات ووسائل الإعلام وعلى رأسها “BFM TV” التي أُسست عام 2005.

لا نتحدث هنا عن مجرد صفقة تجارية، فهي طبيعة الأمور، وإنما عن مالكَين مختلفَين تمامًا في انتمائهما الجغرافي وربما السياسي، وأثر هذا الانتماء أو التوجه في سياسات فرنسا عمومًا، والمؤشرات المحتملة.

الملياردير اللبناني- الفرنسي رودولف سعادة، رئيس شركة “CMA CGm”، وهي عملاق النقل البحري، استحوذ مؤخرًا على 80% من أسهم “ألتيس ميديا” التي كان يملك فيها سابقًا 20%، في صفقة مع المالك الحالي لحين انتقال الملكية وهو الملياردير الفرنسي- المغربي- الإسرائيلي باتريك دراحي، وتبلغ قيمة الصفقة أكثر من 1.5 مليار يورو.

وتتكون مجموعة “ألتيس” من قنوات “BFM TV” الإخبارية و”RMC Découverte” الوثائقية و”RMC Story” التاريخية، و”BFM Business” الاقتصادية، و”I Télé” الإخبارية، وهي قنوات تبث على مدار 24 ساعة، بالإضافة إلى محطة “RMC” الإذاعية المتخصصة في الأخبار والرياضة.

تعرف “BFM TV” بتأثيرها القوي في الشارع الفرنسي، وميلها لدعم حزب ماكرون السياسي، واستحوذت على 3.5% من الجمهور الفرنسي في عام 2023، وهي نسبة ليست قليلة إذا ما عرفنا أن أهم منافسين لها، وهما قناتا “CNews” و”France Info”، يستحوذان معًا على نسبة 4% من الجمهور، 2.2% للأولى و1.8% للثانية.

كما تعرف “BFM TV” بدعمها لإسرائيل، وهو ما يظهر في تغطياتها لحرب غزة، وليس غريبًا هذا الدعم إذا راجعنا قائمة القنوات ووسائل الإعلام الأخرى التي يملكها باتريك دراهي خارج فرنسا، ومن بينها “i24NEWS”، التي أُسست عام 2013، وتعتبر القناة الأكثر مشاهدة باللغة الإنجليزية لدى الجمهور الإسرائيلي.

بالمقابل، يعرف عن المالك الجديد رودول سعادة ميله لدعم سياسة الرئيس الحالي مانويل ماكرون، وقربه منه، إذ كان معه خلال زيارتين إلى لبنان والسعودية مؤخرًا، ومن المحتمل أنه يشارك بوصفه قريبًا من الإليزيه في تقديم استشارات وربما صناعة السياسات الفرنسية حيال المنطقة العربية، وهو دور سبق أن لعبه رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، وإن بشكل مختلف، جراء علاقته الوطيدة مع الرئيس الفرنسي الأسبق، جاك شيراك، وغيره من الزعماء والسياسيين في فرنسا ودول غربية.

تشير صفقة “ألتيس ميديا” إلى تحولات محتملة في فرنسا، ومحاولات للإمساك بالأوضاع قبل جولة عام 2027، فالرئيس ماكرون لن يعود قادرًا على الترشح لولاية ثالثة، بحسب الدستور، وهناك خطر قادم من جهة “اليمين المتطرف” ممثًلا بالمرشحة المزمنة مارين لوبين، التي تقول الاستطلاعات الأولى إنها ستخوض الجولة الثانية مع مرشح آخر، كما أن هناك تنافسًا بين مجموعة من المرشحين الذين برزوا على الساحة مع فترة حكم ماكرون، بينهم غابرييل أتال، رئيس الحكومة الحالي، وإدوارد فيليب، رئيس الحكومة الأسبق، وجيرالد دارمنين، وزير الداخلية الذي تشبه الأوساط السياسية والإعلامية صعوده بصعود ساركوزي في عهد شيراك، وليس بعيدًا أيضًا الخطر القادم من “أقصى اليسار” عبر جان لوك ميلنشون.

فرنسا تعيش ظروفًا سياسية واقتصادية صعبة، بدأت مع جائحة “كورونا”، وامتدت إلى الحرب الروسية ضد أوكرانيا، مع تحولات داخلية، ربما يستدعي كل ذلك الحفاظ على ملكية وسائل الإعلام لجهات قريبة من التيار الحاكم الحالي ممثلًا بحزب “الجمهورية إلى الأمام” (La République en marche)‏.

مع هذه الأوضاع، قد يعتقد كثيرون أن الاستحواذ على “BFM TV” وأخواتها هي مجرد صفقة تجارية مليارية، لكن الحقيقة التي تخفيها هذه الصفقات، أن الإعلام يلعب دورًا حاسمًا في الانتخابات الرئاسية ومستقبل البلاد وسياستها.

وفي منتصف كانون الأول 2023، وقع أكثر من 250 صحفيًا وإعلاميًا افتتاحية في “لوموند” للتنبيه بشأن دور الإعلام وملكيته وأثره على المرشحين للانتخابات، كما أنشأ مجلس الشيوخ لجنة تحقيق في تشرين الثاني 2021 بشأن تركيز وسائل الإعلام وتأثيرها على الديمقراطية.

وتشير الإحصاءات إلى أن وسائل الإعلام في فرنسا يحتكرها الآن تسعة مليارديرات، وهو ما دفع إلى ظهور دعوات من قبل المشرعين لتسليط الضوء على شروط الشراء والتجميع التي أدت إلى تركيز الملكية في القطاع الصحفي والسمعي البصري، وإنشاء صندوق استدامة لوسائل الإعلام من أجل تحقيق الاستقرار في ملكية وسائل الإعلام، أو إنشاء حوكمة إعلامية أكثر ديمقراطية، وضمان استقلال وسائل الإعلام.

يتعهد رجل الأعمال اللبناني- الفرنسي رودولف سعادة بالحفاظ على سياسة “BFM TV”، حتى لو كان الأمر متعلقًا بمهاجمة أعماله، وهو الذي يملكها، إلا أن المسألة تتخطى مجرد تصريح إلى ما يتعلق بتكوين “الدولة العميقة”، الإعلام والمال، والمتحكمين من وراء الستار، وكل ذلك في مواجهة النقابات والإعلاميين والمدافعين عن حرية الإعلام واستقلاله، وخطر استخدامه لمصالح جهات بعينها.

مع ما سبق، ومع كل نضالات المدافعين عن حرية الإعلام، وكل التشريعات والقوانين، تبقى صفقة مثل “Altice” مثار جدل وتساؤلات، هل يسعى سعاة لمنصب سياسي في فرنسا أو حتى في لبنان، هل يسعى لدور اقتصادي أوسع في الشرق الأوسط ينقله إلى مركز متقدم بين أغنى أغنياء فرنسا بثروة تصل إلى تسعة مليارات يورو.. وللحديث بقية.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي