أبراج المراقبة اللبنانية على الحدود تغضب النظام السوري
عنب بلدي – حسام المحمود
تواصل قضية أبراج المراقبة اللبنانية على الحدود السورية خلق حالة من التجاذب السياسي بين لبنان والنظام السوري، منذ تعليق النظام على القضية مؤخرًا.
في 17 من آذار الحالي، قال رئيس حزب “القوات اللبنانية”، سمير جعجع، عبر “إكس“، إن الحكومة السورية بعثت في الأسابيع الأخيرة رسالة احتجاج إلى لبنان على الأبراج التي أقامها على أرضه لضبط حدوده، ووقف تهريب المخدرات والسلاح والبضائع والمواد الممنوعة، وهدف الرسالة القول إن الأبراج تهدد أمن سوريا القومي.
جعجع استنكر هذا الطرح بالقول، إن “أول ما يستدعي الانتباه والاستغراب حديث الحكومة السورية عن أمن قومي غير موجود في هذه الأيام، في ظل الميليشيات الإيرانية والجيوش الروسية والتركية والأمريكية وسواها، فعن أي أمن قومي تتحدث هذه الحكومة، وعن أي سيادة سورية”.
كما لفت إلى أن الأبراج التي تعترض عليها دمشق موجودة عند الحدود وضمن الأراضي اللبنانية، مع تأكيد حق لبنان في إقامة أبراج لرصد وضبط تهريب الممنوعات والمواد المحظورة والأشخاص والمخدرات.
واعتبر جعجع أن أكثر ما أزعج النظام السوري رصد تهريبه للمخدرات، كونه أهم تاجر مخدرات في المنطقة، والعالم، والاشتباكات على الحدود السورية- الأردنية أبلغ دليل على ذلك، كما دعا المسؤولين اللبنانيين، ومن لا يزال يتآمر مع النظام السوري إلى الكف عن تآمره مع نظام بائد، بما يناقض مصلحة لبنان.
الرد اللبناني
تصريحات جعجع جاءت بعد ما نشرته صحيفة “نداء الوطن” اللبنانية (تصدر منذ تموز 2019)، حين لفتت الصحيفة، في 16 من آذار، إلى رد قيادة الجيش اللبناني على الرسالة السورية بشأن أبراج المراقبة.
وبحسب الصحيفة، فالرد المرسل إلى المسؤولين السوريين مطابق للرد الذي أرسلته قيادة الجيش اللبناني إلى دمشق في 2017، بعد رسالة مشابهة للرسالة السورية الجديدة التي تسلمها لبنان.
وأوضح الجيش اللبناني في رده، أن هدف الأبراج يتعلق بحماية الحدود ومنع التهريب عبر النقاط الحدودية المشتركة، والمراقبة ومنع تسرب المهربين، أو تهريب الأسلحة والمخدرات من لبنان وإليه، مع الإشارة إلى أن التجهيزات التي تحملها الأبراج ترتبط بالجيش اللبناني فقط، والكاميرات موجهة باتجاه الأراضي اللبنانية، وليس السورية، ولا تستخدمها جهات خارجية.
كما أوضح الرد اللبناني أن هدف هذه المراصد وتحصيناتها وبناء الأبراج عليها، حماية عناصر الجيش وتأمين الاتصالات بينهم، لا سيما في ظل الظروف المناخية الصعبة على الحدود، مع الإشارة إلى أن بناء الأبراج جرى بمساعدة دولة صديقة، لكن إدارتها بيد الجيش اللبناني.
النظام السوري يحتج
نشرت جريدة “الأخبار” اللبنانية، في 23 من شباط الماضي، احتجاج النظام السوري على الأبراج البريطانية، وقالت إنه بعد سنوات من الترقب للنشاط الأمريكي والبريطاني على الحدود السورية، قررت الحكومة السورية توجيه مذكرة رسمية إلى الحكومة اللبنانية، حول الأبراج المنتشرة على الحدود من مصب نهر الكبير في الشمال إلى ما بعد منطقة راشيا في البقاع.
المذكرة التي وصلت من الخارجية السورية إلى اللبنانية، اعتبرت الأبراج التي أنشأها البريطانيون لأفواج الحدود البرية الأربعة في الجيش اللبناني، على الحدود السورية، تهديدًا للأمن القومي السوري.
رواية النظام السوري في هذا الإطار استندت إلى أن المعدات التي تتضمنها منظومة الأبراج تستطلع مسافات عميقة داخل الأراضي السورية، وتجمع معلومات عن الداخل السوري، وبالتالي، فالناتج المعلوماتي منها يصل إلى البريطانيين، وإسرائيل تستفيد من هذا الناتج في ضرباتها للعمق السوري.
كما أشار النظام في مذكرته إلى زيارات أجراها ضباط بريطانيون إلى الأبراج، متذرعًا بأن البريطانيين يمارسون دورًا سلبيًا تجاه دمشق، ويشاركون الأمريكيين وقوى غربية أخرى في حربهم ضد سوريا منذ 2011، وفق روايته.
واعتمد موقف النظام السوري على القانون الدولي المتعلق بالحدود المشتركة بين الدول، إذ يفرض على الدولة الأولى (لبنان)، في حال عدم وجود حرب بين الدولتين، تزويد الدولة الثانية بالناتج المعلوماتي من أبراج المراقبة التي تنشئها حدود الثانية.
الأول من نوعه
وفق ما نقلته قناة “LBC” اللبنانية، فإن التصريح من دمشق هو الأول من نوعه بعد سياسة شديدة الحذر في التعامل مع الدولة اللبنانية منذ بدء التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، في 2009، وحتى خلال ذروة العمليات العسكرية في سوريا.
في 27 من شباط الماضي، قال وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بوحبيب، لموقع “LORIENT TODAY“، إنه ينتظر ردودًا متتابعة من الأطراف المعنية قبل صياغة الرد الذي من المرجح أن تجري مناقشته في مجلس الوزراء، مع ترجيحات بأن السوريين يشعرون بالقلق من إمكانية مشاركة المعلومات التي يجمعها الجيش على حدودهم، مع طرف ثالث.
وبحسب المسؤول اللبناني، فإن غالبية هذه الأبراج، باستثناء الموجودة في عكار والبقاع الشمالي، لا تحظى بإطلاله مباشرة على الجانب السوري، وفق الباحث في المجلس الأطلسي نيكولاس بلانفورد، كما أن الأبراج التي تتمتع بأكبر قدر من التعرض لا تقدم نظرة واسعة النطاق.
وهناك 39 برجًا على طول الحدود اللبنانية، تحمي لبنان من غزو تنظيم “الدولة الإسلامية”، وتقع في موقع استراتيجي، ويبلغ ارتفاعها 30 قدمًا، ومنها سبعة أبراج استخدمها الجيش البريطاني سابقًا في أيرلندا الشمالية، وجرى استخدامها في العراق وأفغانستان، وهي جزء من حملة بقيمة 62 مليون جنيه إسترليني لصد قوات “الدولة الإسلامية” في سوريا، وفق تقرير لصحيفة “ديلي ميل” البريطانية.
وتولى فريق بريطاني من نحو 40 من المحاربين القدامى تدريب 11 ألف جندي لبناني على كيفية استخدام الأبراج لرصد الإرهابيين الذين يقتربون منها، منذ بدء المشروع في 2012.
وفي كانون الأول من 2014، كشف السفير البريطاني في لبنان، حينها، أن بلاده أنفقت نحو 20 مليون جنيه إسترليني لبناء أبراج المراقبة وتزويد الجيش اللبناني بالمعدات العسكرية اللازمة لحماية حدوده، وفق ما نقلته قناة “MTV” اللبنانية.
وجهة نظر مختلفة
خلال مقابلة أجراها موقع “ذا كاردل” (متخصص في القضايا الجيوستراتيجية والعسكرية والأمنية غربي آسيا)، مع مسؤول رفيع المستوى في الجيش اللبناني، في آب 2021، قال المسؤول العسكري الذي تحفظ على ذكر اسمه، إن السبب العلني من إقامة الأبراج هو تحركات تنظيم “الدولة الإسلامية”، لكن الهدف لم يكن هذا فقط، وهو بوضوح تحقيق السيطرة الكاملة على الحدود الشرقية، لبسط السلطة على جميع الحدود مع سوريا.
المسؤول العسكري اللبناني بيّن أن الأمريكيين والبريطانيين يدركون أن “حزب الله” يدخل أسلحته إلى البلاد عن طريق البر، وبالتالي فإن هدف الأبراج مراقبة تحركات “حزب الله” اللبناني، والسوريين، مع الإشارة إلى وجود مشروع “الفوج النموذجي” في الجنوب، الذي جرت الموافقة على تجهيزاته وتمويله منذ مؤتمر روما.
كما نقل الموقع عن مصدر مطلع في “محور المقاومة” بدمشق، أن “المحور” يفهم الغرض من الأبراج الحدودية والمصالح البريطانية والأمريكية في دعم الجيش اللبناني، دون تزويده بأسلحة يمكنها تحقيق هذه المصالح، من خلال التركيز على الحدود مع إسرائيل، وعلى الحدود السورية، لتحديد وتصوير خط إمداد “حزب الله” اللبناني.
ولا تعتبر الأبراج والمعدات العسكرية مجال التعاون الوحيد بين لبنان وبريطانيا، إذ أجرى الجيش اللبناني، في أيلول 2023، مناورات عسكرية استمرت عشرة أيام، وتعتبر الأكبر على الإطلاق بين الجانبين، وجرت بمشاركة أكثر من 65 عسكريًا من الكتيبة الثانية في الجيش البريطاني (فوج المظليين)، مع عسكريين من فوج “الهجوم الجوي” اللبناني، وفق موقع “DEFSEC” المتخصص بالشؤون العسكرية.
الأمر منوط بالحكومة
رئيس جهاز التنشئة السياسية في حزب “القوات اللبنانية”، شربل عيد، أوضح لعنب بلدي أن الحزب يؤيد بيان الجيش اللبناني، كون هذه الأبراج لا تمس بـ”الأمن القومي” للنظام السوري، فاليوم سوريا شيء والنظام السوري شيء آخر، وفق رأيه
وبيّن عيد أن هذه الأبراج غرضها ضبط التهريب بأنواعه، موضحًا أن موقف النظام السوري مضحك، فالأمن القومي يتعارض مع وجود أربعة جيوش وميليشيات مسلحة على الأراضي السورية، منها “حزب الله”.
“الأبراج ضرورة سيادية واقتصادية لبنانية ملحة، والنظام السوري اعتاد العيش على حساب الاقتصاد اللبناني، وتحديدًا عبر التهريب الذي اتسع نطاقه ليشمل المخدرات، فالنظام السوري يقود واحدة من أكبر شبكات تهريب المخدرات عالميًا”، أضاف شربل عيد.
وحول الموقف اللبناني من نظرة النظام لهذه الأبراج، يرى أن موقف الجيش اللبناني لا تراجع عنه، لكن القرار الأخير بيد الحكومة، وهذه الحكومة تتبع لـ”محور الممانعة”، وهذه حكومة “حزب الله” وإيران، وهناك دعم دولي لبقاء الأبراج، لكن في الوقت نفسه لا يمكن التكهن بموقف هذه الحكومة.
وقد يرتبط تجدد رفض النظام لهذه الأبراج بالطرح البريطاني المتعلق بإقامة أبراج على الحدود اللبنانية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، لمنع الحكومة اللبنانية من الإقدام على هذه الخطوة بدعم من “محور الممانعة”، وإعادة طرح الموضوع للنقاش بالكامل، وفق المسؤول في حزب “القوات”.
من جهته، يرى النائب السابق لرئيس تيار “المستقبل” اللبناني، مصطفى علوش، أن هذه الأبراج يمكن أن تمس بالأمن القومي السوري لو كانت هذه الدولة مسؤولة عن حدودها، ولم تكن هذه الحدود مستباحة بالكامل من قبل ميليشيات إيران.
وقال علوش لعنب بلدي، إن الأبراج المقامة بدعم بريطاني جزء من القرار “1701” الذي طالب بضبط الحدود، لكن من يقوم بالتهريب هم عملاء إيران بالتعاون مع “ما تبقى من سلطة في سوريا”، مشيرًا إلى أن إعادة طرح النظام السوري للموضوع حاليًا قد تكون بإيعاز من “الحرس الثوري”، إذ يبدو أن هذه الأبراج باتت تتسبب بإعاقة عملياته.
منذ 2013
ووفق بيانات الحكومة البريطانية في 2015، فإن الأبراج الحدودية في لبنان بدأت عملياتها منذ عام 2013، كما أن بيانًا صحفيًا صدر في 2018 عن الحكومة، تحدث عن مساعدة بريطانيا للبنان في بناء 75 برجًا للمراقبة وقواعد عمليات أمامية على طول الحدود اللبنانية مع سوريا.
وكان السفير البريطاني في لبنان أجرى، في تشرين الثاني 2021، زيارة إلى الحدود البرية في البقاع، احتفالًا بمرور أكثر من عقد على التعاون العسكري بين بريطانيا ولبنان.
وخصصت بريطانيا، منذ 2010، أكثر من 84 مليون جنيه إسترليني، للسماح للجيش اللبناني بتحسين قدراته وتطويرها وتحديثها، ليصبح جيشًا محترفًا قادرًا على الدفاع عن لبنان، وتوفير الأمن على طول الحدود مع سوريا، وفق الوكالة اللبنانية “الوطنية للإعلام”.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :